مساقات عبر الإنترنت Online Courses

  • التسجيل
  • تسجيل الدخول
الرئيسية / الدورات الدراسية / الأناجيل / الدرس الثالث: الإنجيل بحسب مرقس

الأناجيل – الدرس الثالث – القسم الثاني

الدورات الدراسية الأناجيل الدرس الثالث: الإنجيل بحسب مرقس الأناجيل – الدرس الثالث – القسم الثاني
الدرس Progress
0% Complete
 
  • الفيديو
  • الملف الصوتي
  • النص

البنية والمحتوى
الإعلان عن المسيح

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aGOS03_04.mp4
موضوعات ذات صلة
How does the structure of Mark's gospel help us to understand his message?

سلطان المسيح
المقدمة
قرب كفرناحوم

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aGOS03_05.mp4

منطقة الجليل

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aGOS03_06.mp4
موضوعات ذات صلة
Do the failures of the disciples undercut the authority and respectability of the church and its leadership?

ما بعد الجليل

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aGOS03_07.mp4
موضوعات ذات صلة
Why did Jesus perform miracles?

اعتراف الرسل بالمسيح
آلام المسيح
الإعداد

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aGOS03_08.mp4
موضوعات ذات صلة
Why was Peter's confession that Jesus is the Christ so remarkable?

المواجهة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aGOS03_09.mp4
موضوعات ذات صلة
What did the Jews in Jesus' day expect the Messiah to do?

الاختبار
انتصار المسيح

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aGOS03_10.mp4
موضوعات ذات صلة
What is the relationship between God's plan for our lives as individuals and his plan for his kingdom?
  • البنية والمحتوى
    الإعلان عن المسيح
  • سلطان المسيح
    المقدمة
    قرب كفرناحوم
  • منطقة الجليل
  • ما بعد الجليل
  • اعتراف الرسل بالمسيح
    آلام المسيح
    الإعداد
  • المواجهة
  • الاختبار
    انتصار المسيح

البنية والمحتوى
الإعلان عن المسيح

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aGOS03_04.mp3
Related Audio How does the structure of Mark's gospel help us to understand his message?

سلطان المسيح
المقدمة
قرب كفرناحوم

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aGOS03_05.mp3

منطقة الجليل

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aGOS03_06.mp3
Related Audio Do the failures of the disciples undercut the authority and respectability of the church and its leadership?

ما بعد الجليل

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aGOS03_07.mp3
Related Audio Why did Jesus perform miracles?

اعتراف الرسل بالمسيح
آلام المسيح
الإعداد

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aGOS03_08.mp3
Related Audio Why was Peter's confession that Jesus is the Christ so remarkable?

المواجهة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aGOS03_09.mp3
Related Audio What did the Jews in Jesus' day expect the Messiah to do?

الاختبار
انتصار المسيح

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aGOS03_10.mp3
Related Audio What is the relationship between God's plan for our lives as individuals and his plan for his kingdom?
  • البنية والمحتوى
    الإعلان عن المسيح
  • سلطان المسيح
    المقدمة
    قرب كفرناحوم
  • منطقة الجليل
  • ما بعد الجليل
  • اعتراف الرسل بالمسيح
    آلام المسيح
    الإعداد
  • المواجهة
  • الاختبار
    انتصار المسيح

البنية والمحتوى

ينقسم إنجيل مَرقُس إلى حد كبير إلى خمسة أجزاء رئيسية. في الجزء الأول، يفتتح مَرقُس إنجيله بـإعلان موجز عن يسوع أنه المسيح وذلك في ١: ١ – ١٣. أما الجزء الثاني فهو جزء طويل يتحدث عن سلطان المسيح وذلك في ١: ١٤ – ٨: ٢٦. أما الجزء الثالث فهو قصير، محوري وهام، يظهر فيه اعتراف الرسل بالمسيح في ٨: ٢٧ – ٣٠. أما الجزء الرابع فهو جزء كبير قصصي يتناول آلام المسيح من ٨: ٣١ – ١٥: ٤٧. أما الجزء الخامس فهو خاتمة قصيرة تدوّن انتصار المسيح في ١٦: ١ – ٨. وسننظر في كل من هذه الأجزاء بصورة أعمق، بدءًا من الإعلان عن المسيح.

الإعلان عن المسيح

استمع كيف يبدأ إنجيل مَرقُس في ١: ١:

بَدْءُ إنجيل يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللهِ.

عندما أشار مَرقُس إلى يسوع على أَنه المسيح، استخدم الترجمة اليونانية للكلمة العبرية مَشِيح. وعلى نحو مشابه، فإن عبارة ابن الله هي دليل آخر على أن يسوع هو مسيح الله.

في العهد القديم وفي اللاهوت اليهودي المعاصر، كان يجب أن يكون المسيح الموعود من نسل الملك داود الذي سيستعيد عرش إسرائيل الملكي ويقود الشعب إلى ملكوت الله على الأرض.

هذا الإعلان الافتتاحي تبعه سجل مختصر عن معمودية يسوع على يد يوحنا المعمدان في مَرقُس ١: ٢ – ١١. في نهاية معمودية يسوع، نزل الروح القدس على يسوع، وسمع صوت الله الآب من السماء معلنًا أن يسوع هو ابنه الحبيب. وهكذا، أكدّ الروح القدس والآب كلاهما بأن يسوع هو حقًا المسيح الذي طال انتظاره.

من المشوّق أن نفكّر في موقف اليهود في زمن يسوع من مجيء المسيح الموعود. في الواقع، كانت المواقف مختلفةً آنذاك. فبعض الوثائق في مخطوطات البحر الميّت تُظهر أنّ البعض كان يؤمن بمجيء مسيحَيْن، مسيح نبي ومسيح ملك. ولكنّ التوقّع السائد كان أنّ المسيح سيكون إبنًا لداود وأنّه سيجلب معه السلام السياسي وحتماً سيطرد الرومان. أعتقد أنّ النظام الديني كان يؤمن بأنّ الملكوت سيأتي إذا أطاعت إسرائيل الشريعة. وقد اعتبروا في الواقع أن يسوع يشكّل تهديدًا في هذا الصدد بالنسبة إلى هذا النظام، لأنّ يسوع لم يُظهر أيّ خضوع للشريعة بل قام بانتهاكها، على الأقلّ بنظرهم. فهو لم يأتِ بالإصلاحات السياسية كما توقعوا منه، ولم يتصرّف أيضًا كما توقعوا من نحو الشريعة، لذلك كان الشعب، على ما أظنّ، مصدومًا منه. وأعتقد أنّهم رأوا يسوع كما في سفر التثنية ١٣، كشخصٍ صنع آيات ومعجزات، غير أنّه نبيٌّ مزيّفٌ ولذلك يجب أن يُقتَل. [د. توماس شراينر]

لكن يسوع لم يكن ذلك المسيح الذي توقعه الكثيرون. بصورة عامة، ظن اليهود في القرن الأول أن المسيح سيدخل إسرائيل في موكب عسكري ويقلب الحكم. لكن نتعلم من مَرقُس ١: ١٢ – ١٣، أنه مباشرة بعد معموديته، أرسل الروح القدس يسوع إلى البرية ليجرّبه الشيطان. في النهاية سينتصر. لكن في طريقه إلى النصر سيسلك دربًا طويلاً وشاقًا.

بعد الإعلان أن يسوع هو المسيح، وصف مَرقُس سلطان المسيح في ١: ١٤ – ٨: ٢٦.

سلطان المسيح

في هذا الجزء من كتاب مَرقُس، بدأ يسوع يظهر قوته وسلطانه على أَنه المسيح. واحتشد حوله الكثير من الجموع ليُعاينوا خدمته ويستفيدوا منها، لكنهم لم يدركوا أن السلطان الذي كان يسوع يمارسه هو البرهان على أنه المسيح. في الواقع، في كل هذا الجزء، لم يشر إليه أحد على أساس أنه المسيح. حتى يسوع نفسه بقي صامتًا من ناحية هويته، وشجّع الآخرين كي يبقوا هم أيضًا صامتين.

