مساقات عبر الإنترنت Online Courses

  • التسجيل
  • تسجيل الدخول
الرئيسية / الدورات الدراسية / الأناجيل / الدرس الثاني: الإنجيل بحسب متى

الأناجيل – الدرس الثاني – القسم الثاني

الدورات الدراسية الأناجيل الدرس الثاني: الإنجيل بحسب متى الأناجيل – الدرس الثاني – القسم الثاني
الدرس Progress
0% Complete
 
  • الفيديو
  • الملف الصوتي
  • النص

البنية والمحتوى
تمهيد: الملك المسيحاني

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aGOS02_05.mp4
موضوعات ذات صلة
What can the structure and content of Matthew's gospel reveal about his purpose for writing?

إنجيل الملكوت

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aGOS02_06.mp4
موضوعات ذات صلة
In the Sermon on the Mount, was Jesus contradicting the Old Testament?

انتشار الملكوت

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aGOS02_07.mp4
موضوعات ذات صلة
Why did so many people that witnessed Jesus' miracles still reject him as Messiah or Christ?

الآيات والأمثال

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aGOS02_08.mp4
موضوعات ذات صلة
What exactly is repentance, and what does it have to do with God's kingdom?

الإيمان والعظمة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aGOS02_09.mp4
موضوعات ذات صلة
What does the Transfiguration teach us about Jesus' role as the Christ?

المعارضة الحالية والانتصار المستقبلي

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aGOS02_10.mp4
موضوعات ذات صلة
What does the Lord's Supper signify in Matthew's gospel?

ذروة خدمة يسوع

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aGOS02_11.mp4
موضوعات ذات صلة
How did Jesus' death atone for sin?
  • البنية والمحتوى
    تمهيد: الملك المسيحاني
  • إنجيل الملكوت
  • انتشار الملكوت
  • الآيات والأمثال
  • الإيمان والعظمة
  • المعارضة الحالية والانتصار المستقبلي
  • ذروة خدمة يسوع

البنية والمحتوى
تمهيد: الملك المسيحاني

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aGOS02_05.mp3
Related Audio What can the structure and content of Matthew's gospel reveal about his purpose for writing?

إنجيل الملكوت

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aGOS02_06.mp3
Related Audio In the Sermon on the Mount, was Jesus contradicting the Old Testament?

انتشار الملكوت

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aGOS02_07.mp3
Related Audio Why did so many people that witnessed Jesus' miracles still reject him as Messiah or Christ?

الآيات والأمثال

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aGOS02_08.mp3
Related Audio What exactly is repentance, and what does it have to do with God's kingdom?

الإيمان والعظمة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aGOS02_09.mp3
Related Audio What does the Transfiguration teach us about Jesus' role as the Christ?

المعارضة الحالية والانتصار المستقبلي

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aGOS02_10.mp3
Related Audio What does the Lord's Supper signify in Matthew's gospel?

ذروة خدمة يسوع

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aGOS02_11.mp3
Related Audio How did Jesus' death atone for sin?
  • البنية والمحتوى
    تمهيد: الملك المسيحاني
  • إنجيل الملكوت
  • انتشار الملكوت
  • الآيات والأمثال
  • الإيمان والعظمة
  • المعارضة الحالية والانتصار المستقبلي
  • ذروة خدمة يسوع

البنية والمحتوى

يتفقُ الدراسون الى حدٍّ بعيدٍ حولَ بعضِ الميزاتِ البارزةِ في بُنيةِ إنجيلِ متى. وهذا يعودُ إلى حقيقةِ أن متى أعطانا مِفتاحاً مساعداً. ففي خمسةِ مواضعَ مختلفةٍ يستخدمُ متى عبارةً مماثلةً: “فَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هذِهِ الأَقْوَالَ”، لينتقلَ إلى موضوعٍ جديدٍ رئيسيٍّ في الإنجيلِ. وترِدُ مثلُ هذه العبارةِ أحياناً في نهايةِ قِسمٍ مُعيّنٍ، وفي أحيانٍ أخرى عند بدايةِ قسمٍ جديدٍ. لكنها تشيرُ دائماً إلى الانتقالِ إلى موضوعٍ جديدٍ.

وعن طريق اتباع معالم البنية هذه، يتفق معظم الدارسين أن إنجيل متى ينقسم إلى سبعة أجزاء. هناك خمسة أجزاء رئيسية محدّدة من خلال التصاريح الانتقالية في متى ٧: ٢٨، و١١: ١، و١٣: ٥٣، و١٩: ١، و٢٦: ١. كما ضمّن متى إنجيله برواية تمهيدية، ورواية ختامية.

  • يبدأ الإنجيل برواية تمهيدية تظهر يسوع كالملك المسيحاني من متى ١: ١ – ٢: ٢٣.
  • يصف التقسيم الرئيسي الأول إنجيل الملكوت من متى ٣: ١ – ٧: ٢٩.
  • ويركّز التقسيم الرئيسي الثاني على انتشار الملكوت من متى ٨: ١ – ١١: ١.
  • ويدوّن التقسيم الثالث الرئيسي آيات وأمثال الملكوت من متى ١١: ٢ – ١٣: ٥٣.
  • يركز التقسيم الرابع الرئيسي من سجل متى على الإيمان والعظمة بدءً من ١٣: ٥٤ – ١٨: ٣٥.
  • يتناول التقسيم الرئيسي الخامس والأخير المعارضة الحالية للملكوت والانتصار المستقبلي للملكوت من متى ١٩: ١ – ٢٥: ٤٦.
  • أخيراً، هناك خاتمة تروي قصة موت الملك وقيامته من متى ٢٦: ١ – ٢٨: ٢٠.

ويدعم كل جزء من أجزاء إنجيل متى هذه، قصة يسوع، الملك المسيحاني الذي جاء بملكوت السماوات إلى الأرض.

دعونا نلقي نظرة عن قرب على كل من هذه الأجزاء، بدءاً من مقدمة متى الفصل ١ والعدد ١ إلى الفصل ٢ والعدد ٢٣.

تمهيد: الملك المسيحاني

تعرّفنا مقدمة إنجيل متى إلى يسوع كالملك المسيحاني، وتنقسم إلى قسمين: سلالة النسب وقصة الطفولة.

سلالة النسب

ونجد سلالة النسب في متى ١: ١ – ١٧. من الناحية التقنية، العدد الأول هو بمثابة مقدمة أو عنوان، فيه لخّص متى نقطته الرئيسية، أي أن يسوع هو ملك إسرائيل المسيحاني.

نقرأ في متى ١: ١:

كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ.

وضع متى، منذ البداية، تشديداً خاصاً على داود ملك إسرائيل، وعلى إبراهيم أب الشعب اليهودي.

بعد هذه الجملة الافتتاحية، تبدأ سلسلة النسب في العدد ٢. فبحسب متى ١: ١٧، فإن سلسلة النسب موزعة على ثلاثة أقسام، يتضمن كل منها ١٤ سلالة يبدأ القسم الأول، بعهد الله مع إبراهيم الذي وعده فيه بأن يحكم نسله العالم.

أما القسم الثاني، فيبدأ مع الملك داود ووعد الله له بأن يتمّم عهده مع إبراهيم عن طريق تثبيت مملكة داود للأبد. وينتهي القسم الثاني بسبي شعب الله من أرض الموعد بسبب خطيّتهم وكسرهم للعهد.

أما القسم الثالث من سلسلة النسب، فيمتد من السبي إلى ولادة يسوع. فالشعب اليهودي كسر عهد الله ووقع تحت لعنات العهد. لكن الله استمر في قصده ببركة إسرائيل، عن طريق تحقيق الوعود التي قطعها لإبراهيم وداود. ملوك إسرائيل السابقون فشلوا، لكن ها ملك إسرائيل الأخير، الذي سيحقق مصير إسرائيل، قد جاء أخيراً.

وتنتهي لائحة جدود يسوع في متى ١: ١٦، حيث نقرأ هذه الكلمات:

وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ.

بهذه الطريقة، برهن متى أن ليسوع الحق الشرعي الكامل ليتبوأ عرش داود من خلال أبيه يوسف.

كان ينبغي أن يكون المسيح من نسل داود لأن هذا ما نصّ عليه الإعلان النبوي بشكلٍ أساسي. هذا ما تمّ التنبّؤ به. فمن البداية، من كتاب التكوين، حيث تعلن النبوة أن المُلك سيكون من سبط يهوذا. طبعاً، هذه نبوةٌ تمّت في الملك داود نفسه، الذي كان أعظم ملوك إسرائيل. وكان كل ملك بعدَه يُقارَن ويُقاس به إما إيجابياً أو سلبياً. ولدينا طبعاً العهد الذي قطعه الله مع داود نفسه. فحين اقترح داود على ناثان النبي أن يبني بيتاً – هيكلاً للرب، عندها عاد ناثان إليه وقال له: “لن تبني أنتَ بيتاً للرب، لكن الرب سيبني بيتاً لك”. وقد قصد بكلمة “بيت” طبعاً سلالةً ملكية. كما في ٢ صموئيل ٧ النبوّة بأن الرب سيبني لداود بيتاً، وسيؤسّس مملكته إلى الأبد، وبأن واحداً من نسله سيملك على عرشه إلى الأبد. وقد صارت هذه النبوة أساس النبوّات المسيحانية التي أُعطيت لاحقاً. ولذا، حين كان الأنبياء يتكلَّمون عن سلالة داود وعن المملكة الداودية، لا سيما بعد انهيار المملكة، كانوا يشيرون إلى الرجاء بأن الله سيعيد أمجاد السلالة الداودية. ولذا من خلال نسل داود سيقيم الله ملكاً. وهكذا، كان ينبغي أن يأتي الملك، المسيح، من نسل داود. [د. مارك ستراوس]

وتلي سلالة نسب يسوع، قصة الطفولة.

