مساقات عبر الإنترنت Online Courses

  • التسجيل
  • تسجيل الدخول
الرئيسية / الدورات الدراسية / رسالة يعقوب / الدرس الثاني: طريقان للحكمة

رسالة يعقوب – الدرس الثاني – القسم الأول

الدورات الدراسية رسالة يعقوب الدرس الثاني: طريقان للحكمة رسالة يعقوب – الدرس الثاني – القسم الأول
الدرس Progress
0% Complete
 
  • الفيديو
  • الملف الصوتي
  • النص

المقدمة
الحكمة التأملية

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM02_01.mp4
موضوعات ذات صلة
What is wisdom?

الاحتياج
تحدي التجارب
التجارب المتنوعة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM02_02.mp4
موضوعات ذات صلة
Why does James give so much emphasis to the challenges facing poor believers?

الإرشاد
الامتحان
الصبر

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM02_03.mp4

الكمال
المكافأة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM02_04.mp4
موضوعات ذات صلة
What can we learn from James about the need to grow in Christian maturity?

الإيمان

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM02_05.mp4
  • المقدمة
    الحكمة التأملية
  • الاحتياج
    تحدي التجارب
    التجارب المتنوعة
  • الإرشاد
    الامتحان
    الصبر
  • الكمال
    المكافأة
  • الإيمان

المقدمة
الحكمة التأملية

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM02_01.mp3
Related Audio What is wisdom?

الاحتياج
تحدي التجارب
التجارب المتنوعة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM02_02.mp3
Related Audio Why does James give so much emphasis to the challenges facing poor believers?

الإرشاد
الامتحان
الصبر

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM02_03.mp3

الكمال
المكافأة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM02_04.mp3
Related Audio What can we learn from James about the need to grow in Christian maturity?

الإيمان

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM02_05.mp3
  • المقدمة
    الحكمة التأملية
  • الاحتياج
    تحدي التجارب
    التجارب المتنوعة
  • الإرشاد
    الامتحان
    الصبر
  • الكمال
    المكافأة
  • الإيمان

المقدمة

لقد وَاجَهْنَا جَمِيعًا في وقت ما أَوْضَاعًا اشْتَمَلَتْ عَلَى تَحدِّيَّات كانت مُربِكة ومُحبِطة لنا. وَفِي هَذِهِ الظُّرُوف، كَثِيرًا كنا نتمنى أن نَجِد صَدِيقًا يَفْهَم مَا كَان يحدث مَعَنَا فِعْلا، وَيُمْكِنْهُ أَنْ يُعْطِينَا بَعْض النصائح العَمَلِيِّة لنتبعها. ويكون مِثْل هَذا الصَّدِيق مَصْدَر حِكْمَة يقدم لنا فرحًا عَظِيمًا.

مِنْ نَوَاحٍ عَدِيدَةْ، كان هذا هو حال المؤمنين الأَوَائِل الذين استلموا رِسَالَة يَعْقُوب. فقد واجهوا ظُرُوفًا بتَحَدِّيَات عَظِيمَة، سَبَّبَتْ الْحِيرَة وَالإِحْبَاط لكثيرٍ منهم. وَكَتَب يَعْقُوب لِيُعْطِيَهُمْ حِكْمَة. فكتَب لِيُذَكِّرَهُمْ بِمَقَاصِدِ اللهِ الصَّالِحَة مِنْ وَرَاء ظُرُوفِهِمْ. وعرّفَهُم بأن الله قدّم إرشادًا جديرًا بالثقة ينبغي عليهم اتّباعَه. وأكّد لهم بِأَنَّهُمْ إِنْ قَبِلُوا حِكْمَة الله، فَإِنَّهُمْ سَيَخْتَبِرُون فَرَحًا عَظِيمًا.