بالطبع، كان القرّاء الرومان الأولون لإنجيل مَرقُس مسيحيين. لذلك، كانوا يعرفون أن يسوع هو المسيح الموعود. لكن براعة مَرقُس في هذا القسم من الرواية سمحت لهم أن يشعروا بتوتر الجموع حول يسوع وهم يتساءلون من هو هذا الإنسان صانع المعجزات؟ وما الغرض من مجيئه؟

مع الأسف، غالبًا ما اعتبر علماء النقد صمت يسوع إشارةً إلى عدم إدراكه لدوره المسيحاني خلال خدمته الباكرة. لكن كما رأينا في مَرقُس ١: ١١، أعلن الله نفسه دور يسوع أنه المسيح، عند معموديته. على ضوء هذه الحقيقة، من الأفضل جدًا أن نفهم صمت يسوع كجزء من خطة. فقد كان ليسوع هدف محدّد يريد تحقيقه، وكان يعرف أنه كلما اندفعت الجموع وراءه كلما واجه عراقيل في تحقيق هدفه.

ويمكن تقسيم رواية مَرقُس التي تصف سلطان المسيح إلى أربعة أقسام. في القسم الأول، كتب مَرقُس مقدمة حدّدت مسار القصة بكاملها. في القسم الثاني، ركّز مَرقُس على خدمة يسوع المحلية قرب مدينة كفرناحوم. في القسم الثالث، شرح مَرقُس أن خدمة يسوع امتدت إلى بقية منطقة الجليل. في القسم الرابع، أخبرنا أن يسوع ذهب في النهاية إلى ما بعد الجليل، حتى إلى مناطق ذات غالبية وثنية. سننظر إلى كل من هذه الأقسام، بدءًا من مقدمة مَرقُس ١: ١٤ – ١٥.

المقدمة

استمع إلى الطريقة التي يلخّص فيها مَرقُس كرازة يسوع في مَرقُس ١: ١٥:

وَيَقُولُ [يسوع]: «قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ».

هنا أشار مَرقُس إلى أن قصد يسوع الرئيسي في الجليل، كان الكرازة بالإنجيل أو الأخبار السارة بأن ملكوت الله قد اقترب، وبأن بركاته متوفرة لكل الذين يتوبون ويؤمنون.

ركّز مَرقُس في كل ما دوّنه على سلطان يسوع المسيح، وعلى خدمته في منطقة الجليل وحولها، التي بدأت قرب مدينة كفرناحوم، ثم انتشرت إلى أماكن أخرى. وعن طريق مقارنة سجل مَرقُس مع بقية الأناجيل، يبدو لنا أن مَرقُس أغفل أوقاتًا خدم فيها يسوع في أماكن أخرى خارج الجليل. وهذا الإغفال يدلّ على أن هدف مَرقُس كان تدوين نشاطات يسوع وخطته في منطقة الجليل، بدل أن يقدّم لنا سجلاً مفصّلاً عن كل تنقلاته.

بعد المقدمة، وصف مَرقُس خدمة يسوع قرب مدينة كفرناحوم في منطقة الجليل في مَرقُس ١: ١٦-٣: ٦.

قرب كفرناحوم

بدأ مَرقُس ذلك، بإخبارنا كيف دعا يسوع تلاميذه الأولين في مَرقُس ١: ١٦ – ٢٠. في هذا الجزء، نجد أن إحدى الطرق التي تجاوب فيها الناس مع يسوع كانت من خلال الطاعة الجذرية. وقد طلب منهم يسوع أن يتبعوه، فتركوا ما كانوا يفعلونه وصاروا من تلاميذه.

ثم، كرز يسوع بالإنجيل عن طريق التعليم وصنع المعجزات في كفرناحوم في مَرقُس ١: ٢١ – ٣٤.

خلال هذا الوقت، ذاعت شهرة يسوع في كل الجليل، واستمرت بالاتساع خلال كل خدمته. وبسبب شهرته المتزايدة هذه، بدأت الجموع تحتشد حول يسوع، بحيث أعاقت قدرته على الكرازة بالإنجيل وإظهار قوته. لذلك، بدأ يوصي الآخرين بأن لا يروّجوا له بأنه المسيح.

بعد ذلك غادر يسوع كفرناحوم وبدأ يعلّم ويصنع معجزات في القرى المجاورة، كما نقرأ في مَرقُس ١: ٣٥ – ٤٥. وقد انتقل يسوع إلى القرى المجاورة، من جهة لينشر إنجيله بواسطة التعليم والمعجزات. ولكن، من جهة أخرى، ليبتعد عن الجموع في كفرناحوم التي كانت تحول دون خدمته بحُرية. وكما فعل سابقًا، شجّع الذين التقاهم على عدم إذاعة الأخبار عنه.

ثم يخبرنا مَرقُس أن يسوع عاد إلى كفرناحوم، حيث اصطدم مع القادة اليهود، كما نقرأ في ٢: ١ – ٣: ٦.

يتناول هذا الجزء من إنجيل مَرقُس أمورًا مثل سلطان يسوع على مغفرة الخطايا، ودفاعه عن خدمته للخطاة، وتعاليمه حول السبت. لكنه يمهّد أيضًا إلى نتيجة أخرى لشهرته المتزايدة: إذ بدأ معارضوه يزدادون عددًا، ويقاوموه بأكثر شدة. في الواقع، ينتهي هذا الجزء بإعلان يسوع عن اقتراب موته. في مَرقُس ٣: ٦، يخبرنا مَرقُس أن خصوم يسوع كانوا غاضبين لدرجة بدأ الكثيرون منهم يخططون لقتل يسوع.

لم يكن يسوع مقبولاً، وذلك بسبب تعليمه ومعجزاته. فعندما نقرأ العهد الجديد، نتساءل لماذا لم يقبله الناس؟ لماذا لم يروا قوّته؟ ولا يصغون إلى تعاليمه؟ هناك أسبابٌ كثيرةٌ دفعت الشعب إلى رفض تعاليم يسوع. أوّلها أنّ فحواها لم يكن ما أرادوه. فقد كانوا يتوقّعون ملكوتًا على هذه الأرض، وهو كان يتكلّم على ملكوت يدخل القلب ويغيّر حياة الناس، إنه مملكة الله في قلوب الناس. وسببٌ آخر هو أنّ تعاليمه تضرب قلوبهم في الصميم. أمّا معجزاته فكانت بالطبع مرفوضةً لأنّ أعداء المسيح الذين لم يوافقوا على تعاليمه كانوا يعرفون أنّ هذه المعجزات تُثبِت نوعًا ما أقواله. والقلب الساقط ليس حاضرًا بطبيعته لقبول تعاليم الله، وخدمة المسيح هي خير مثالٍ على ذلك لأنّ الله كان بين هؤلاء الناس ومع ذلك رفضوه. [د. جيف لومان]

غالبًا ما نأتي إلى يسوع وفي يَدِنا جدول أعمالنا. ونرسم توقّعاتنا حول كيف ينبغي أن يكون وكيف ينبغي أن يعمل. وغالباً، عندما يتحدّى يسوع جدول أعمالنا وتوقّعاتنا، يفوق هذا التحدّي قدرتنا على التحمّل. ولذلك الناس يكرهون عندما يبشّرهم يسوع بملكوت مختلف لملكوتهم المثالي. فهو يأتي كمسيحٍ لا يلائم توقّعاتهم حول ما ينبغي أن يكون ذلك المسيح. ويكون قد خالف توقّعاتهم، وهذا لن يعجبهم. فهو كان يأتي بمخطّطٍ يختلف كلّ الاختلاف عن مخطّط رجال الدين آنذاك. فقد أتى يبشّر بملكوت سيزيل القوّة والشهرة والسلطة والوجاهة التي كانوا يتمتّعون بها في إطار المراكز الدينية التي كانوا يحتلّونها، وطبعاً لم يريدوا ذلك. لذلك، كلّما أتينا إلى الله بجدول أعمالنا، نضع أنفسنا في مواجهةٍ معه بدلاً من أن نأتي إليه بقلوبٍ متواضعة لسماع التعاليم وكلّنا ثقةٍ به مهما كان ما سيضعه في طريقنا. [د. ك. إريك ثيونيس]

الآن وقد استعرضنا عمل يسوع قرب كفرناحوم، دعونا ننظر كيف وسّع يسوع خدمته في كل منطقة الجليل من مَرقُس ٣: ٧ – ٦: ١٣.

منطقة الجليل

في هذه المرحلة، كرز يسوع بملكوت الله في مناطق جديدة وبرهن عن اقترابه، منتقلاً من كفرناحوم إلى بقية المناطق المجاورة. وإذ كرز بالتوبة والإيمان في تلك المناطق، استمر في جذب الجموع وبإثارة مقاومة شديدة عليه.