قصة الطفولة

تمتد قصة طفولة يسوع من ١: ١٨ – ٢: ٢٣. وهذا الجزء موجز إلى حد ما – ٣١ عدداً بالمقارنة مع ١١٦ عدداً في إنجيل لوقا. وقصْد متى في هذا الجزء محدّد تماماً. فقد صمَم كل واحد من المقاطع الخمسة القصيرة لتركيز الانتباه على حقيقة رئيسية واحدة: يسوع، المسيح الموعود، قد ولد. ويخبرنا كل مقطع قصة وجيزة، ثم يشرح لنا كيف تمَّمت تلك القصة توقعات العهد القديم عن المسيح.

من بين أكثر الأمور تشويقاً التي نتعلمها من قصة طفولة يسوع، هو عدم وجود أب بشري ليسوع. لكن بدلاً من ذلك كان الله أباه – حرفياً. فالروح القدس جعل مريم تحبل بيسوع رغم كونها عذراء.

صحيح أن بعض منتقدي المسيحية أشاروا إلى أن الميلاد العذراوي يشكّل ضعفاً في سلالة نسب يسوع، فهو لم يكن من نسل يوسف حسب الجسد، الذي من خلاله استحق عرش داود. لكن توجد حقيقة معترف بها، وهي أن سلالات النسب، مثل ١ أخبار الأيام ١ – ٩، تتتّبع غالباً سلالات النسب من خلال آباء بالتبني.

علاوة على ذلك، كون يسوع هو ابن الله، فهو إلهٌ كاملٌ. وهذا يعني أنه كان قادراً على حفظ عهد الله بالتمام. الملوك البشر العاديون لم يطيعوا أبداً عهد الله بالتمام. لذلك، لم يتمكنوا أبداً من أن يرثوا بركات العهد الكاملة التي وعد بها الله إبراهيم وداوُد. لذلك، أرسل الله ابنه الكامل ليكون ملكاً، لكي يضمن حفظ عهده، وبالتالي تتحقق وعوده بالبركة.

من الواضح تماماً أن المسيح الموعود كان سيأتي كإنسان من نسل داود، وهذا يتضمَّن حقائق هامة كثيرة. ولكن من المهم أن ندرك أن المسيح الموعود ينبغي أن يكون إلهاً – وأن يحمل الطبيعة الإلهية. ما هو السبب؟! السبب الجوهري هو أنّ مشكلتنا نحنُ البشر أمام الله هي أننا أخطأنا إليه. ينبغي أن يقدِّم هو الجواب – ينبغي أن يقدّم الحلّ. مشكلة الغفران التي نريد في بعض الأحيان أن نتكلم عنها هي أنّ خطيّتنا أمام الله ليست أمراً يمكننا التغاضي عنه. ليست خطيتنا أمراً يمكننا أن نقول بشأنه: “وضعي جيد في مقياس الله،” أو “إني ابذل جهدي.” والله إله قدوس. الله بار وعادل. لا يمكننا ببساطة أن نتجاهل خطيتنا، فهذا إنكار لله نفسه. ولذا، حتّى يغفر لنا الله، ينبغي أنْ يتمّ هذا بمبادرة منه. ينبغي أن يقدّم هو الحل للوفاء بكل مطالبه العادلة والبارّة. الله ينبغي أن يقدِّم الحل. وهذا يظهر بشكلٍ متكرِّر في العهد القديم. انظر، مثلاً، يونان ٢: ٩: “للرّبّ الخلاص”. لا بُدّ أن يسُدّ الله نفسه الحاجة. الله نفسه هو مَن يقدّم الحل. الله نفسه هو مَن يغفر. ولذا، وليتحقَّق الخلاص من خلال المسيح الموعود، ينبغي لهذا المسيح أن يمثّلنا. ولذا ينبغي أن يكون بشراً، كما ينبغي أن يكون الرّب – الرّب الذي يأتي – الرّب الذي يخلِّص – الرب الذي يفي بمطالب قداسته وبرّه. ما يقتضي أن يكون المسيح الموعود إلهاً. [د. ستيف وِلَم]

قدّم متى في مقدمة إنجيله، يسوع كالملك المسيحاني. الابن الملكي لداود الذي نال كل بركات الله التي وعد بها إبراهيم وشعب إسرائيل. بهذه الطريقة، هيأ متى المسرح للأخبار السارة المدهشة التي هي موضوع بقية هذا الكتاب.

تتبع المقدمة، التقسيمات الأدبية الرئيسية الخمس للإنجيل. كل تقسيم من هذه التقسيمات الخمس مؤلف من قسمين: قسم روائي يصف فيه متى ما فعل يسوع، وأتبعه بقسم تعليمي فيه يذكر متى ما قاله يسوع.

إنجيل الملكوت

يروي التقسيم الرئيسي الأول لإنجيل متى قصة إنجيل ملكوت السماوات. ويمتد هذا الجزء من متى الفصل الثالث والعدد الأول إلى الفصل السابع والعدد التاسع والعشرين.

أتى المسيا

يبدأ القسم الروائي في متى ٣: ١ وينتهي في ٤: ٢٥. هنا، أعلن متى أن الملك المسيحاني قد أتى، وقد أحضر ملكوت السماوات إلى الأرض.

القسم الأول الروائي هو متى ٣: ١ – ١٢، حيث أعلن يوحنا المعمدان أن مسيح الله سيأتي قريباً ويعمّد شعب الله الأمين بالروح القدس. ولمدة ٤٠٠ سنة، كان الروح القدس غير نشيط نسبياً في إسرائيل بسبب دينونة الله على شعبه المعاند. أما الآن، فكما تنبأ أنبياء العهد القديم، ها يوم جديد على وشك البزوغ، فيه ينسكب روح الله.

ويستمر القسم الروائي مع معمودية يسوع من متى ٣: ١٣ – ١٧. في هذا الحدث، نزل الروح القدس على يسوع، ماسحاً إياه لخدمته المسيحانية، وأعلن الآب من السماء: “هذَا هُوَ ابْني” مطبّقاً على يسوع اللقب الملكي من المزمور ٢: ٧.

في الصوت الإلهي تلميح أيضاً إلى العبد المتألم في إشَعياء ٤٢: ١ – ٢. فعن طريق وصف يسوع “هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ”، كان يسوع الملك المسيحاني، لكنه مَلكٌ من نوع آخر. فهو سيتمّم دعوته عن طريق الألم.

أما في القصة التالية من القسم الروائي والتي نجدها في متى ٤: ١ –١١، تحدى الشيطان التزام يسوع بالقيام بدوره كالملك المسيحاني المتألم. ثلاث مرات، أغرى الشيطان يسوع ليكون مسيحاً من دون ألم، وما قاله له في الأساس هو: “لا تختبر الجوع مثل البشر. أدهِش الناس ليؤمنوا بك دون أن تتألم. سُد على الأمم من دون عذاب”. لكن في المرات الثلاث، رفض يسوع الطريق السهل الذي أنكر دوره كمسيح متألم.

ثم في متى ٤: ١٢ – ١٧، بدأ يسوع خدمته المسيحانية العلنية بالكرازة بإنجيل الملكوت.

استمع كيف لخّص يسوع رسالته في متى ٤: ١٧:

مِنْ ذلِكَ الزَّمَانِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَكْرِزُ وَيَقُولُ: “تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ”.

يذكر متى، أن الأخبار السارة التي كرز بها يسوع أعلنت اقتراب ملكوت السماوات، أي أنه من خلال خدمته، كان يسوع على وشك أن يأتي بملكوت السماوات إلى الأرض. وهذا الملكوت كان متوفراً لجميع الذين يتوبون عن خطيّتهم ويتبعون يسوع كملك.

“ملكوت السماوات” مُصطلح يُستخدَم في إنجيل متّى، وفي إنجيل متّى وحده، كتعبير مرادف لـملكوت الله. وأنا أتفق مع معظم الدارسين بأنه لا يوجد فرق بين هذين المُصطلحين. وحقيقة أنّ يسوع يصف الملكوت بأنه قريب أو اقترب، كما في بعض الترجمات، تشير إلى أن حُكْم الله في نهاية الزمان، قد بدأ بمعنى ما، في شخص يسوع وعمله. ولكنّه أيضاً، بمعنى آخر، ينتظر الاكتمال. والكلمة المستخدمة “تحقيق” هي تصلح لأن تصف ما سيحدث في المجيء الثاني ليسوع. وهكذا، فإن المؤمنين يعيشون، إن استخدمنا لغةً تقنية في وجودٍ “جدلي”. فإحدى قدمي المؤمن في الطرف الخاص بملكوت الله، ولكنّ قدمه الأخرى في الطرف الذي لم يتحقق بعد في ملكوت الله. وقدرٌ كبير من تحدي التلمذة المسيحية هو التداول في أمور الحياة وقراراتها وفي طريقة تفكيرنا بالحياة. وما معنى أن ملكوت السماوات قد تحقّق الآن إلى حد ما، ومعنى أنّه لم يُستعلَن تماماً بعدُ. [د. ديفيد باور]

حين انطلق يسوع يكرز من قريةٍ إلى قرية بالإنجيل معلناً: “توبوا لأن ملكوت الله قد اقترب”، كان في الحقيقة يقول بضعة أمور. فكان أولاً يقول إنّه فيه ومن خلاله ملكوت الله حاضر، في وسطهم. وهذا أمرٌ أراهم إياه بتعليمه الذي كان بسلطان، وبإخراج الأرواح الشرّيرة وممارسة سلطانه عليها، وكذلك من خلال خدمة الشفاء. وهكذا، فإن الأمر الأوّل الذي كان يسوع يقوله هو أن الملكوت وسلطان المَلِك حاضران فيّ، هنا في وسطكم. ولكن الأمر الآخر الذي كان يقوله هو أن الملكوت آتٍ. فالملكوت ليس حاضراً هنا بملئه وكماله، ولكن في وقتٍ ما في المستقبل، سوف يكون ملء حكم الله مرئياً للجميع. هذا ما كان يسوع يقصده حين كان يقول إن ملكوت الله قريب. وهكذا، فإن يسوع بدعوته الناس إلى التوبة لأن ملكوت الله اقترب، كان يدعوهم في الحقيقة للخضوع للمَلِك. فبخضوعهم وطاعتهم، بل دعني أقول حرفياً باتّباع الملك فكانوا يُضَمّون أو كان يُعاد ضمُّهم إلى شعب العهد مع الله. هذا هو نوع الخضوع للملك الذي يُشار إليه بالتوبة. [د. غريغ بيري]

في متى ٤: ١٨ – ٢٢، دعا يسوع تلاميذه. وهذه الصورة هي صورة الملك المسيحاني وهو يجنّد قادة ملكوته.