هَذا هُوَ الدَّرْسُ الثَّانِي فِي سِلْسِلَتِنَا عن رِسَالَةُ يَعْقُوبَ، وَهُوَ يركّز على أَحَدِ الموضوعات الرَّئِيسِيَّةِ الّتِي تَرْبِطُ كَامِلَ الرِّسَالَةِ. وَقَدْ أَعْطَيْنَا هَذَا الدَّرْسَ العِنْوَانَ “طَرِيقَان للحِكْمَةِ”، لِأَنَّنَا سَنَسْتَكْشِفُ كَيْفَ قَدَّمَت هَذَه الرسالة نَوْعَيْنِ مِنَ الْحِكْمَةِ مقدَّمَين مِنَ اللهِ لِلْكَنِيسَةِ الأُولَى. وَسَنَرَى كَيْفَ تقدّم تَوْجِيهَاتٍ شَبِيهَةً لَنَا نَحْنُ أَتْبَاعَ المَسِيحِ الْيَوْمَ.

رَأَيْنَا فِي دَرْسِنا السَّابِقِ أَنَّ بُنْيَةَ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ وَمُحْتَوَاهَا كليهما يَعْكِسَانِ نوعًا من أدب الحِكْمَةِ اليَهُودِيَّ الشهير وَالْذي كَانَ مُنْتَشِرًا فِي الْقَرْنِ الأول الْمِيلَادِيِّ. وَقَدْ لَخَّصْنَا الغرض الْأَصْلِيَّ لِلرِّسَالَةِ بِمَا يَلِي:

 دَعَا يَعْقُوبُ قُرَّاءَهُ أن يطلبوا الحِكْمَةَ مِنَ اللهِ ليكون لهم الفَرَح فِي تَجَارِبِهِمْ.

اسْتَخْدَمَ يَعْقُوبُ فعليًا الكلمات “الحِكْمَة”، وَفِي الْيُونَانِيَّةِ صُوفِيَّا [σοφία]، و”حَكِيم” وَفِي الْيُونَانِيَّةِ سُوفُوس [σοφός]، فِي مقطعين فَقَطْ مِنْ رِسَالَتِهِ. فَنَجِدُ هَذَيْنِ التَّعْبِيرَيْنِ فِي 1: 2-18، وأيضًا فِي 3: 13-18. لِهَذَيْنِ المَقْطَعَيْنِ أَهَمِّيّةٌ خَاصَّةٌ لِأَنّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُشِيرُ إِلَى طَرِيقَي الْحِكْمَةِ اللّذَيْنِ دَعَا يعقوب قُرَّاءَهُ لِأَنْ يَتْبَعُوهُمَا.

وَالْآنَ، يَنْبَغِي أَنْ نُلَاحِظَ أَنَّهُ حِينَ يُفَكِّرُ البعض في الْحِكْمَةِ فِي رِسَالَةِ يَعْقُوبَ فَإِنَّهُمْ يُفَكِّرُونَ في تمييز يَعْقُوبَ بَيْنَ الحِكْمَةِ الْأَرْضِيَّةِ وَالْحِكْمَةِ السَّمَاوِيَّةِ. وسوف نتناول كِلا هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الْحِكْمَةِ فِي وَقْتٍ لاحِقٍ مِنْ هَذا الدَّرْسِ. وَلَكِنْ لِأَجْلِ أغراض هذا الدرس، سَنُرَكِّزُ عَلَى طَرِيقَي الْحِكْمَةِ الرَّئِيسِيَّيْنِ اللَّذِينِ يَتِمُّ التعرف عليهما عادة في تَقَالِيدِ الْحِكْمَةِ اليَهُودِيَّةِ. الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ هُوَ مَا نَدْعُوهُ “بالحِكْمَةِ التَّأَمُّليُّةِ”، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي هُوَ مَا نَدْعُوهُ “بالْحِكْمَةِ العَمَلِيَّةِ”.

تَظَهَرُ الحِكْمَةُ التَّأَمُّليُّةِ بوضوحٍ فِي أَسْفَارٍ مِثْلِ سفري أَيُّوبَ وَالْجَامِعَةِ. فَهَذِهِ الْأَسْفَارُ تَبْحَثُ عَنْ فهمٍ لمَقَاصِدِ اللهِ الْكَامِنَةِ وَرَاءَ التَّجَارِبِ والضيقات. وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الْعَمَلِيَّةُ فَتَظْهَرُ بِأَبْرَزِ صُورَةْ فِي سِفْرِ الْأَمْثَالِ. هذا السِّفْرُ مُخَصَّصٌ بِشَكْلٍ رَئِيسِيٍّ لِتَقْدِيمِ النُّصْحِ وَالْإرْشَادِ فِي شُؤُونِ الْحَياةِ اليَوْمِيَّةِ.