يبدأ هذا الجزء بانسحاب يسوع من بين الجموع في مَرقُس ٣: ٧ – ١٢.

حدّد هذا المقطع، اتجاه الجزء بكامله عن طريق التشديد على أن شهرة يسوع ذاعت في كل مكان، رغم محاولاته التقليل من هذه الشهرة. والجموع التي احتشدت حوله نتيجة ذلك، جعلت من الصعب عليه أن يقوم برسالته. ويبدو أن هذه الصعوبة هي إحدى الأسباب وراء امتداد خدمته إلى مناطق جديدة في الجليل.

أما الجزء التالي من سجل القصة فيخبرنا عن اختيار يسوع لاثني عشر تلميذًا ليكونوا أتباعه المميّزين، كما نقرأ في مَرقُس ٣: ١٣ – ١٩.

اختار يسوع هؤلاء التلاميذ الاثني عشر ليساعدوه في الكرازة بالإنجيل وصنع المعجزات. لكن مَرقُس يُذَكِّر أيضًا قرّاءه بأن واحدًا من أولئك التلاميذ سوف يخون يسوع في النهاية. فمعارضة يسوع لم تقتصر على أعدائه فقط، بل امتدت أيضًا إلى أقرب أتباعه.

بعد ذلك، يخبرنا مَرقُس عن المعارضة التي واجهها يسوع من معلمي الشريعة ومن عائلته، كما نرى في مَرقُس ٣: ٢٠ – ٣٥.

وتظهر هذه القصة كيف أنه بينما أعلن يسوع إنجيل الملكوت بقوة خارقة، واجه معارضة من كل صوب. وبدل أن يقبلوه على أنه المسيح، اعتقد معلمو الشريعة أنه كان مسكونًا من إبليس، وظنت عائلته أنه فقد عقله.

بعد ذلك، نادى يسوع بالإنجيل من خلال أمثال ملكوت الله في مَرقُس ٤: ١ – ٣٤.

وقد علّم يسوع بصورة عامة بالأمثال عندما كان محاطًا بغير المؤمنين. وقد فعل ذلك ليعلن ملكوت الله لأولئك الذين آمنوا، وليخفيه عن أولئك الذين لم يؤمنوا. وكما أخبر تلاميذه في مَرقُس ٤: ١١ – ١٢:

فَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا سِرَّ مَلَكُوتِ اللهِ. وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ فَبِالأَمْثَالِ يَكُونُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ، لِكَيْ يُبْصِرُوا مُبْصِرِينَ وَلاَ يَنْظُرُوا، وَيَسْمَعُوا سَامِعِينَ وَلاَ يَفْهَمُوا، لِئَلاَّ يَرْجِعُوا فَتُغْفَرَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ».

مع الأسف، أربكت أمثال يسوع أيضًا تلاميذه. لكن عندما حدث ذلك، فسّر لهم يسوع ما قصده على انفراد ليتأكد من أنهم فهموا.

النقطة الرئيسية في الأمثال في هذا الجزء من رواية مَرقُس، هي أن الله سيُحضر ملء ملكوته فقط بعد عملية طويلة من النمو البطيء من خلال انتشار الإنجيل. كان يسوع يحقّق ملكوت الله على الأرض. لكنه كان يفعل ذلك بصورة مطوّلة ما تطلّب غالبًا من أتباعه مواجهة الألم والمعارضة، كما حصل له.

تبع سجل مَرقُس لأمثال يسوع، عدة إظهارات للقوة من مَرقُس ٤: ٣٥ – ٤٣.

يخبرنا مَرقُس هنا، أن يسوع سيطر على الطقس وطرد الأرواح الشريرة وشفى المرضى وأقام الأموات. في كل من هذه القصص، كان الناس خائفين أمام الخطر. لكن بعد أن أنقذهم يسوع بصورة خارقة، زاد في الواقع خوفهم، لأنهم لم يفهموا من كان رجل المعجزات هذا.

يعبّر التلاميذ، أي أتباع يسوع، أحيانًا عن خوفهم في الإنجيل عند رؤيتهم يسوع يقوم بأمور مؤثّرة ويقوم بمعجزات مذهلة. فهم يخافون عندما يعمل الله. ففي الفصل الرابع من إنجيل مَرقُس مثلاً، هبّت عاصفةٌ هوجاء وفاجأت التلاميذ في البحر وأخذت الأمواج تضرب القارب حَتَّى كَادَ يَمْتَلِىءُ مَاءً ويغرق، وأما يسوع فكان في مؤخّر القارب نائمًا على وسادة. فَأَيْقَظُوهُ آملين أن يساعدهم على إنقاذ القارب، وَقَالُوا لَه “يَامُعَلِّمُ، أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟“ فنهض يسوع وأمر الريح والأمواج أمرها بالسكوت. وهكذا أنقذهم بعد أن كانوا خائفين جدًّا من العاصفة. وهنا يقول مَرقُس إنّ خوفًا شديدًا ملأهم. ولكن لمَ هذا الخوف؟ فالعاصفة زالت والأمواج هدأت. إنّهم خائفون لأنّهم أدركوا أن الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يهدئ الرياح والأمواج، هو الله نفسه خالق الرباح والأمواج. فقد أدركوا أنهم في القارب مع الله نفسه الذي أسكت الرياح والامواج. وقد ولد ذلك الخوف فيهم، لأنهم لم يعرفوا تمامًا هوية الإله الذي أمامهم. فقد وُضعوا نوعًا ما في هذه الظروف المفاجئة وهم يجهلون شخصيّة يسوع. [د. فرانك ثلمان]

بعد إظهارات القوة هذه، كتب مَرقُس عن المعارضة التي واجهها يسوع في مسقط رأسه في الناصرة في مَرقُس ٦: ١ – ٦. وهذه الرواية تعيد التشديد مرة ثانية على أن قومًا عارضوه بشدة في هذه المرحلة من خدمته. حتى مع انتشار إنجيله بقوة، وتزايد أتباعه، فان الناس في موطنه رفضوه ورفضوا إنجيله.

أخيرًا، اختتم مَرقُس سجل خدمة يسوع في منطقة الجليل بإرسال التلاميذ الاثني عشر في مَرقُس ٦: ٧ – ١٣. أرسل يسوع تلاميذه الاثني عشر ليكرزوا بإنجيل الملكوت، وليصنعوا المعجزات في كل أرض فلسطين. لكن يسوع أوضح أيضًا أنه بينما نشر التلاميذ إنجيل التوبة والإيمان، سيتجاوب الناس معهم بالطريقة ذاتها التي تجاوبوا فيها معه. البعض سيقبلهم، وآخرون سيرفضونهم. وقد علّم يسوع بثبات أن ملكوت الله سيستمر في النمو على الرغم من المعارضة.

بعد أن أخبرنا عن خدمة يسوع التبشيرية قرب مدينة كفرناحوم ومحيط منطقة الجليل، وجه مَرقُس انتباهه إلى سلطان المسيح في خدمته فيما بعد الجليل في مَرقُس ٦: ١٤ – ٨: ٢٦.

ما بعد الجليل

في تدوينِه لخدمةِ يسوعَ ما وراءَ منطقةِ الجليلِ، استمرَّ مَرقُسُ في تشديدِه على بعضِ المواضيعِ التي سبقَ ومررنا بها. فقد أخبرَنا عن انتشارِ الإعلانِ عن الملكوتِ، وردّةِ فعلِ الجموعِ المُتَحَمِّسةِ، وتزايدِ عددِ خصومِ يسوعَ.

لكن مرقسَ بدأَ أيضًا يركّزُ على التلاميذِ بطرقٍ جديدةٍ. فشدّد على الطرقِ التي درَّبَهم فيها يسوعُ على مواجهةِ الأيامِ الصعبةِ التي كانت تنتظرُهم. ولفت الانتباهَ كيف أساؤوا فَهمَ تعاليمِه باستمرارٍ وفشِلوا في التزامِهم بها.

ما دوّنه مَرقُس عن خدمة يسوع في منطقة ما بعد الجليل يبدأ بشهرته المتزايدة في مَرقُس ٦: ١٤ – ٢٩.