بعد ذلك، في متى ٤: ٢٣ – ٢٥، استعرض متى مقدماً الجزأين التاليين من الإنجيل. فقد أعلن أن يسوع طاف في كل الجليل يعلّم ويشفي الجموع. وتصف لنا ٥ – ٧ تعليم يسوع، بينما يصوّر لنا ٨ – ٩ شفاءه.

والآن بعد أن نظرنا في رواية متى حول إنجيل الملكوت، لننتقل إلى الخطاب المرافق الموجود في متى ٥: ١ – ٧: ٢٩.

الموعظة على الجبل

هذا الخطاب يُسمى عامة الموعظة على الجبل. في هذا الخطاب، يصف يسوع الحياة البارّة لمواطني الملكوت. وهو يشير صراحة إلى الملكوت سبع مرات، وتتمحور الموعظة بكاملها حول هذا الموضوع.

شدّد يسوع مرة تلو المرة، على أن تحديات البر هي أعظم بكثير مما تصوره قادة اليهود. كما شدّد أيضاً على أن أب مواطني الملكوت السماوي، هو أقرب إليهم وأكثر استعداداً ليباركهم مما تصوروا. وهذا الاتحاد بين هاتين الفكرتين التوأمين يعطي الموعظة سمتها المميزة.

خذ على سبيل المثال تعليم يسوع عن الزنا في الموعظة على الجبل. علّم يسوع أن شريعة الله تتطلب أكثر مما قد يُستدل من قراءة سطحية، وأكثر مما علّمه معلمو اليهود عامة.

استمع إلى ما قاله يسوع في متى ٥: ٢٧ – ٢٨:

قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ.‏ وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ.

عندما أشار يسوع إلى ما “قيل”، كان يتحدث عن التفسيرات الشائعة للكتب المقدسة بين معلمي اليهود في عصره. بعض هؤلاء المعلمين علموا أن وصايا العهد القديم حَرّمت الزنا، لكنهم فشلوا في معالجة القضية الأكثر أهمية، قضية القلب البشري. لكن يسوع أشار إلى أمر اعتُبر صحيحاً حتى في زمن العهد القديم وهو: الله غير مهتم بضبط السلوك الخارجي فقط، بل هو يريد أن تبدأ الطاعة من القلب.

أحياناً نحن ننظر إلى العهد القديم كما لو أنه في تناقض مع العهد الجديد، فنظن أنّ الله في العهد القديم طالب بعلاماتٍ خارجية، إذ أراد أن يختتن شعبه، وطلب الذبائح، وأن تُحفَظ أيّامٌ خاصّة، وأن ذلك كان نوعاً من التعبيرات الدينية الخارجية. بينما ننظر إلى العهد الجديد بأنّه ديانة القلب – فالله يريد قلوبنا، يريد عواطفنا. ولكنّ هذا ليس صحيحاً، برأيي. فحين ننظر عن قرب إلى نصوص العهد القديم، خاصّة الأنبياء. مثلاً كما قال النبي يوئيل: “مزّقوا قلوبكم لا ثيابكم”، وهذا تصريح مباشر ضد الديانة الخارجية. فالله لم يطلب التعبيرات الدينية الخارجية فقط، بل أراد قلوبهم ودواخلهم – وأرادهم كما هم على حقيقتهم. وأيضاً في المزمور ١٠٣، حيث يقول: “بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ”. فكاتب المزمور يدعو هنا شعب الله ليباركوا الله، وليعبدوا الرب بكل كيانهم وبكلّ مشاعرهم. من هنا، الفكرة بأن العواطف أمرٌ يخصّ العهد الجديد وأنّ الديانة القلبية ليست أمراً يخصّ العهد القديم، هي فكرة لا تأخذ في اعتبارها كامل حقيقة علاقة العهد بين الله وشعبه في العهد القديم. [د. مارك غينيليت]

وتشديد يسوع على الطاعة النابعة من القلب، قاده إلى وصف مواطني الملكوت “بـودعاء” في ٥: ٥، و “بـالجياع والعطاش إلى البرّ” في ٥: ٦، و “بـأنقياء القلب” في ٥: ٨. طبعاً، عرف يسوع أنه لا يمكن لأتباعه أن يتحولوا إلى هذا النوع من المواطنين إلا عندما يأتي ملكوت الله بكل ملئه. لكنه مع ذلك حضّهم أن يكونوا أبراراً الآن. استمع إلى ما قاله يسوع في متى ٥: ٤٨:

فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ.

إلى حد ما، من المستحيل إتمام هذه الوصية – فلا أحد كامل مثل الله. لكن يجب ألّا يقودنا ذلك إلى اليأس. بل بالعكس تماماً، فقد أعطانا يسوع وعداً كريماً، مشجّعاً. ففي كل موعظته، طمأن أتباعه المؤمنين بأن ملكوت السماوات هو لهم بالفعل.

على سبيل المثال، نجد في التطويبات الموجودة في متى ٥: ٣ – ١٠، ثماني بركات. والتطويبات الست في الوسط تَعِد بأن البركات ستُنال في المستقبل عندما يأتي ملكوت الله بكل ملئه. لكن البركتَين الأولى والأخيرة تختلفان، فقد أعلن يسوع أن شعبه قد سبق ونال بركتَي الملكوت هاتين.

استمع إلى الطريقة التي ذكر فيها يسوع هذه البركات في متى ٥: ٣، ١٠:

طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ.‏… طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ.

التحدي الحقيقي الكبير الذي يواجهنا في إتباع يسوع، يوازيه وعد كبير بأن قوة ملكوت الله تعمل الآن على تحويلنا إلى مواطنين أبرار في ملكوته.

في القسمِ الرئيسيِّ الأولِ من إنجيلِه، شدّد متى على إنجيلِ الملكوتِ من خلالِ لَفتِ الانتباهِ إلى الهدفِ من خدمةِ يسوعَ ورسالتِه. كان يسوعُ الملكَ المسيحانيَّ الذي أتى بمَلكوتِ السَماواتِ إلى شعبِ اللهِ. وقد علّمهم عن قوةِ ذلك الملكوتِ التي تغيّرُ الحياةَ، ووعدَهم بأنهم في حالِ كانوا أُمناءَ، سيرثون بركاتِ الملكوتِ العظيمة، عندما يأتي بِملئِه.

انتشار الملكوت

يتناول التقسيم الرئيسي الثاني لإنجيل متى انتشار الملكوت. وهو يمتد من متى الفصل الثامن والعدد الأول إلى الفصل الحادي عشر والعدد الأول.

معجزات يسوع وردود الأفعال

ويمتد القسم الروائي الذي يتناول انتشار الملكوت من متى ٨: ١ – ٩: ٣٨. وهو يتألف من قصص عن معجزات يسوع وردود فعل أشخاص مختلفين عليها.

ويتألف هذا القسم الروائي من أحد عشر قسماً من ضمنها: يسوع والأبرص في ٨: ١ – ٤، وغلام قائد المئة في ٨: ٥ – ١٣، وحماة بطرس في ٨: ١٤ – ١٧، والعاصفة في ٨: ١٨ – ٢٧، والمجنونان في ٨: ٢٨ – ٣٤، والمفلوج في ٩: ١ – ٨، وجباة الضرائب والخطاة في ٩: ٩– ١٧، وصبية وامرأة في ٩: ١٨ – ٢٦، وأعميان في ٩: ٢٧ – ٣١، ومجنون آخر في ٩: ٣٢ – ٣٤. ثم ينتهي هذا القسم بتصوير حنان يسوع في ٩: ٣٥ – ٣٨.

ولا يسمح لنا الوقت سوى بتقديم بعض الملاحظات حول هذه الأحداث في حياة يسوع. فقد مارس يسوع سلطانه على المرض بشفائه الأبرص في ٨: ١ – ٤، وغلام قائد المئة في ٨: ٥ – ١٣. وحماة بطرس في ٨: ١٤ – ١٧، والمفلوج في ٩: ١ – ٨، والمرأة نازفة الدم في ٩: ٢٠ – ٢٢، والأعميين في ٩: ٢٧ – ٣١.

كما أنه أعاد صبية ميتة إلى الحياة في متى ٩: ١٨ – ٢٦، مبرهناً أن له القدرة والسلطان حتى على الموت نفسه. وقد برهن يسوع تحكمه بالطبيعة من خلال تهدئته العاصفة في متى ٨: ٢٣ – ٢٧.