فِي دراستنا عن طَرِيقَي الْحِكْمَةِ اللَّذِينِ نجدهما في رِسَالَةُ يَعْقُوبَ، سنتناول أَوَّلًا طَرِيقِ الْحِكْمَةِ التَّأَمُّليُّةِ. وثانياً، سَنَنْظُرُ إِلَى طَرِيقِ الْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ. وَلْنَبْدَأْ بِمَا اهْتَمَّ يَعْقُوبُ بِتَعْلِيمِهِ عَن الْحِكْمَةِ التَّأَمُّليُّةِ.

الحكمة التأمليّة

وَاجَهْنا جَمِيعًا ظروفًا اعتقدنا أَنَّنَا نَفْهَمهَا، واكتشفنا لاحِقًا أَنَّنَا كُنَّا مُخْطِئِين. فغالباً مَا يجب أن نَنْظُر إِلَى مَا وَرَاء الْمَظَاهِر، ثُمَّ نعيد النظر بتركيز لندرك مَا يَحْدُث فِعْلا. وَمِنْ نَوَاحٍ عَدِيدَة، هكذا بَدَأَ يَعْقُوب كِتَابَة الجزء الرَّئِيسِي مِنْ رِسَالَتِهِ. فهو دَعَا قُرَّاءَهُ لِلنَّظَر إِلَى مَا وَرَاء مَظَاهِر الظُّرُوف الْمُحْبِطَة، لإِدْرَاك مَا كَانَ يَحْدُث فِعْلا فِي حَيَاتِهِمْ.

سنبحث في كَيْفية تناول يَعْقُوبُ لهَذَا النَّوْعَ مِنَ الْحِكْمَةِ التَّأَمُّليُّةِ بِثَلاثِ طُرُقٍ. أَوْلًا، سَنَنْظُرُ إِلَى احْتِيَاجِ قُرَّائِهِ. ثَانِيًا، سَنَرَى الْإِرْشَادَ الَّذِي قَدَّمَهُ يَعْقُوبُ لَهُمْ. وَثَالِثًا، سَنُلاحِظُ الرَّابِطَ بَيْنَ الْحِكْمَةِ التَّأَمُّليُّةِ وَالإِيمانِ. وَلْنَبْدَأْ أَوَّلًا بِاحْتِيَاجِ قُرَّاءِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ لِلْحِكْمَةِ التَّأَمُّليُّةِ.

الاحتياج

تَعَلَّمْنَا فِي دَرْسِنَا السَّابِقِ أَنَّ القُرَّاءَ الأَصْلِيِّينَ لِهَذِهِ الرِّسَالَةِ يَتَأَلَّفُونَ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ مِنْ مَسِيحِيِّينَ مِنْ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ. وفِي الْغَالِبِ أُجْبِرُ هَؤُلَاءِ عَلَى ترك أَورْشَلِيمَ فِي مَوْجَاتِ الاضْطَهَادَاتِ الّتِي تَلَتْ اسْتِشْهَادَ اسْتِفَانُوسَ. وَوَاضِحٌ مِمَّا كتبه يَعْقُوبُ أَنَّ كَثِيرِينَ مِنْ هَؤُلاءِ كَانُوا بِحَاجَةٍ لِلْمُسَاعَدَةِ فِي حَالَةِ الْإِحْبَاطِ وَالْحِيرَةِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا وهم يُوَاجِهُونَ تَجَارِبَ قَاسِيَةً فِي البلاد الّتِي تشتتوا فِيهَا.