في الماضي، عندما حصر يسوع خدمته في المنطقة حول كفرناحوم، ذاعت شهرته في كل منطقة الجليل. والآن صارت شهرته تسبقه. وبينما بقي يسوع في ضواحي الجليل، فإن شهرته ذاعت في كل فلسطين ووصلت حتى إلى الملك هيرودس. وهنا اغتنم مَرقُس هذه الفرصة ليطرح سؤالاً حول هوية يسوع. وقد شرح مَرقُس على وجه الخصوص أن يسوع لا يمكن أن يكون يوحنا المعمدان، لأن هيرودس قتل يوحنا.

ثم دوّن لنا مَرقُس عدة معجزات في مَرقُس ٦: ٣٠ – ٥٦. يبدأ هذا الجزء مع محاولة يسوع الانسحاب من بين الجموع، ثم يصف عدة أعمال خارقة تبين لماذا احتشد الناس في البداية. أظهر يسوع سلطانه بإشباعه ٥٠٠٠، ثم ٤٠٠٠ من الناس، وبمشيه على الماء في بحر الجليل، وبشفائه أعمى وأطرش. وقد برهنت معجزاته سيطرته المؤكدة على كل الخليقة. وبسبب هذه الأعمال الخارقة، تبعته الجموع حيثما ذهب. حتى إنهم سبقوه في بعض الأحيان.

بعد معجزات يسوع، يخبرنا مَرقُس عن معارضة الفريسيين المستمرة له في مَرقُس ٧: ١– ٢٣. وقد اصطدم يسوع والفريسيين حول مسألة حفظ شريعة العهد القديم، وقيمة التقاليد، وطبيعة القداسة. وقد أدى ذلك إلى ازدياد التوتر بين يسوع والفئات اليهودية المؤثرة.

أخيرًا، يخبرنا مَرقُس عن مجموعة أخرى من المعجزات في مَرقُس ٧: ٢٤ – ٨: ٢٦. يبدأ هذا الجزء وينتهي بتصريحَين حول سعي يسوع إلى تجنب الجموع، لا بل الحؤول دون الالتقاء بها. وبين هذين التصريحَين، نقرأ أن يسوع صنع العديد من المعجزات بين اليهود وغير اليهود. حتى إنه يدوّن لنا إيمان قوم من غير اليهود به.

في وسط لائحة المعجزات هذه، يلفت مَرقُس الانتباه إلى إخفاقات تلاميذ يسوع. في وقت سابق من خدمته، فشل التلاميذ في فهم مثل الزارع، كما نقرأ في مَرقُس ٤: ١٣. وعند هذه النقطة، لم يكونوا بعد قادرين أن يفهموا بعض تعاليمه. لذلك واجههم يسوع مباشرة.

استمع إلى ما دوّنه مَرقُس في ٨: ١٤ – ١٧:

وَنَسُوا أَنْ يَأْخُذُوا خُبْزًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي السَّفِينَةِ إِلاَّ رَغِيفٌ وَاحِدٌ. وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً: «انْظُرُوا! وَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَخَمِيرِ هِيرُودُسَ» فَفَكَّرُوا قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لَيْسَ عِنْدَنَا خُبْزٌ». فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ أَنْ لَيْسَ عِنْدَكُمْ خُبْزٌ؟ أَلاَ تَشْعُرُونَ بَعْدُ وَلاَ تَفْهَمُونَ؟ أَحَتَّى الآنَ قُلُوبُكُمْ غَلِيظَةٌ؟»

كان يسوع يتحدث عن الفساد الروحي لكن تلاميذه ظنوا أنه يتحدث عن الخبز للطعام. من السهل أن نفهم لماذا خاب أمله بهم.

في كل سجل مَرقُس حول سلطان يسوع بصفته المسيح، كانت معجزات يسوع وتعاليمه تؤيد كونه حقًا المسيح. لماذا إذن قاومه الكثيرون؟ لماذا رفضوه؟ لماذا وجد حتى التلاميذ، صعوبة كبيرة في فهمه وإتباعه؟ السبب إلى حد كبير يعود إلى أن يسوع لم يكن نوع المسيح الذي توقعه الشعب. فبدل أن يحقق التفوق السياسي الذي انتظروه استخدم سلطانه ليكرز بالإنجيل ويخدم حاجات الآخرين.

تُظهِر الدلائل العائدة إلى القرن الأوّل أنّ اليهود كانوا بالتحديد يتوقعون مسيحًا سياسيٍّا، مسيحاً عسكريٍّا يطرد الرومان ويهزمهم، ويقيم ملكوت الله في أورشليم. ومن هذا المنطلق، كان ما يبحثون عنه شديدَ القوميّة. فيسوع لم يُظهر أي إشارة تدلّ على أنّه سيلبّي هذا النداء القومي، بل كانت رؤيته حتمًا أبعد من ذلك بكثير. فلم يكن الأمر متعلّقًا بالرومان، بل بالخليقة بحدّ ذاتها. فالخليقة كانت في حالة سقوط والمسيح جاء ليقلب المقاييس وينقذها من هذا السقوط وليقيم ملكوت الله على الأرض؛ أي الانتصار على الخطيئة، والانتصار على إبليس، والانتصار على الموت. إذًا، كانت رؤية يسوع أبعد بكثير من انتصار سياسي أو عسكري. [د. مارك ستراوس]

كان اليهود ينتظرون على مدى خمس مئة أو ستّ مئة سنة قائدًا يعيد الملك لإسرائيل. فهم لم يحظوا بملك ولم ينالوا استقلالهم، فقد كان التوتّر سائدًا في فلسطين في القرن الأوّل. فعندما جاء يسوع يعلن الملكوت ويلمّح أنّه هو المسيح، تشوّقوا لسماع أقواله. ما الذي كانوا ينتظرونه؟ ربّما كانوا ينتظرون مسيحًا يعيد بناء الهيكل؛ ودارت شكوك حول ما إذا كان هذا الهيكل – وقد أعاد بناؤه الملك الوثني هيرودوس الأوّل – هو فعلاً الهيكل الذي يقصده الله. ولكن بالإضافة إلى ذلك، كان اليهود يتوقون إلى أن يفدي الله إسرائيل، وأن يفي بوعوده التي قطعها في العهد القديم. أين سيفي الله بوعوده؟ هذا ما كانوا يبحثون عنه. وربّما اتّخذ تفكيرهم المنحى التالي: ها نحن الآن تحت الاحتلال الروماني، وبالتأكيد إن كان الله سيفي بوعوده فهو سيُخلّصنا من الرومان. ثمّ يَظهر يسوع في ذلك الزمن معلنًا أنّه المسيح وأنّه مَن سيعيد بناء الهيكل – أو بالأحرى هو سيكون الهيكل الحقيقي – وأنّه هو مَن سيقيم الملكوت، ولكن لن تكون مملكة يهوديّة مستقلّة سياسيًّا، بل ستكون البُشرى التي تعلِن أنّ يسوع هو المسيح الملك وهو ربّ العالم. هذا مخالفٌ لتوقّعاتهم، غير أنّه وفاءٌ أعمقٌ للوعد الذي قُطِعَ. [د. بيتر واكر]

اختبر قرّاء مَرقُس الأولون التوتر ذاته الذي اختبره التلاميذ الاثنا عشر حول نوع المسيح الذي كأنه يسوع. زُرعت كنيسة روما في وقت كانت فيه المسيحية مقبولة. وكما هي الحال في الكنيسة الباكرة، كانوا يتوقعون أن يرجع يسوع بسرعة نسبيًا ليحقّق الملكوت على الأرض. لكن بدل ذلك، جلبت السنوات التي تلت الآلام والاضطهادات الرهيبة في أيام نيرون. لذلك، أوضح مَرقُس أن يسوع سيكون دائمًا المسيح القوي، حتى لو لم يقمْ دائمًا بالأمور التي يتوقعها أتباعه. ولأنه المسيح القوي، يمكن للمؤمنين أن يثقوا بأنه عندما يحين الوقت، سوف يحقّق ملكوته بانتصار كما وعد. لكن في غضون ذلك، ما زال هو الرب، ويمكنه أن يؤازرنا مهما كانت الظروف التي نواجهها.

بعد رواية مَرقُس الطويلة التي تصف سلطان المسيح، نصل إلى الجزء الرئيسي الثالث من إنجيله: وهي حادثة قصيرة تدوّن لنا اعتراف الرسل بالمسيح في ٨: ٢٧ – ٣٠.