بالإضافة إلى ذلك، أثبت يسوع سلطانه على مملكة إبليس عن طريق طرد الشياطين من شخصَين كانا يعيشان بين القبور في متى ٨: ٢٨ – ٣٤، ومن شخص أخرس في ٩: ٣٢ – ٣٤. وتشكل دعوة متى ليكون تلميذاً تمهيداً لقسم أكبر في التعامل مع رفقة يسوع لجباة الضرائب والخطاة في ٩: ٩ – ١٧. وقد دعا يسوع متى إلى التخلي عن حياته كجابي ضرائب إلى بدء حياة جديدة. ويعتبر هذا التغيير معجزة في حد ذاته. فهذا التحول في حياة جباة الضرائب والخطاة كان مذهلاً لدرجة جعلت متى ينتقل مباشرة إلى وليمة يسوع مع جباة الضرائب والخطاة، ودفعته إلى شرح أسباب فرحهم.

بالإضافة إلى تركيزه على سلطان يسوع، لفت متى أيضاً الانتباه إلى ردّة فعل الجموع تجاه سلطان يسوع. ببساطة، لقد اندهشوا. ونرى هذا في أماكن مثل متى ٨: ٢٧، ٣٤، و٩: ٨، ٢٦، ٣١، ٣٣. وقد قادتهم دهشتهم هذه في معظم الأحيان، إلى معارضة يسوع.

بعضهم عارض يسوع ببساطة بعدم الإيمان به. آخرون، لا سيما القادة اليهود، انتقدوه علناً. آخرون خافوه، كما نقرأ في متى ٨: ٣٤. آخرون ارتعبوا وصُدموا، كما نقرأ في متى ٩: ٣. أحياناً، كانت معارضتهم ليسوع عن حسن نية، كما في متى ٩: ١٤- مع أنها تبقى خاطئة. وأحياناً عارض الناس يسوع لأنهم رفضوا بإرادتهم ما عرفوا أنه حق، كما حصل في متى ٩: ٣٤. مع الأسف، أَخذت معارضتهم ليسوع تتسع أكثر فأكثر مع استمرار خدمة يسوع.

ربما أحد أعظم الأمور المحيّرة حين ندرس العهد الجديد هو رفض اليهود للمسيح، رغم أنهم رأوا معجزاته بعيونهم. تقول الأناجيل مراتٍ كثيرة إنّ الناسَ كانوا يندهشون ويتعجّبون من أعمال يسوع. وحين نفكّر بالأمر ونسأل: “لماذا تعجبوا هكذا؟” نجد الجواب في متّى ٢٢: ٢٩، حيث قال يسوع إنهم كانوا يَضلّون لأنهم لا يعرفون الكتاب ولا قوة الله. في ذلك السياق، كان يسوع يتوجه إلى الصدوقيين، ولكن يمكن قول الأمر ذاته عن الفرّيسيين، معلّمي الشريعة. فقد علّموا الناس تعاليم خاطئة. وقد تشكّلت توقُّعات الشعب حول المسيح الموعود من خلال التعليم الخاطئ. وفي هذا درساً عظيماً لنا اليوم. فالذين أساؤوا التعامُل مع كلمة الله وعلّموا الناس تعاليم خاطئة، زرعوا في الناس توقّعاتٍ خاطئة. وأظنّ أن هذا هو الوضع عند شعب إسرائيل في القرن الأول. فقد توقّعوا أن يأتي المسيح، وكان لديهم إحساسٌ بالتفوّق القومي، إن جاز التعبير. وعندها، أتى يسوع. ومع أنّه عمل أشياء لم يروا مثلها لا قبله ولا بعده، لكنهم رفضوه، لأن هجوم قادة الشعب على يسوع المسيح كان يهدف دائماً إلى إظهار بطلان معجزاته. وصفوه بأنه في حلفٍ مع الشيطان، وكانت هذا تفاسيرهم خاطئة. وآسف أن أقول إن عقوداً وأجيالاً من التعليم الخاطئ، هاجم فيها أصحاب السلطة الدينية المسيح، ما قاد في النهاية إلى إبعاد قلوب كثيرين من الشعب عن يسوع المسيح رغم المعجزات التي رأوها. [د. جيم ميبلز]

ختم متى هذا القسم الروائي حول معجزات يسوع الخارقة في ٩: ٣٥ – ٣٨ بوصف عبَّر فيه عن تحنن يسوع على الجموع. استمع إلى رواية متى في ٩: ٣٦ – ٣٨:

وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ، إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا.‏ حِينَئِذٍ قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «الْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ».

فهم يسوع أن أحد الأسباب التي لأجلها لم يقبله الشعب كملك، كان بسبب سوء معاملة قادتهم لهم، والتعليم الرديء الذي تلقّوه منهم. لكنه عرف أيضاً أن معجزاته كانت تليّن قلوبهم، وتجعلهم ميّالين إلى إتباعه. لذلك أوصى يسوع تلاميذه أن يصلوا لكي يقيم الله مبشرين وقادةً أبراراً يأتون بالضالين إلى ملكوت الله على الأرض، ويعلمونهم كيف يصبحون مواطنين أبراراً.

رسل الملك

بعد أن استعرضنا رواية متى حول انتشار الملكوت، لننتقل إلى الخطاب الموازي في متى ١٠: ١ – ١١: ١. يركّز هذا الخطاب على التلاميذ كمبعوثين أو رُسل الملك.

ردّ يسوع في هذا الجزء على التحدي الذي وضعه في خاتمة الرواية السابقة، بعد أن طلب من أتباعه أن يصلوا إلى الله ليقيم مبشرين وقادة. وسّع يسوع خدمته الشخصية في الملكوت عن طريق منحه السلطان لتلاميذه الاثني عشر وإرسالهم ليعلنوا حضور الملكوت بالكلمة والعمل، تماماً كما فعل هو.

وكما نقرأ في متى ١٠: ٧ – ٨، فوضهم يسوع قائلاً لهم:

وَفِيمَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ اكْرِزُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ.‏ اِشْفُوا مَرْضَى. طَهِّرُوا بُرْصاً. أَقِيمُوا مَوْتَى. أَخْرِجُوا شَيَاطِينَ.

أعطى يسوع تلاميذه الكثير من التحذيرات قبل أن يرسلهم. فالحياة لن تكون سهلة عندما يقتدون بيسوع. فالعالم لن يكون لطيفاً معهم وسيتألمون ويُسخر منهم ويُعتقلون ويُقتلون.

لكن يسوع وعدهم أيضاً بأن يُبارك أبوهم السماوي خدمتهم، وينالوا في النهاية حياة الملكوت. استمع إلى الطريقة التي طمأن فيها يسوع تلاميذه في متى ١٠: ٣٩:

مَنْ وَجَدَ حَيَاتَهُ يُضِيعُهَا، وَمَنْ أَضَاعَ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا.

كان تلاميذ يسوع على وشك التخلي عن حياتهم السابقة في سبيل تعليم يسوع وخدمته الشفائية. لكن يسوع طمأنهم بأنهم سيجدون حياة الملكوت الحقيقية برفقة الملك يسوع نفسه.

رأينا في هذا القِسمِ الرئيسيِّ الثاني للإنجيلِ، كيف وصفَ متى انتشارَ الملكوتِ من خِلال القُواتِ التي صنعها يسوعُ، والوصايا التي أعطاها إلى تلاميذِه. وهذا يُوفّرُ لنا مِثالاً لخِدمتِنا الخاصةِ في الكنيسةِ في عصرِنا. ونحن إذ نَعتمدُ على قُوةِ يسوعَ، ونَخْدُمُه كتلاميذٍ أمناء، سيبني يسوعُ ملكوتَه من خلالِنا، ويكافئُنا بالبركاتِ السماويةِ.

الآيات والأمثال

ويكمّل التقسيم الرئيسي الثالث من إنجيل متى عرض قضايا الملك وملكوته من خلال الآيات والأمثال، ونجد هذا التقسيم في متى الفصل الحادي عشر والعدد الثاني إلى الفصل الثالث عشر والعدد الثالث والخمسين.

الآيات وردود الأفعال

وتركّز رواية متى على الآيات التي صنعها يسوع وعلى ردود الفعل على آياته، وتمتد من ١١: ٢ – ١٢: ٥٠. وقد برهنت هذه الآيات أن الملك وملكوته كانا حاضرَين وقتها، وصحّحت التوقعات الخاطئة حول نوع الملكوت. ونتيجة لذلك فإن الانتقاد الذي كان قد ابتدأ، صار ينمو وينتشر.

تنقسم هذه السلسلة من الأحداث إلى خمسة أجزاء: في ١١: ٢ – ١٩، أكد يسوع ليوحنا المعمدان أن آياته تبرهن على أنه المسيح الموعود الذي يتمّم نبوات العهد القديم، ودعا يسوع الجموع للتجاوب مع آياته بتوبة إلى الله. في ١١: ٢٠ – ٣٠، وجه يسوع كلامه إلى المدن التي صنع فيها آياته، فحذّر غير التائبين وقدّم الراحة للذين يقبلون إليه. فقد أعلن في متى ١١: ٣٠:

لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ.

في ١٢: ١ – ٢١، بدأ متى بالإشارة إلى بضعة أحداث ركزت صراحة على ردّات فعل الفريسيين على آيات يسوع. أولاً، ذكر كيف تجادل يسوع مع الفريسيين حول قصد الله من السبت، وبرهن على سلطانه بشفاء رجل يوم السبت. وقد علّم يسوع أن السبت هو لشفاء الناس وخلاصهم.

في ١٢: ٢٢ – ٣٧، اتهم الفريسيون يسوع باستخدامه سلطان بَعْلَزَبولَ، في الوقت الذي كانت الجموع مندهشة من معجزاته. وبدل أن يقبلوا يسوع كالمسيح، اعتقد معلمو الشريعة أنه مسكون من الشيطان.