اعتراف الرسل بالمسيح

هذا هو المشهد الشهير على الطريق إلى قيصرية فيلبي وفيه انتزع الرب يسوع اعترافًا من تلاميذه بأنه المسيح. ويوافق كل دارس لإنجيل مَرقُس أن هذا الاعتراف هو النقطة المحورية في إنجيل مَرقُس.

في أول عدد في الإنجيل، كتب مَرقُس: “بَدْءُ إنجيل يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللهِ”. فيسوع هو “المسيح”، أو المشيح. لكن بعد ذلك العدد لم تظهر كلمة “مسيح” أبدًا في إنجيل مَرقُس. فمَرقُس لم يتحدث عن يسوع أنه المسيح. ولم يخبرنا أن التلاميذ دعوه المسيح، أو أن الناس الذين عاينوه فكروا أنه المسيح، ولا حتى الأرواح الشريرة استخدمت كلمة المسيح.

في الحقيقة، كل واحد تقريبًا من الذين حاولوا أن يحدّدوا هوية يسوع أخطأوا. فقد ظنوا أنه صانع معجزات، أو نبي، أو يوحنا المعمدان، أو مجنون، أو مسكون بالأرواح الشريرة من قِبل بعلزبول. لكن في هذه الآونة، قرّر يسوع أنه حان الوقت أن يدفع تلاميذه إلى الاعتراف بهويته الحقيقية. استمع إلى حواره مع التلاميذ في مَرقُس ٨: ٢٧ – ٢٩:

ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَتَلامِيذُهُ إِلَى قُرَى قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ. وَفِي الطَّرِيقِ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ قِائِلاً لَهُمْ: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابُوا: «يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ: وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». فَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ الْمَسِيحُ!» فَانْتَهَرَهُمْ كَيْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ عَنْهُ.

بعد ٨ فصول من البراهين، أقرّ الرسل أخيرًا بإيمانهم بأن يسوع هو المسيح، المشيح، الشخص الذي أتى بملكوت الله.

بعد اعتراف الرسل بالمسيح، تناول الجزء الرابع الرئيسي من إنجيل مَرقُس المسيح المتألم. وهذا الجزء يمتد من ٨: ٣١ – ١٥: ٤٧.

في القسم الأول من إنجيله، ركّز مَرقُس كيف أدَّت خدمة يسوع القوية إلى الاعتراف المجيد بأنه المسيح. لكن عند هذه النقطة، بدأ مَرقُس بالتشديد على ناحية مختلفة من خدمة يسوع المسيحانية: آلامه وموته في أورشليم.

آلام المسيح

ينقسم سجل مَرقُس عن آلام المسيح إلى ثلاثة أجزاء رئيسية: إعدادِ يسوع تلاميذه لآلامه وموته، ومواجهته مع القادة اليهود في أورشليم والتي أدت إلى آلامه وموته، وأخيرًا اختباره للموت. سنستعرض كل جزء من هذه الأجزاء، بدءًا من إعداده لتلاميذه في مَرقُس ٨: ٣١ – ١٠: ٥٢.

الإعداد

يمكن تقسيم المادة التي تصف إعداد يسوع لتلاميذه إلى ثلاثة أقسام رئيسية، يبدأ كل قسم بالتنبؤ عن آلامه وموته وقيامته. يركّز الجزء الأول على يسوع أنه رب الملكوت في مَرقُس ٨: ٣١ – ٩: ٢٩.

بدأ مَرقُس تقريره عن خطة يسوع غير المتوقعة للإتيان بملكوت الله على الأرض – أي آلام يسوع وموته وقيامته – التي شرحها مَرقُس من ٨: ٣١ – ٩: ١. في كل تعليمه في هذا الجزء، تحدث يسوع عن ألمه، وحذّر تلاميذه من أنه لا بد لهم أن يتألموا بينما هم يستمرون في خدمة الإنجيل.

بعد ذلك، لفت مَرقُس الانتباه إلى سلطان يسوع الفريد عن طريق إخبارنا عن حدث يُعرف عامة بالتجلي في مَرقُس ٩: ٢ – ١٣. في هذا الحدث، تجلى مجد يسوع بصورة ظاهرة أمام بُطْرُس ويعقوب ويوحنا. وظهر أيضًا مع يسوع موسى وإيليا، وهذه دلالة على أن يسوع أقرّ بتعاليم الشريعة والأنبياء في العهد القديم وأكملها. لكن الله أمر التلاميذ بأن يُمجدوا يسوع ويطيعوه فوق موسى وإيليا. وهذا الحدث أعدّ تلاميذ يسوع عن طريق تذكيرهم بالإبقاء على ولائهم ليسوع فوق كل ولاء، وعن طريق تشجيعهم بأن الولاء ليسوع هو أطهر أنواع الولاء لله ولإعلان العهد القديم.

أخيرًا، ركّز مَرقُس على فرادة سلطان يسوع عن طريق الكشف عن قدرة السيطرة على الأرواح الشريرة في مَرقُس ٩: ١٤ – ٢٩. لم ينجح تلاميذ يسوع بطرد روح شرير كان معاندًا بشكل خاص. وقد علّم يسوع بأن هذا النوع من الأرواح لا يمكن طرده سوى عن طريق الصلاة. أما يسوع، فاستطاع أن يطرده بأمر بسيط. وهو بهذه الطريقة برهن عن تفوقه على الآخرين، وأكّد لتلاميذه أنه يملك سلطانًا لا متناهيًا في تحقيق إرادته. ورغم الشكوك والمخاوف التي كانوا سيمرّون فيها عند موته، فإن قوته يجب أن تشجّعهم على الثبات في إيمانهم فيه.

يتناول القسم الثاني من سجل مَرقُس حول إعداد يسوع تلاميذه لآلامه وموته وقيامته، قيّم ملكوت الله، وهو موجود في مَرقُس ٩: ٣٠ – ١٠: ٣١.

كما هي الحالُ في كلِّ جزءٍ من روايةِ مرقسَ حول استعدادِ يسوعَ للذهابِ إلى أورشليمَ، يبدأُ هذا الجزءُ بإنباءِ يسوعَ بآلامِه وموتِه وقيامتِه. وهذا يساعدُنا كي نرى أن مرقسَ ما زال يشدّدُ على إعدادِ التلاميذِ لتلكَ الأحداثِ. بعد إنبائِه بتلكَ الأحداثِ، استمرَّ يسوعُ بإعدادِ التلاميذِ بشرحِه لهم أن اللهَ لا يَحكُمُ على الأمورِ بالطريقةِ ذاتِها التي يحكمُ فيها العالمُ، بل يجبُ أن يطمئنوا إلى أن اللهَ كان يستخدمُ تلك الأحداثَ ليأتيَ بملكوتِه وليمجّدَ يسوعَ.

بعد نبوة يسوع في مَرقُس ٩: ٣٠ – ٣١، دوّن لنا مَرقُس تعليم يسوع عن قيَم الملكوت. في هذا الجزء، بيّن يسوع كيف أن أفكار العالم تصطدم مع الحق الإلهي في خمسة مجالات في الحياة.

أولاً، تكلم يسوع عن الإكرام في مَرقُس ٩: ٣٢ – ٤٢ مشيرًا إلى أن الأشخاص الذين ينالون إكرامًا أعظم في ملكوت الله، هم أولئك الذين يُكرّمون أقل في هذه الحياة.

ثانيًا، تحدث يسوع عن كلفة التلمذة في مَرقُس ٩: ٤٣ – ٥٠. وقد أوصى أتباعه بأن يتخلصوا من أي شيء يعيقهم عن متابعة أهداف ملكوت الله، بغض النظر عن نفاسة تلك الأشياء في الحياة.

ثالثًا، تحدث يسوع عن الزواج في مَرقُس ١٠: ١ – ١٢. وكانت نقطته الرئيسية أنه يجب النظر إلى الزواج والطلاق من منظار شريعة الله بدل القانون البشري – حتى وإن بدت الشريعة البشرية أكثر عدلاً.

رابعًا، تحدث يسوع عن الأولاد مرة أخرى في مَرقُس ١٠: ١٣ – ١٦. على الرغم مما قاله يسوع من قبل، فإن تلاميذه استمروا بمنع الأولاد عن الاقتراب منه. في ردّه على ذلك، ذكّرهم يسوع بأن الله سبق وأعطى هؤلاء الأولاد الملكوت، لذلك برفضهم للأولاد كان التلاميذ يقاومون الله.

وخامسًا، تحدث يسوع عن الغنى في مَرقُس ١٠: ١٧ – ٣١. هنا نجد القصة الشهيرة للشاب الغني الذي أصابه الهلع عندما أخبره يسوع أن تعلقه بالمال كان يعيقه عن قبول قيّم ملكوت الله.

في كل من أقسام التعليم هذه، شرح يسوع قيَم ملكوت الله ليكون تلاميذه أكثر استعدادًا لقبول آلامه وموته، بالإضافة إلى المشقة التي كان عليهم أن يحتملوها لأنهم أتباعه.

أما القسم الثالث من سجل مَرقُس حول إعداد يسوع تلاميذه لما سيواجههم في أورشليم يتعلق بالقيادة في ملكوت الله، في مَرقُس ١٠: ٣٢ – ٥٢.

بعد إنبائه بآلامه وموته وقيامته في مَرقُس ١٠: ٣٢ – ٣٤، عالج يسوع مسألة القيادة في الملكوت على ثلاثة محاور.

الأول، قال إن على يعقوب ويوحنا أن يشتركا في آلامه، في مَرقُس ١٠: ٣٥ – ٤٠. وأنهما سيشربان من الكأس نفسه ويعتمدان المعمودية ذاتها. ونستنتج من هاتين الاستعارتين، أنه لا بد لأتباع يسوع أن يختبروا الآلام ذاتها بسبب خدمتهم له.

الثاني، وصف يسوع القيادة في الملكوت أنها خدمة في مَرقُس ١٠: ٤٠ – ٤٥. وقد سبق وأشار إلى هذه الفكرة مرتين عندما تحدث عن القيّم في الملكوت. لكن هذه هي المرة الأولى التي شرح السبب وراء ذلك: فالقادة المسيحيون يجب أن يكونوا خدّامًا لأنهم يتبعون مثال يسوع، هو الذي تصرّف كخادم عن طريق الألم والموت عن الخطيّة.

ثالثًا، برهن يسوع عن الدافع للقيادة الخادمة عن طريق إظهاره الرحمة للأعمى بارتيماوس. القادة الخدّام لا يقومون بتضحيات لمجرد أنهم يريدون مكافأة أكبر في الملكوت، بل لأنَّ لهم حنانًا حقيقيًا نحو الذين يخدمونهم.

يدعو يسوع القادة المسيحيّين ليكونوا مختلفين وليكونوا خدّامًا لشعبهم. ففي هذا المقطع الرائع من إنجيل مَرقُس ١٠: ٤٥، يلفت يسوع النظر إلى صفة القائد الذي ينبغي أن يكون صادقًا مع أتباعه المنتمين إلى الثقافة اليونانية والرومانية. فالمثال الأساسي للقيادة في أيّام مَرقُس كان إظهار الرومان للقوّة وكان إظهار الرومان للسيطرة على شعبهم. أمّا يسوع المسيح فقال لتلاميذه “لم آتِ لأُخدَم بل لأخدِم وأبذلَ نفسي فديةً عن كثيرين”. فيسوع يطلب إذًا من أتباعه ويسألهم أن يتّبعوا مسار قيادته، أي أن يقودوا بالخدمة لا أن يتّبعوا مثال السيطرة الرومانية الذي كان سائدًا في أيّام مَرقُس. [د. جريج بيري]

شدّد يسوع على أن القيادة في ملكوت الله لا يمكن أن تتبع نمط القيادة في العالم، بل تحتاج أن تتبع مثاله في الألم.

لا شك أن هذه الأخبار كانت، في بعض النواحي، مثبطة للعزيمة بالنسبة لقرّاء مَرقُس في روما. فبدل أن يطمئنهم بأن عذابهم كان استثنائيًا وسينتهي سريعًا، أكد لهم مَرقُس في إنجيله بأن الألم هو القاعدة لمن يتبعون المسيح. لكن في الوقت ذاته، كان لهذه الأخبار ناحية مشجّعة. فآلام الكنيسة هي جزء من خطة المسيح للانتصار. وكما كتب بولس في رومية ٨: ١٨:

فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا.

بعد أن أخبرنا مَرقُس عن إعداد يسوع تلاميذه، لننتقل للتحدث عن مواجهة يسوع مع القادة اليهود من مَرقُس الفصل ١١: ١ – ١٣: ٣٧.

المواجهة

يمكن تقسيم موضوع مَرقُس حول مواجهة يسوع إلى قسمَين رئيسييَن: قسمٍ روائي يصف المعارضة من ١١: ١ – ١٢: ٤٤. وقسمٍ ثان يتناول خطاب يسوع على جبل الزيتون في ١٣: ١ – ٣٧.

يخبرنا مَرقُس في كل هذا الجزء من الإنجيل، كيف أن يسوع أرغم القادة اليهود على التحرك. في أقسام سابقة من إنجيل مَرقُس، لم يسعَ يسوع إلى النزاع مع القادة اليهود. وقد واجه معارضة بالدرجة الأولى بسبب رفض الناس لخدمة الرحمة التي قدمها. لكن يخبرنا مَرقُس في هذا الجزء، أن يسوع سعى فعليًا إلى المواجهة، لكي يتقدم نحو الصلب:

أولاً، في دخول يسوع الظافر إلى أورشليم في مَرقُس ١١: ١ – ١١ أعلن يسوع علنًا أنه المسيح الموعود والملك الشرعي لإسرائيل.

ثانيًا، من خلال إدانته لإسرائيل كشجرة تين يابسة في مَرقُس ١١: ١٢ – ١٤، ٢٠ – ٢٥، وتطهيره للهيكل في الأعداد ١٥ – ١٩، هاجم يسوع وبشكل صريح الموقف الأخلاقي للقادة اليهود وقوّض سلطانهم وتأثيرهم على الشعب.

كما تجادل يسوع مع رؤساء الكهنة ومعلمي الشريعة والشيوخ من مَرقُس ١١: ٢٧ – ١٢: ١٢. فبعد دحضه تحدّيهم لسلطانه، أخبرهم مثل الكرّامين الذي فيه يتهم القادة اليهود بالتمرّد على الله. وقد باتوا الآن مستعدين أن يعتقلوه، لكن خوفهم من الجموع منعهم.

ثم تجادل يسوع مع الفريسيين والهيروديين حول الضرائب الرومانية في مَرقُس ١٢: ١٣ – ١٧.

بعد ذلك، برهن يسوع في مَرقُس ١٢: ١٨ – ٢٧، أن الصدوقيين قد أساءوا فهم ما تُعلمه الأسفار حول القيامة.

وأخيرًا، هاجم معلمي الشريعة في مَرقُس ١٢: ٢٨ – ٤٤. وعلى الرغم من إقرار يسوع بأن بعضهم يعرف الشريعة، فقد أصرّ أنهم بصورة عامة واقعون تحت سلطة الطمع والطموح الدنيوي.

بطريقة أو بأخرى، تعمّد يسوع أن يتواجه علنًا مع كل الأحزاب اليهودية المؤثّرة: الكهنة ومعلمي الشريعة والفريسيين والهيروديين والصدوقيين. وقد أعطى كل مجموعة سببًا لتكرهه وتطلب موته، لكي يحضّهم على قتله.

أما الجزء الثاني الرئيسي لمواجهة يسوع مع القيادة اليهودية فهو تعليم يسوع في حديثه مع تلاميذه. وهذا التعليم يُسمى غالبًا الخطاب على جبل الزيتون لأنه جرى على جبل الزيتون. وبصورة عامة هو يمتد من مَرقُس ١٣: ١ – ٣٧. في هذا الجزء، أنذر يسوع تلاميذه بالمشقات التي تنتظرهم في المستقبل حتى لا يؤخذوا على حين غرة. وقد أخبرهم أنهم سوف يُساقون أمام حكام ليشهدوا عنه. وسوف يُضربون ويُبغضون وتنقسم عائلاتهم. كما سيختبرون كوارث طبيعية وضيقة عظيمة. في الواقع، أوضح لهم بأن الاضطهاد والألم سيكونان سمة الكنيسة إلى حين رجوعه.

لكن يسوع أعطى التلاميذ أيضًا رجاءً عظيمًا عن طريق تأكيده لهم الانتصار النهائي لملكوت الله. على سبيل المثال، في مَرقُس ١٣: ٢٦ – ٢٧ ذكّرهم بالانتصار العظيم الذي سيكون لهم عندما يتحقق ملكوته بقوة ومجد، في حال بقوا أوفياء له.