في ١٢: ٣٨ – ٥٠، طلب منه الفريسيون بسخرية آية أخرى، لكن يسوع حذرهم بأنهم لن ينالوا سوى آية يونان. وما كانت آية يونان؟ لقد أدَّى خروج يونان من بطن الحوت بعد ثلاثة أيام إلى كرازة التوبة إلى أهل نينوى. هكذا ستؤدِّي قيامة يسوع في اليوم الثالث من القبر إلى توبة العالم.

ويذكر متى حادثة تبين أن أقرباء يسوع الحقيقيين هم المؤمنون به لا أقرباؤه في الجسد، وذلك في متى ١٢: ٤٩ – ٥٠، عندما قال له بعضهم إن أمَّك وإخوتك في الخارج يسألون عنك؟ فأشار يسوع إلى من حوله يصغون إلى تعاليمه وقال:

هَا أُمِّي وَإِخْوَتي.‏ لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي.‏

والآن بعد أن نظرنا في رواية متى حول الآيات التي صنعها يسوع، لننتقل إلى تعليم يسوع عن أمثال الملكوت في متى ١٣: ١ – ٥٣.

أمثال الملكوت

يدون لنا متى أمثال يسوع الشهيرة في خمسة أجزاء: مثل الزارع في ١٣: ١ – ٢٣، ومثل الزوان في ١٣: ٢٤ – ٣٠، ومثلَي حبة الخردل والخميرة في ١٣: ٣١ – ٤٣، والكنز المخفي واللؤلؤة في ١٣: ٤٤ – ٤٦، ومثل الشبكة في ١٣: ٤٧ – ٥٣. وقد أراد يسوع بهذه الأمثال تصحيح المفاهيم الخاطئة التي فسرت ملكوت الله.

في بعض الأمثال – كمثل حبة الخردل في ١٣: ٣١ – ٣٢، والخميرة في العدد ٣٣، والكنز في العدد ٤٤، واللؤلؤة في ٤٥ – ٤٦ – علّم يسوع أن ملكوت السماوات له قيمة فائقة ويجب أن نسعى إليه بأي ثمن. قد يبدو هذا الملكوت قليل القيمة في البداية، لكن في يوم من الأيام سيظهر بكل مجده.

لكن يسوع علّم أيضاً أمثالاً أخرى ركّزت على فشل إسرائيل في قبول الملك يسوع وملكوته. ففي مثل الزارع وتفسيره في متى ١٣: ١ – ٢٣، أوضح يسوع أنه يوجد العديد من العقبات أمام الإيمان، وأن معظم الناس سيرفضون الملكوت.

وتتعزز هذه الفكرة في مثل الزوان في الأعداد ٢٤ – ٣٠ و٣٦ – ٤٣، وفي مثل الشبكة والأعداد ٤٧ – ٥١. فقد علّم يسوع أن الكثيرين سيرفضون الملكوت، وأنهم سيهلكون في النهاية. وكانت هذه الأمثال بمثابة تحذيرات واضحة للذين عارضوا يسوع، ووفرت فرصة لغير المؤمنين كي يتوبوا، ويصيروا أتباعاً أمناء للملك الحقيقي.

أتى المسيح، وتمّم النبوءات، وحقق ملكوته، لكنه ما زال ينتظر بلوغ ذروته. ونحنُ المؤمنين ندخل الملكوت، لكننا نحتاج إلى أن نعيد بشكلٍ منتظم تقييم حياتنا وتقييم أولوياتنا، فنتوب عن عدم اتّباعنا إيّاه كما يجب، ونحرص أن نسعى بكل إخلاص إلى عيش حياتنا بحسب إرادته هو وليس بحسب إرادتنا نحن. فثمة حاجة مستمرّة للتوبة وللاعتراف، فنأتي إليه كنبينا، وأيضاً ككاهننا وملكنا، نأتي إليه كالشخص الذي نسعى أن نتبعه ونخدمه بطريقةٍ تتمِّم مقاصده لنا في هذا العالم. [د. ستيفين وِلَم]

ينبغي أن نشجّع المؤمنين أن يطلبوا ملكوت الله ويتوقوا لمجيئه. وذلك لعدة أسباب: أولاً، في البعد الشخصي: سلطان ملكوت الله هو قوتنا في الحياة. إنّه يحفّزنا على أن نخضع لله ونحيا حياةً تتمحور حوله حتى يظهر سلطان الله في حياتنا، ويصير هو هدف حياتنا الروحية. ثانياً، نحتاج إلى أن ندرك مفهوم ملكوت السماوات في ضوء تاريخ الفداء، أي أن نفهم كيف بدأ ملكوت السماوات، وندرك أنه يُعلِن ويتمّم خطة الله في الفداء. ثم نرى أن تعاليم ملكوت السماوات توحّد العهدين القديم والجديد. فهما يساعداننا على أن نرى خطة إلهنا الفادي الشاملة فنفهم بسهولة قصده الشامل. ثالثاً، يخلق ملكوت السماوات نظرة كونية كتابية صحيحة، وهو يساعدنا أن ندرك أن كلّ شيءٍ ينتمي إلى الله. فسيكتمل ملكوته، وسيدين ويقضي على كل القوى الشريرة في الأرض، لأن الله نفسه هو الملك المُطلَق. وهكذا، لا نعود نحيا لأنفسنا. فعلينا أن نهتم بجيراننا ومجتمعنا وبخير هذا العالم كله. ينبغي أن ننتبه إلى الأشياء القريبة أو البعيدة عنا ونهتم بها. ينبغي أن ننخرط في المجتمع، ونعمل على إجراء تغيير في كل نواحيه. فهذا هو واجبنا. [د. ستيفين تشان]

الإيمان والعظمة

أما التقسيم الرابع الرئيسي لإنجيل متى فيركّز على الإيمان والعظمة ويبدأ في متى ١٣: ٥٤ ويستمر إلى ١٨: ٣٥.  ويبين هذا القسم ما معنى أن تكون تلميذاً أميناً ليسوع، وترتقي إلى العظمة في ملكوته.

رفض الإيمان بيسوع

ويمتد القسم الروائي في هذا الجزء من ١٣: ٥٤ – ١٧: ٢٧ ويتضمن ثلاثة عشر حدثاً قاوم فيها بعضهم أن يضعوا ثقتهم بالمسيح باستثناء امرأة واحدة.

وتركز الحادثة الأولى والثانية على مناسبتين فيهما تم رفض الإيمان بيسوع كلياً. الأولى عندما جاء يسوع إلى مسقط رأسه الناصرة في ١٣: ٥٤ – ٥٨ فجيرانه السابقون لم يشكوا في قدرته على صنع المعجزات، لكنهم مع ذلك استاءوا منه ورفضوه. ونقرأ في ١٣: ٥٨ أن أهل الناصرة لم يعاينوا معجزات كثيرة بسبب عدم إيمانهم.

بعد ذلك نقرأ في ١٤: ١ – ١٢ عن هيرودس وموت يوحنا المعمدان. استحق هيرودس دينونة الله بسبب ما فعله بيوحنا. ولكن أكثر من ذلك، كما يبيّن لنا العدد الأول، لم يشك هيرودس بالأخبار التي سمعها عن معجزات يسوع، بل إن مستشاريه ظنوا أن يسوع هو يوحنا المعمدان الذي عاد من الموت ليضايق هيرودس.

أما الأحداث الثلاثة التالية فتركّز على تلاميذ يسوع وكيف كانوا بحاجة إلى أن ينموا في الإيمان. ونجد في متى ١٤: ١٣ – ٢١ قصة إشباع يسوع الخمسة آلاف. طلب يسوع من التلاميذ أن يُشبعوا الجموع التي تبعته لكن في العدد ١٥ شك تلاميذه وتذمروا لأن عندهم القليل من الطعام. فبرهن يسوع سلطانه بتكثير طعامهم وإشباعه الخمسة آلاف حتى فضل عنهم الطعام.

في ١٤: ٢٢ – ٣٦، مشى يسوع على الماء. في البداية أظهر بُطرس ثقة بيسوع بخروجه من السفينة، لكن بطرس شك عندما رأى الخطر وبدأ يغرق في البحر. ثم بعد أن أنقذه، انتقده يسوع في العدد ٣١ بقوله: “يَا قَلِيلَ الإِيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟”‏

وتخبرنا ١٥: ١ – ٢٠ عن نزاع نشب بين يسوع والفريسيين. هنا طلب بطرس من يسوع أن يفسّر له أمراً بسيطاً قاله يسوع. فأجاب يسوع مستنكراً “هَلْ أَنْتُمْ أَيْضاً حَتَّى الآنَ غَيْرُ فَاهِمِينَ؟”‏

في ١٥: ٢١ – ٢٨، نجد للمرة الأولى في هذه الأحداث إنساناً يؤمن بيسوع بثبات، هي المرأة الكنعانية التي سكن ابنتها روح شرير. وهي على خلاف الآخرين، توسلت إلى يسوع لكي يساعدها. وفي العدد ٢٨، وافق يسوع على طلبها وقال “يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ!” بعد ذلك عاد متى للتحدث عن إيمان التلاميذ الضعيف.

في ١٥: ٢٩ – ٣٩، تحدث متى عن معجزة إشباع الأربعة آلاف. في العدد ٣٣ سأل التلاميذ أين يمكنهم أن يجدوا ما يكفي من طعام، على الرغم من أنهم سبق ورأوا يسوع يشبع الخمسة آلاف.

في ١٦: ١ – ١٢ تحاجج يسوع مع الفريسيين والصدوقيين. والتفت فجأة إلى تلاميذه وحذّرهم من “خمير الفريسيين”، فظنوا أنه مستاء منهم لعدم جلبهم معهم خبزاً. لكن يسوع ذكّرهم بالأوقات التي كثّر فيها الخبز للآلاف ووصف تلاميذه في العدد ٨ بقوله: “يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ”.