وكما كان متوقعًا، فإن كلمات يسوع لتلاميذه استمرت بتحريض القادة اليهود ضده. على سبيل المثال، في مَرقُس ١٣: ١ – ٢، علّم يسوع تلاميذه بأن الهيكل سوف يدمّر. لكن كما نقرأ في مَرقُس ١٤: ٥٨، فإن كلماته سُمعت عرضًا وأسيء فهمها، بحيث اتُهمَ زورًا في محاكمته بالتخطيط لتدمير الهيكل.

الآن وقد نظرنا إلى سجل مَرقُس عن [ألم المسيح] بعلاقته بإعداد يسوع تلاميذه، والمواجهة مع القادة اليهود في أورشليم، غدونا مستعدين لننظر إلى اختبار يسوع للألم والموت في مَرقُس ١٤: ١ – ١٥: ٤٧.

الاختبار

إن سجل اختبار يسوع الفعلي للألم والموت مليء بالأحداث المشهورة: خيانة يهوذا، الإنباء بنكران بُطْرُس، عجز التلاميذ عن السهر والصلاة مع يسوع في جثسيماني، اعتقال يسوع، المحاكمتان ونكران بُطْرُس، وأخيرًا صلب يسوع ودفنه.

هذه فصول مظلمة وغير مريحة. والجو ينذر بالشر. وهي مليئة بالفشل: فشل القادة اليهود، فشل الجموع، فشل النظامَين الروماني واليهودي، وفشل التلاميذ. وعن طريق الكتابة إلى كنيسة رومانية مضطهدة، أوضح مَرقُس بأن آلام ولادة المسيحية في أورشليم كانت قاسية تمامًا مثل آلام ولادة المسيحية في روما.

يمكن تقسيم سجل مَرقُس اختبار يسوع للألم والموت إلى أربعة أقسام رئيسية، بدءًا من تكفينه في مَرقُس ١٤: ١ – ١١.

أخبرنا مَرقُس في هذا الجزء، بعض التفاصيل الهامة جدًا. أولاً، قال لنا إن رئيس الكهنة ومعلمي الشريعة كانوا يبحثون عن طريقة ليعتقلوه ويقتلوه. ثانيًا، دهنت امرأة يسوع بعطر كثير الثمن، وقد تجاوب معها بإعلان أنها دهنته لتكفينه. بهذه الطريقة، أعلن يسوع بأنه سيُقتل في المستقبل القريب. ثالثًا، بدأ يهوذا الإسخريوطي بالتخطيط لتسليم يسوع لرؤساء الكهنة ومعلمي الشريعة. يمكننا أن نرى ذلك كنقطة تحوّل في قصة آلام يسوع وموته. فلم يعد موته تهديدًا غامضًا بل حقيقة وشيكة.

ثم يخبرنا مَرقُس عن ساعات يسوع الأخيرة مع تلاميذه في مَرقُس ١٤: ١٢ – ٤٢.

يبدأ هذا القسم من رواية مَرقُس باستعداد يسوع وتلاميذه لتناول العشاء الأخير في ١٤: ١٢ – ٣١. خلال هذا العشاء، أسس يسوع الفريضة المسيحية لعشاء الرب. كما استخدم هذا الوقت ليعطي تلاميذه بعض التعليمات الأخيرة ليساعدهم في فترة آلامه وموته. على سبيل المثال، أنذرهم بأنهم جميعًا سيتخلون عنه وأنبأ بنكران بُطْرُس له.

بعد العشاء الأخير، ذهبت المجموعة إلى بستان جثسيماني كما نقرأ في مَرقُس ١٤: ٣٢ – ٤٢. وفق هذا المقطع، كان يسوع حزينًا جدًا ومضطربًا، مسحوقًا بالحزن إلى درجة الموت. فمن الواضح أنه كان يتألم بشدة وهو يتوقع الصليب.

الجزء الثالث من سجل مَرقُس عن اختبار الألم والموت، هو سجل اعتقاله ومحاكماته، من مَرقُس ١٤: ٤٣ – ١٥: ١٥.

يبدأ هذا الجزء بخيانة يسوع على يد تلميذه يهوذا الإسخريوطي في مَرقُس ١٤: ٤٣ – ٥٢. ويستمر بمحاكمته أمام القيادة اليهودية في مَرقُس ١٤: ٥٣ – ٦٥. ثم نقرأ تقرير نكران بُطْرُس معرفته بيسوع واتباعه له في مَرقُس ١٤: ٦٦ – ٧٢. وأخيرًا، نقرأ عن محاكمته أمام الحاكم الروماني بيلاطس في مَرقُس ١٥: ١ – ١٥. في نهاية هذه الاختبارات المذّلة، جُلد يسوع ثم أُسلم إلى الجند الرومان ليُصلب.

 

القسم الرابع من سجل مَرقُس عن اختبار يسوع الألم والموت يغطي صلب يسوع في مَرقُس ١٥: ١٦ – ٤٧.

ويبدأ هذا القسم بتسليم يسوع إلى الجنود الرومان ليُجلد، ويُذَل، ويُقتل على الصليب كمجرم. من وجهة النظر البشرية كانت آلامه ساحقة.

كَون يسوع واجه سوء المعاملة هذه على يد الرومان، كان يعني الكثير بالنسبة إلى قرّاء مَرقُس الأولين من الرومان المسيحيين. فهم أدركوا فورًا التشابه بين ألم الرب وآلامهم هم، ولا شك أنهم تشجّعوا كدافع لهم ليثبتوا في مواجهة مشاكلهم.

لكن أسوأ جزء في آلام الرب هو خطيّة العالم التي أُلقيت عليه، وخضوعه لغضب الله الآب. أخيرًا، بعد موته، وُضع في قبر، دون أن يُحنط جسده بالطيوب لعدم توفر الوقت الكافي لذلك قبل حلول السبت.

الآن وقد نظرنا إلى إعلان المسيح، وسلطان المسيح، واعتراف الرسل بالمسيح وآلام المسيح، صرنا أخيرًا مستعدين لنلتفت إلى انتصار المسيح في مَرقُس ١٦: ١ – ٨، حيث يصف لنا مَرقُس قيامة ربنا.

انتصار المسيح

قبل أن نتطرقَ إلى محتوى هذا الجُزءِ، لا بدَّ أن نتوقفَ لنشرحَ لماذا نقولُ إن إنجيلَ مرقسَ ينتهي في الفصلِ ١٦ والعددِ ٨. في النهايةِ، مُعظَمُ كُتُبِنا المُقدَسةِ تتضمنُ عِشرينَ عددًا في هذا الفصلِ، لكن مُعظمَ هذه الكتبِ تشيرُ أيضًا إلى أن الأعدادَ من ٩ إلى ٢٠ لا تَظهرُ في أكثرِ المخطوطاتِ القديمةِ مصداقيةً لإنجيلِ مرقُسَ.

في المخطوطات اليونانية القديمة لإنجيل مَرقُس، يوجد ثلاث خاتمات. مجموعة من المخطوطات تنتهي عند العدد ٨. مجموعة ثانية تنتهي عند العدد ٢٠، وتضيف مجموعة ثالثة جملتين بعد العدد ٨.

وفحص دقيق للأدلة قاد الدارسين إلى الاستنتاج بأن مَرقُس ختم إنجيله بالعدد ٨. وتؤيد أقدم مخطوطات إنجيل مَرقُس وأهمها انتهاء الفصل ١٦ من مَرقُس عند العدد ٨ أي أنها تؤيد الخاتمة القصيرة بلا إضافات.

يعتقد كثير من الدارسين أن الخاتمتَين الأخيرتين أضيفتا من قبل ناسخٍ شعرَ بأنه من غير المريح أن يُختتم إنجيل مَرقُس بعبارة “كن خائفات”. لكن انزعاج الناسخ هذا ليس له أساس. في الواقع، إن مواضيع الخوف، والرعدة والحيرة تتردد في كل الإنجيل. ولهذا السبب، فالتشديد على الخوف مناسب جدًا في ختام هذا الإنجيل الخاص. في الحقيقة، إنه يتناسب تمامًا مع اختبارات قرّاء مَرقُس الأولين. فهم إذ واجهوا الاضطهاد بعد قيامة يسوع، لا شك أنهم تعزّوا بمعرفة أن تلاميذ يسوع الأولين اختبروا هم أيضًا الخوف.