بعد ذلك يروي متى حدثين مرتبطين ارتباطاً وثيقاً، يقعان في ١٦: ١٣ – ٢٠. الأول: إعلان إيمان بطرس الشهير بالمسيح الذي يرد في العدد ١٦: “أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!”. ومدح يسوع إيمان بطرس وباركه.

لكن من جهة أخرى، في العدد ٢١ – ٢٧، وبخ يسوع بطرس بشدّة. فقد ابتدأ يسوع يخبر تلاميذه بأنه ذاهب إلى أورشليم ليتألم ويموت. وعندما اعترض بطرس، أجاب يسوع بقساوة في العدد ٣٣: “اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ!”. وعلل يسوع توبيخه، بأن بطرس كان هنا يفكر مثل الناس وليس مثل الله. بعد هذا التوبيخ نأتي إلى تجلي يسوع في ١٧: ١ – ١٣. عندما عاين التلاميذ يسوع في مجده، أرادوا أن يقيموا مظال في المكان. لكن يسوع ذكرهم في العدد ١٢ أن مجده الحقيقي سيظهر فقط بعد موته وقيامته.

في ١٧: ١٤ – ٢٣، نقرأ عن شاب يسكنه الشيطان. وقد حاول تلاميذ يسوع أن يخرجوه ولم ينجحوا. بعد أن طرد يسوع الشيطان قال لهم في العدد ٢٠: “إيمانكم ضعيف جداً”.

أخيراً في ١٧: ٢٤ – ٢٧ جاء الجباة إلى تلاميذ يسوع وسألوهم إن كان يسوع قد دفع ضريبة الهيكل. فأجاب بطرس بسرعة وعلى الأرجح بسبب الخوف وقال إنه دفع. ثم جاء لاحقاً إلى يسوع طلباً للمال فقام يسوع بتسديد المبلغ عن طريق صنع معجزة شارحاً لبطرس أنه لا توجد حاجة للقلق.

أشار متى إلى الذين رفضوا يسوع والمرأة الكنعانية المؤمنة، لكن تشديده الرئيسي كان على حاجة تلاميذه لينموا في إيمانهم به.

مرة أخرى عاد متى إلى استخدام القصص في وصفه تعليم يسوع في ١٨: ١ – ٣٥. ويركز هذا التعليم على العظمة الحقيقية في عائلة ملكوت الله، تلك العظمة التي تأتي من الخدمة المتواضعة بين الأخوة والأخوات في ملكوت الله.

العظمة في عائلة الله

في القسم الأخير من الفصل السابق، ميّز يسوع أتباعه بدعوتهم أبناء الله، أبناء الملك. وقد قاد هذا التعريف متى إلى أن يبدأ هذا الجزء من الإنجيل بسؤال رئيسي. فكما نقرأ في متى ٨: ١:

فَمَنْ هُوَ أَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ؟

وأجاب يسوع عن هذا السؤال بالمزج بين التعليم والإيضاحات والأمثال في أربعة أجزاء رئيسية. أولاً، في ١٨: ٢ – ٤، حث يسوع تلاميذه على العيش بتواضع مثل الأولاد الصغار.

أمام المعارضة المتزايدة من أعدائه، علّم يسوع تلاميذه كيف يعيشون في ملكوت السماوات كأولاد لله. وعرف أن التحقيق المستقبلي للملكوت لم يأت بعد. كما عرف أن الصراعات مع الأعداء والخطية ستكون جزءاً من حياة أولاد الله.

وفي الأعداد ٥ – ١٤، علمهم أن يعتنوا بالضعيف كما اعتنى أبوهم السماوي بالخروف الضال. استمع إلى كلمات يسوع في متى ١٨: ١٠، ١٤:

اُنْظُرُوا، لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ… لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ.

وقد بنى يسوع على هذه الفكرة في متى ١٨: ١٥ – ٢٠، حيث طالب أتباعه أن يتعاملوا فيما بينهم كأفراد في عائلة الله، حتى وإن شوشّت الخطيّة علاقاتهم. وألحّ عليهم في الأعداد ٢١ – ٣٥ أن يسامحوا “الأخ” الذي أخطأ بالطريقة ذاتها التي سامحه فيها الآب السماوي.

يستمرُّ مجدُ اللهِ بالنموِّ في يومِنا هذا، لأن اللهَ مُستمرٌ بالقيامِ بأعمالٍ عظيمةٍ وبإنماءِ ملكوتِه على الأرضِ. لكن كما هي الحالُ في زمنِ المسيحِ، فإنَّ نموَّ الملكوتِ غالباً ما يواجَهُ بالمقاومةِ المتزايدةِ ضدَّ اللهِ. لكنَّ الحمدَ للهِ، فهو يُعطينا مواهبَ ثمينةً عديدة تُعينُنا في صراعِنا مع المَشقاتِ والتجاربِ. ومن بينِ هذه المواهبِ: الصبرُ والسلامُ، وكذلك حضورُه المباشِرُ معنا. وإحدى المواهبِ المميّزةِ جداً، هي عِلاقتُنا مع اللهِ بصفتِه أباً لنا. فهو يهتمُ بنا ويحمينا، ويتفهمُ ضَعفاتِنا ويتعاطفُ معنا. كما أنه يُعطينا عائلةً بشريةً تخدُمُنا وتحبُنا، فالكنيسةُ هم إخوتُنا وأخواتُنا في عائلةِ الله.

المعارضة الحالية والانتصار المستقبلي

موضوع التقسيم الخامس الرئيسي في إنجيل متى هو المعارضة الحالية لملكوت السماوات، والانتصار المستقبلي. ويمتد هذا القسم الروائي من ١٩: ١ – ٢٢: ٤٦، ويظهر فيه كيف واجه يسوع معارضة قوية في هذه المرحلة من حياته.

المعارضة الشديدة

وتنقسم هذه الفصول إلى ثلاثة أجزاء رئيسية وِفقاً لتجوال يسوع. ونقرأ في ١٩: ١ – ٢٠: ١٦، عن المعارضة التي واجهها يسوع في اليهودية. هناك تناول سؤال الفريسيين عن الطلاق. كما كان عليه التعامل مع المعارضة المتزايدة بسبب سوء الفهم لمسألتَي الغنى والسلطة.

سبق ورأينا في إنجيل متى، بداية مرحلة التوتر بين يسوع والقادة اليهود. وقد أخبرنا متى في هذا الجزء أن العداوة وصلت إلى ذروتها. على سبيل المثال، سأل الفريسيون أحياناً أسئلة تهدف إلى إيقاع يسوع في الفخ، كما في متى ١٩: ٣ – ٩؛ ٢١: ١٦، ٢٣؛ و٢٢: ١٥ – ٤٠.

وكمثل واحد فقط لمقاومة الفريسيين ليسوع، استمع إلى تقرير متى في ٢٢: ١٥:

ذَهَبَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ.

كذلك كان يسوع يتحدّى القادة اليهود أحياناً. ونرى هذا في مثل الابنَين والعمل في الكرم، ومثل وليمة العرس من ٢١: ٢٨ – ٢٢: ١٥.

لكن الصراع لم يقتصر فقط على المواجهة الكلامية، بل تعداه أحياناً إلى مواجهة مباشرة وقوية، كما حصل عندما قلب يسوع موائد الصيارفة وطردهم من الهيكل في متى ٢١: ١٢ – ١٦. لا سيما كلماته القاسية في ويلاته السبعة التي نطق بها في ٢٣: ١٣ – ٣٥.

استمع إلى الطريقة التي وبّخ فيها يسوع الفريسيين في متى ٢٣: ١٥:

وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلاً وَاحِداً، وَمَتَى حَصَلَ تجعلونه ابْناً لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفاً.

بالطبع لم يكن يسوع والقادة اليهود الشخصيات الوحيدة في هذه الفصول. فعداوة القادة اليهود تفاقمت من خلال الطريقة التي استمرت فيها الجموع بإكرام يسوع في المناسبات مثل دخوله الظافر في ٢١: ١ – ١١.

شجّع يسوع في كل هذا الجزء تلاميذه ليروا هذه المواجهة على حقيقتها. في متى ١٩: ٢٧ – ٣٠، وعدهم بأنهم في يوم من الأيام سيجلسون معه في المجد. لكن في ٢٠: ١٧ – ١٩، حذّرهم أيضاً أن تلك الأيام المجيدة ستأتي فقط بعد أن يذوق الموت.

علاوة على ذلك، أكد يسوع أن تلاميذه سيدخلون الأمجاد بعد حياة من الذل والعذاب. وشدد يسوع على هذه النقطة في ثلاث مناسبات مختلفة. في متى ١٩: ٣٠ قال يسوع:

وَلكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَآخِرُونَ أَوَّلِينَ.

ثم في متى ٢٠: ١٦ قال:

هكَذَا يَكُونُ الآخِرُونَ أَوَّلِينَ وَالأَوَّلُونَ آخِرِينَ.

وردّد ذلك في متى ٢٠: ٢٦ – ٢٨ عندما قال:

مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيماً فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِماً،‏ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْداً، كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ.

وقد بدا ملكوت يسوع غريباً. فأتباعه سيتألمون، وملك إسرائيل نفسه سيقتله شعب إسرائيل. والخسارة الظاهرية سيتبعها انتصار.

أما الجزء الثاني من تنامي المعارضة فيتضمن ذهاب يسوع إلى أورشليم في ٢٠: ١٧ – ٣٤. فقد أوضح يسوع أنه ذاهب إلى أورشليم ليتألم ويموت. وواجه يسوع اعتراضاً فقط من أم لتلميذين طالبت بالسلطة لولديها في الملكوت. ثم رحبت الجموع بيسوع في أورشليم بينما كان يتمم نبوة من العهد القديم حول دخوله الظافر.

في الجزء التالي، من ٢١: ١٢ – ٢٢: ٤٦، واجه يسوع معارضة بينما كان يدخل إلى أورشليم والهيكل ويخرج منهما. وقد طرد الصيارفة ونطق بالأمثال وحذر من دينونة لله القادمة. علاوة على ذلك، تجادل يسوع مع القادة الدينيين حول قضايا لاهوتية مثل دفع الضريبة إلى قيصر، وقيامة الأموات، وأعظم الوصايا ومسألة ابن من هو المسيح الموعود. وقد أبلى يسوع بلاء حسناً في كل هذه القضايا بحيث نقرأ هذه الكلمات في متى ٢٢: ٤٦:

فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يُجِيبَهُ بِكَلِمَةٍ. وَمِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ أَنْ يَسْأَلَهُ بَتَّةً.‏

والآن بعد أن نظرنا في رواية متى حول تعاظم المعارضة في وجه ملكوت السماوات، لننظر الآن إلى الخطاب الذي رافقها.

الانتصار المستقبلي

ويمتد هذا الجزء من متى ٢٣: ١ – ٢٥: ٤٦. ويصف يسوع هنا الانتصار المستقبلي لملكوت السماوات.

يبدأ هذا الجزء بالإعلانات عن الويلات السبعة ضد خصوم يسوع في متى ٢٣: ١ – ٣٨. ويركّز هذا الخطاب بصورة خاصة على الفريسيين، وتعليمهم المضلل، وسوء معاملتهم لشعب الله، وريائهم.

وقبل أن يختم خطابه، لخص يسوع مشاعره نحو أورشليم بهذه الطريقة في متى ٢٣: ٣٧ – ٣٨:

يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!‏ هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً.

أما الجزء الثاني من تعليم يسوع وهو يظهر في ٢٤: ١ – ٢٥: ٤٦ يُسمى غالباً الخطاب على جبل الزيتون، لأن يسوع كان على جبل الزيتون عندما ألقاه.

يمكن أن نقسم الخطاب على جبل الزيتون إلى ثلاثة أجزاء رئيسية: في ٢٤: ٤ – ٢٨، وصف يسوع آلام ولادة هذا الجيل الغريب الذي جاء فيه ملكوت السماوات إلى الأرض، لكنه لم يظهر بعد في ملء مجده وقوته.

ثم من ٢٤: ٢٩ – ٣١، تكلم يسوع عن ملء الملكوت منبئاً باليوم الذي سيأتي فيه ابن الإنسان على السحاب ويأتي عندها ملكوت السماوات بكل مجده وقوته.

ثم من ٢٤: ٣٢ – ٢٥: ٦٤، حضّ يسوع شعبه على ترقب يوم مجيئه المجيد باحتراس لأن لا أحد يعرف متى يكون ذلك.

فيما يتعلّق بزمن عودته، حرص يسوع على أن يشجعنا على عدم تحديد موعد زمني لذلك أكثر مِمّا ينبغي. فقد قال إنّ لا أحدَ يعرف يومَ عودته أو ساعته. وحتى هو، في بشريته، لم يعرف اليوم أو الساعة. وسعينا لتخمين وقت عودته، واعتقادنا بأننا نستطيع حصره في فترةٍ ما، هو في الحقيقة عدم طاعة ليسوع. لكنّ هذا لا يعني ألا ننتظر ونتوقّع، بل نبحث عن علاماتٍ تشير إلى قُرْب عودته. فالهدف الأساسي من التعليم عن المجيء الثاني للمسيح في العهد الجديد هو أن يبقينا يقظين، ويشجّعنا، ويعطينا رجاء، وأن يقودنا لنعيش حياةً مُقدَّسة بينما نتوقّع رجوعه. ومع أننا لا نعرف وقت رجوعه بدقّة، علينا أن نكون مستعدين لعودته في أية لحظة، حتى نستطيع أن نستقبله بحماسة وفرح. [د. إريك ثيونيس]

ينبغي أن تكون لنا ثقة كاملة بأنه سيعود. ينبغي أن تكون لنا ثقة كاملة بأنه سيأتي ثانية، وأنه سيُكمِل كل ما ابتدأه. كما ينبغي أن نكون أمناء. ينبغي ألّا ننشغل بما نراه في السماء، كما قال الملاك عند صعود يسوع في أعمال ١: “ما الذين تنظرون إليه في السماء؟ ينبغي أن تنشغلوا بإيصال بشارة الإنجيل إلى كل الشعوب”. سيعود، وبينما ننتظر عودته ينبغي أن ننشغل بتتميم المأمورية العُظمى. ينبغي أن ننشغل بخدمة ملكنا بإعلاننا للأمم أن الملك أتى، وهو آتٍ ثانيةً. فتوبوا وآمنوا بالإنجيل. ينبغي أن نتلمذ الذين يدخلون إلى ذلك الملكوت، الذين يعلِنون إيمانهم بيسوع المسيح، وننمّيهم حتى يحيوا لمجد الله، أي يتشبهوا به. ينبغي أن نحيا لمجد الله في كل نواحي حياتنا ونعيش في ترقب دائم لمجيئه، قائلين مع الكنيسة في كل عصر وجيل: “تعالَ أيّها الرب يسوع”. [د. ستيفين وِلَم]

يُخبِرُنا متى في هذا القِسمِ الخامسِ الرئيسيِّ في إنجيلِه، أن القادةَ اليهودَ رفضوا يسوعَ، لا بل خططوا لقتلِه. لكن يسوعَ أوضحَ أن كلَّ خِططِ العالمِ لا تقدرُ أن تُوقِفَ انتصارَ الملكوتِ المستقبليِّ. وبرهنَ التاريخُ أنه كان على حقٍّ. فالقادةُ اليهودُ قتلوه. لكن الملكوتَ استمرَ بالنموِّ عِبرَ العصورِ. وفي يومٍ من الأيامِ، سيتحققُ الجزءُ الأخيرُ من التاريخ. فيسوعُ سيأتي ثانيةً، بقوةٍ ومَجدٍ عظيمَيْن، ليُحَقِقَ الملكوتَ في كلِّ ملئِه، وليكافئَ شعبَه الأمينَ ببركاتِ الملكوتِ النهائيةِ.

ذروة خدمة يسوع

تمتد خاتمة رواية إنجيل متى من ٢٦: ١ – ٢٨: ٢٠. هنا يصف متى ذروة خدمة يسوع كالملك المسيحاني في اعتقاله وصلبه وقيامته.

وإذ نستعرض خاتمة إنجيل متى، سنركّز على ثلاثة مواضيع ترتبط بالتشديد على ملكوت الله: مواضيع الصراع والتلمذة والانتصار. دعونا نبدأ أولاً بموضوع الصراع.

الصراع

الملكوت الذي أتى به يسوع اختلف في الواقع كثيراً عن الملكوت الذي توقع اليهود أن يأتي به مسيحهم الموعود. وهذا وضعهم في صراع مباشر مع يسوع وملكوته. وكما رأينا، فإن هذا الصراع تزايد عبر إنجيل متى، ووصل إلى ذروته في خاتمة الكتاب. على سبيل المثال، نجد هذا الصراع في مؤامرة اليهود ضد يسوع في ٢٦: ٣ – ٤؛ وفي تخطيطهم لاعتقال يسوع ومحاكمته في ٢٦: ١٤ – ١٦، وفي العدد ٤٧، والأعداد ٥٧ – ٦٨؛ وفي صراخهم ليصلب في ٢٧: ٢٠ – ٢٥. ووصل إلى ذروته عندما أخذ اليهود على عاتقهم مسؤولية صلب يسوع. استمع إلى ما دوّنه متى في ٢٧: ٢٥:

فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْب وَقَالُوا: “دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا”.

وبينما كان يسوع يتألم على الصليب، كان اليهود يَسْتَهْزِئُونَ به ويسخرون من ادعائه أنه ملك إسرائيل المسيحاني. كما نقرأ في متى ٢٧: ٤١ – ٤٢:

وَكَذلِكَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَيْضاً وَهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ مَعَ الْكَتَبَةِ وَالشُّيُوخِ قَالُوا:‏ “خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا! إِنْ كَانَ هُوَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ”.

وما يدعو للسخرية، هو أن اليهود قاوموا يسوع على أساس أنه أهان الله وطالب بالعرش زوراً، بينما هم في الواقع رفضوا الملك الوحيد الذي بإمكانه أن يخلصهم.

إلى جانب موضوع الصراع يلقي موضوع التلمذة الضوء على تشديد الملكوت في خاتمة متى.

التلمذة

شدّد متى بوجه خاص على صعوبة اتِّباع مسيح متألم. وعبّر على ذلك عن طريق إخبارنا عن سقطات تلاميذ يسوع في هذا الوقت الحاسم من خدمته. فيهوذا خانه في متى ٢٦: ١٤ – ١٦، و٤٧–٥٠ وقد انتحر نادماً على سقطته في ٢٧: ٣ – ١٠. كذلك فشل بطرس ويعقوب ويوحنا في السهر معه في جَتْسِيماني في ٢٦: ٣٦ – ٤٦. وأنكر بطرس عدة مرات أي معرفة له بيسوع في ٢٦: ٦٩ – ٧٥. وأخيراً، تركه التلاميذ كلهم وهربوا في ٢٦: ٥٦.