دعونا ننتقل الآن إلى سجل قيامة يسوع في مَرقُس الفصل ١٦ والأعداد ١ إلى ٨. وسجل القيامة في مَرقُس هو أقصر من روايات الأناجيل الأخرى. لكن هذا الإيجاز يتناسب مع مخطّط هذا الإنجيل. فكما تذكرون، كان إعلان المسيح الذي استهل الإنجيل قصيرًا جدًا أيضًا، وكذلك اعتراف الرسل بالمسيح الذي شكل النقطة المحورية في الإنجيل.

هذا الجزء حول انتصار المسيح يبدأ مع النساء اللواتي أتين إلى القبر لتحنيط الجسد في اليوم الثالث بعد موته ودفنه. وقد لاقاهم زائر ملائكي كانت رسالته واضحة وصريحة. يسوع انتصر على الموت وقام منتصرًا، كما تنبأ عدة مرات أثناء خدمته. استمع إلى خاتمة إنجيل مَرقُس الفصل ١٦ والأعداد ٦ إلى ٨:

فَقَالَ لَهُنَّ: “لاَ تَنْدَهِشْنَ! … قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ هَهُنَا. هُوَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ. … فَخَرَجْنَ سَرِيعاً وَهَرَبْنَ مِنَ الْقَبْرِ، لأَنَّ الرِّعْدَةَ وَالْحَيْرَةَ أَخَذَتَاهُنَّ. وَلَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئاً لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ.

إن رد فعل النساء كان متوقعاً في إطار رواية مَرقُس: كن خائفات. تقريبًا الجميع في هذا الإنجيل تجاوب مع حضور الله القوي بالرعدة والحيرة والخوف.

ليس صحيحًا القول إن النساء أُمرن بإعلان قيامة المسيح، غير أنّهنّ شعرنَ بالخوف وهربنَ من غير أن يتفوّهنَ بأيّ كلمةٍ لأحد. ولكن ها نحن بعد ألفي سنة نقرأ هذه القصّة ونحن على علمٍ بأنّها لم تنتهي هنا. فنحن نعلم أنّ حقيقة الله انتصرت، ونرى مرة جديدة عجزًا إضافيًّا يتكرّر في الكتاب فنرى من جهة فشل الإنسان مقابل أمانة الله وقصده. [د. روبرت بلامر]

سيختبر شعب الله الضعف والعوز في هذه الحياة. وهذه كانت حال قرّاء مَرقُس الأولين في روما، وهذا ما صحّ بالنسبة إلى الكنيسة عبر العصور. لكن أخبار الإنجيل السارة هي أن ملكوت الله قد أتى. فقد انتصر المسيح على أعداء شعب الله – حتى على العدو الأخير، الموت نفسه. ولهذا السبب، يمكن لشعب الله أن يواجهوا أعداء إنجيل الملكوت. فالنصرة هي لنا منذ الآن.

بعد ان درسنا خلفية وبنية ومحتوى إنجيل مَرقُس، نحن الآن مستعدون أن ننظر في بعض المواضيع الرئيسية.

  • دليل الدراسة
  • الكلمات المفتاحية

القسم الثاني: البنية والمحتوى

مخطط لتدوين الملاحظات

II. البنية والمحتوى

أ. الإعلان عن المسيح

ب. سلطان المسيح

1. المقدمة

2. قرب كفرناحوم

3. منطقة الجليل

4. ما بعد الجليل

ج. اعتراف الرسل بالمسيح

د. آلام المسيح

1. الإعداد

2. المواجهة

3. الاختبار

ه. انتصار المسيح

أسئلة المراجعة

1. اذكر أسماء الأقسام الخمسة الرئيسية للإنجيل بحسب مرقس بترتيبهم الصحيح كما يتم تعليمهم بالدرس.

2. اشرح كيف كانت نظرة اليهود ليسوع بشكل عام. كيف تتعارض هذه النظرة مع نبوات العهد القديم عن المسيَّا؟

3. بحسب الدرس، لماذا لم يتكلم يسوع بوضوح منذ البداية عن دوره بصفته المسيَّا؟

4. في أي مكان ركز يسوع خدمته في البداية؟ كيف أظهر قوته وسلطانه؟

5. كيف تجاوب سكان الناصرة مع خدمة يسوع؟ كيف كان معلمو الشريعة يفكرون بشأنه؟ ماذا كانت عائلة يسوع تعتقد؟

6. بحسب الدرس، ما هي “النقطة المركزية” للإنجيل بحسب مرقس؟

7. ما هو نوع القيادة الذي كان يسوع يشجعه بشكل خاص؟

8. ماذا يعلِّم الدرس عن الطريقة التي كان يسوع فعليًا يشجع بها معارضة السلطات اليهودية؟

9. اذكر بعض الطرق التي تألم بها يسوع من أجل شعبه. بحسب الدرس، ما هو أسوأ جزء من آلام يسوع؟

10. لماذا يتفق الدرس مع نظرية أن مرقس 16 ينتهي بالآية 8؟ ما هي الحجج المعطاة؟ ما هو السبب المرجح الذي يقترحه الدرس الذي لأجله قد يكون قد دفع الناسخون لإضافة أجزاء للنهاية؟

أسئلة تطبيقية

1. كيف ساعدك هذا الدرس على تقدير يسوع بشكل أكبر؟

2. ما الأمر الذي تعلمته من يسوع والذي يغيِّر مفهومك عن القيادة؟

3. كيف يسيء الناس اليوم فهم يسوع؟ كيف يساعد الإنجيل بحسب مرقس على توضيح مَن يكون يسوع فعليًا؟

4. ما الذي يمكنك أن تتعلمه من الطريقة التي كان يتفاعل بها يسوع مع السلطات الدينية في وقته؟ كيف يجب علينا تطبيق هذه الدروس اليوم؟

AJAX progress indicator
Search: (clear)
Nothing found. Please change the filters.
الاختبارات
الأناجيل - الدرس الثالث - الامتحان الثاني
Previous القسم
Back to الدرس
Next القسم

انجازك في الدورة

0% Complete
0/41 Steps

محتوى الدورة الدراسية

الدورة Home عرض الكل
ابدأ هنا- مخطط الدورة الدراسية
الدرس الأول: مدخل إلى الأناجيل
7 الأقسام | 6 الاختبارات
تحضير الدرس الأول
الأناجيل – الدرس الأول – القسم الأول
الأناجيل – الدرس الأول – القسم الثاني
الأناجيل – الدرس الأول – القسم الثالث
الأناجيل – الدرس الأول – القسم الرابع
الأسئلة التعبيرية
الأسئلة المقالية
الدرس الثاني: الإنجيل بحسب متى
6 الأقسام | 5 الاختبارات
تحضير الدرس الثاني
الأناجيل – الدرس الثاني – القسم الأول
الأناجيل – الدرس الثاني – القسم الثاني
الأناجيل – الدرس الثاني – القسم الثالث
الأسئلة التعبيرية
الأسئلة المقالية
الدرس الثالث: الإنجيل بحسب مرقس
6 الأقسام | 5 الاختبارات
تحضير الدرس الثالث
الأناجيل – الدرس الثالث – القسم الأول
الأناجيل – الدرس الثالث – القسم الثاني
الأناجيل – الدرس الثالث – القسم الثالث
الأسئلة التعبيرية
الأسئلة المقالية
الدرس الرابع: الإنجيل بحسب لوقا
6 الأقسام | 5 الاختبارات
تحضير الدرس الرابع
الأناجيل – الدرس الرابع – القسم الأول
الأناجيل – الدرس الرابع – القسم الثاني
الأناجيل – الدرس الرابع – القسم الثالث
الأسئلة التعبيرية
الأسئلة المقالية
الدرس الخامس: الإنجيل بحسب يوحنا
6 الأقسام | 6 الاختبارات
تحضير الدرس الخامس
الأناجيل – الدرس الخامس – القسم الأول
الأناجيل – الدرس الخامس – القسم الثاني
الأناجيل – الدرس الخامس – القسم الثالث
الأسئلة التعبيرية
الأسئلة المقالية
الدرس السادس: القراءات المطلوبة
3 الأقسام | 4 الاختبارات
متطلبات القراءة 1
متطلبات القراءة 2
متطلبات القراءة 3
العودة إلى الأناجيل

Copyright © 2021 · Education Pro 100fold on Genesis Framework · WordPress · Log in