في الحقيقة، يمكن أن يكون اتِّباع يسوع صعباً جداً. فنحن نؤمن بملك مسيحاني متألم، وهو دعانا لنتألم نحن أيضاً. ونحن إن كنا أمناء له، سنختبر على الأرجح الشدّة والألم أيضاً، ونجرّب بالسقوط. لم يأتِ ملكوت السماوات بعد بكل ملئه. لهذا السبب، الكثير من النواحي في الحياة المسيحية ليست كما ينبغي أن تكون.

بعد أن تأملنا في موضوعَي الصراع والتلمذة، بتنا مستعدين للانتقال إلى انتصار الملكوت.

انتصار الملكوت

يظهر موضوع الانتصار بوضوح في قيامة يسوع التي هي البرهان على أن الملك المسيحاني انتصر على كل أعداء شعبه، بما في ذلك الموت نفسه. كما نجد أيضاً موضوع الانتصار في كلمات يسوع الأخيرة قبل الصعود. وكلمات يسوع الأخيرة المدوّنة في إنجيل متى نجدها في متى ٢٨: ١٨ – ٢٠، وهي تُسمى عادة بالمأمورية العظمى. وهي وصايا الرب الأخيرة لتلاميذه، مكلّفاً إياهم بالخدمة بعد رحيله. والملفت للنظر أن هذه الوصايا تبدأ مع إعلان المسيح بكل وضوح أن كل سلطان الملكوت دُفع إليه. استمع إلى إعلان يسوع في متى ٢٨: ١٨:

دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ.

يسوع هو الوحيد الذي يمكنه أن يدّعي حق امتلاك كل سلطان وقدرة. وعلى فكرة، ليست سلطته سلطة مدمّرة، لأنّها سلطة ممزوجة بالمحبة، سلطة تحفّزها المحبة، سلطة توجهها المحبة. إن كانت لك لديك المحبة فقط، فستكون لديك مشاعر طيبة، ولكنْ قد تكون عاجزاً لأنك لا تملك السلطة لتغيير أي شيء. وإن كانت لديك السلطة فقط، من دون المحبة، فإنّك ستقتل وتكره. القدرة الإلهية هي الوحيدة القادرة على جمع المحبة والسلطة معاً، “هكذا أحب الله العالم حتى أرسل ابنه”. هو الوحيد الذي له الحق بأن يقول إنه يمتلك كل سلطة وقوة، لأنّه هو مَن سار على كوكبنا دون أن يخطئ. فلم يكذب قط، ولم يخدع قط. هو الوحيد الذي بعد قتله، وموته، ودفنه، عاد إلى الحياة. هو الرب المقام. وقد شكّل هذا تدشينَ حقبةٍ جديدة في التاريخ البشري. فقد أتى بالرجاء إلى كل الأمم. وهكذا، وبوضوح نرى ملكوت الله عاملاً بقوة. والكرازة لكل الأمم وتلمذتهم تعتمد على هذه الحقيقة التي أدعوها “الأساس العظيم”. فالمأمورية العُظمى ليست موجودة من دون هذا الأساس. ثم توّج المأمورية العظمى بوعد عظيم: “وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ”. يسوع الرب، يسوع الملك، هو الحاكم الذي بيده كل سلطان. ولهذا ننطلق لنتلمذ ونعلّم ونعلِن مُلْكه بقوته وسلطانه. [د. بيتر كوزميتش]

كل سلطان هو للملك الذي انتصر. اليهود رفضوه، والرومان صلبوه، والجميع استهزأوا به. لكن القبر لم يستطع أن يمسكه، فالقيامة كانت الانتصار العظيم للملك المسيحاني. ومن خلاله، جاء ملكوت السماوات إلى الأرض. وهذه هي أخبار الإنجيل السارة بحسب متى.

أما الآن وقد استعرضنا خلفية الإنجيل حسب متى، بالإضافة إلى بنيته ومحتواه، غدونا مستعدين أن نتأمل ببعض المواضيع الرئيسية التي شدّد عليها متى.

 

  • دليل الدراسة
  • الكلمات المفتاحية

1. نشجعك على أن تنسخ وتلصق أدلة الدراسة في ملف Wordجديد.
2. قم بمشاهدة الفيديو مع تدوين ملاحظاتك أسفل كل عنوانٍ من عناوين أدلة الدراسة.

القسم الثاني: البنية والمحتوى

ملاحظة: هذا القسم أطول من المعتاد. لكننا ننصح بأن تأخذ الوقت لمشاهدته على جلستين، معطيًا لنفسك فرصة تدوين الملاحظات. لا تقلق بشأن حفظ كل الشواهد بدقة وتفاصيل كل جزء من الإنجيل. لكن تأكد من قدرتك على الإجابة على كل أسئلة المراجعة أدناه.

مخطط لتدوين الملاحظات

II البنية والمحتوى

أ. تمهيد: الملك المسيحاني

ب. إنجيل الملكوت

ج. انتشار الملكوت

د. الآيات والأمثال

ه. الإيمان والعظمة

و. المعارضة الحالية والانتصار المستقبلي

ز. خاتمة: ذروة خدمة يسوع

أسئلة المراجعة

1. بحسب الدرس، كيف يقوم معظم الدراسون بتقسيم الإنجيل بحسب متى إلى أقسام؟ ما هو الخط الإرشادي الذي يتبعونه؟

2. اذكر الأقسام الخمسة الأساسية للإنجيل بحسب متى كما هو موضح في الدرس.

3. ماذا يتضمن الإنجيل بحسب متى بالإضافة إلى الأقسام الرئيسية؟

4. بحسب الدرس، ما هو هدف متى من ذكر سلسلة نسب يسوع؟

5. كيف يجيب الدرس على أولئك الذين يعتقدون أن سلسلة نسب يسوع لا تثبت أي شيء فيما يتعلق بحقوق يسوع الشرعية، بما أنه لم يولَد من أب بشري؟

6. كل قسم من الأقسام الخمسة الرئيسية للإنجيل بحسب متى يحتوي على جزءين. ما هما هذان الجزءان؟

7. كيف يشرح الدرس معنى متى 4: 17، “توبوا لأنَّهُ قد اقتَرَبَ ملكوتُ السماواتِ.”؟

8. عندما بدأ ملكوت السماوات ينتشر بسبب معجزات يسوع، ماذا كان رد فعل معظم الناس؟

9. ما هو موضوع معظم أمثال يسوع؟

10. ما هي الحالة الوحيدة في الإنجيل بحسب متى التي يؤمن فيها شخص ما بشكل راسخ في يسوع؟

11. ما هو الهدف الأساسي لخطاب يسوع على جبل الزيتون حول المجيء الثاني؟

أسئلة تطبيقية

1. ما سبب أهمية موضوع ملكوت السماوات بالنسبة لك؟ كيف يساعدك هذا على التركيز على الصورة الأكبر وتفادي النظرة الفردية الزائدة عن اللزوم عن الخلاص؟

2. لماذا تعتقد أن الإنجيل بحسب متى يبدو وكأنه يدور حول الصراع مع يسوع، الآلام، والرفض؟

3. كيف يغيِّر تعليم الدرس حول هدف خطاب جبل الزيتون فكرك حول تعليم الكتاب المقدس فيما يخص المجيء الثاني؟

AJAX progress indicator
Search: (clear)
Nothing found. Please change the filters.
الاختبارات
الأناجيل – الدرس الثاني – الامتحان الثاني
Previous القسم
Back to الدرس
Next القسم

انجازك في الدورة

0% Complete
0/41 Steps

محتوى الدورة الدراسية

الدورة Home عرض الكل
ابدأ هنا- مخطط الدورة الدراسية
الدرس الأول: مدخل إلى الأناجيل
7 الأقسام | 6 الاختبارات
تحضير الدرس الأول
الأناجيل – الدرس الأول – القسم الأول
الأناجيل – الدرس الأول – القسم الثاني
الأناجيل – الدرس الأول – القسم الثالث
الأناجيل – الدرس الأول – القسم الرابع
الأسئلة التعبيرية
الأسئلة المقالية
الدرس الثاني: الإنجيل بحسب متى
6 الأقسام | 5 الاختبارات
تحضير الدرس الثاني
الأناجيل – الدرس الثاني – القسم الأول
الأناجيل – الدرس الثاني – القسم الثاني
الأناجيل – الدرس الثاني – القسم الثالث
الأسئلة التعبيرية
الأسئلة المقالية
الدرس الثالث: الإنجيل بحسب مرقس
6 الأقسام | 5 الاختبارات
تحضير الدرس الثالث
الأناجيل – الدرس الثالث – القسم الأول
الأناجيل – الدرس الثالث – القسم الثاني
الأناجيل – الدرس الثالث – القسم الثالث
الأسئلة التعبيرية
الأسئلة المقالية
الدرس الرابع: الإنجيل بحسب لوقا
6 الأقسام | 5 الاختبارات
تحضير الدرس الرابع
الأناجيل – الدرس الرابع – القسم الأول
الأناجيل – الدرس الرابع – القسم الثاني
الأناجيل – الدرس الرابع – القسم الثالث
الأسئلة التعبيرية
الأسئلة المقالية
الدرس الخامس: الإنجيل بحسب يوحنا
6 الأقسام | 6 الاختبارات
تحضير الدرس الخامس
الأناجيل – الدرس الخامس – القسم الأول
الأناجيل – الدرس الخامس – القسم الثاني
الأناجيل – الدرس الخامس – القسم الثالث
الأسئلة التعبيرية
الأسئلة المقالية
الدرس السادس: القراءات المطلوبة
3 الأقسام | 4 الاختبارات
متطلبات القراءة 1
متطلبات القراءة 2
متطلبات القراءة 3
العودة إلى الأناجيل

Copyright © 2021 · Education Pro 100fold on Genesis Framework · WordPress · Log in