فِي رِسَالَةِ يَعْقُوبَ 1: 2، نَرَى أَنَّ يَعْقُوبَ كَانَ مُنْشَغِلًا بِاحْتِيَاجَاتِهِمْ هَذِهِ. فبَعَدَ الآيَةِ الافْتِتاحِيَّةِ الأُولَى مباشرة فِي رِسَالَتِهِ، كَتَبَ قَائِلًا:

اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ. (يعقوب 1: 2)

وَلِفَهْمِ احْتِيَاجِ قُرَّاءِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ، سيفيدنا أَنْ نَنْظُرَ إِلَى بُعْدَيْنِ يَشْتَمِلُ هَذا النص عَلَيْهِمَا. وَلِذَا، سَنَنْظُرُ أَوَّلًا إِلَى تَحدِّي التَّجَارِبِ. وثانياً، سنبحث في التَّجَارِبَ المُتَنَوِّعَةَ الَّتِي كَانَ قُرَّاءُ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ يُوَاجِهُونَها. وَلْنَبْدَأْ بِتَحَدِّي التَّجارِبِ.

تحدي التجارب

الْكَلِمَةُ “تَجَارِب”، فِي رسالة يَعْقُوبَ 1: 2، هي تَرْجَمةٌ للْاسْمِ اليُونَانِيِّ بِيراسْمُوس [πειρασμός]. ويُمْكِنُ تَرْجَمَة هذه الكلمة إِلَى “محنة” وَ”غواية” وَ”امْتِحَانٍ”. وَهكذا أيضًا الفِعْل من هَذا الْاسِمِ هو بِيرَازُو [πειράζω]، ويُمْكِنُ تَرْجَمَتُهُ أَيْضًا إِلَى “يجيز في محنة”، و”يغوي”، وَ”يَمْتَحِنُ”. وسيساعدنا فَهْمُنا لنطاق التَّرْجَمَاتِ المُمْكِنَةِ هَذِهِ فِي فَهْمِ الظُّرُوفِ الَّتِي كَانَ قُرَّاءُ هَذِهِ الرِّسَالَةِ الْأَصْلِيُّونَ يُوَاجِهُونَها. وَهَكَذا، يُمْكِنُ الْقَوْلُ إِنَّهُمْ وَاجَهُوا اختبارات صَعْبَةً، وَإِنَّ هَذِهِ الاختبارات عَرَّضَتْهُمْ لِتَجَارِبَ بِهَدَفِ امْتِحَانِهِمْ.

من المُؤْسِف أَنَّ المؤمنين في العصر الحديث كَثِيرًا مَا يُقَلّلونَ مِنْ أهمية مَا كَانَ يَعْقُوبُ يُفَكِّرُ بِهِ، لِأَنَّنا نعتبر “المحن” وَ”الإغواءات” وَ”الْامْتِحَانَاتِ” وَكَأَنَّهَا أَفْكَارٌ مُخْتَلِفَةٌ وَمُنْفَصِلَةٌ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ. وَلَكِنَّ الْكِتابَ الْمُقَدَّسَ، خَاصَّةً أدب الحِكْمَةِ، مِثْلَ سفر أَيُّوبَ، يقَدِّمُ هَذِهِ الْمَفَاهِيمَ باعتبارها أوجهًا مختلفة لِكُلِّ ظَرْفٍ يشكل تحديًا يُواجِهُهُ شَعْبُ الله.

فالظُّرُوفُ التي تشكل تحديًا هِيَ محن لِأَنّها صَعْبَةٌ وَتَتَطَلَّبُ الْاحْتِمَالَ. وَلَكِنَّ هَذِهِ الظُّرُوفَ لَيْسَتْ مُحَايِدَةً مِنَ النَّاحِيَةِ الْأَخْلَاقِيَّةِ. إِذْ هِيَ إغواءات تغوي الْإِنْسانَ لِلِاسْتِجَابَةِ بِطُرُقٍ خَاطِئَةْ أَوْ أَثِيمَةٍ. كَمَا أَنَّ الظُّرُوفَ التي تشكل تَحَدِّيَاتٍ هِي أيضاً امْتِحَانَاتٌ مِنَ اللهِ. فهي وسيلة يَسْتَخْدِمُها الله لِامْتِحَانِ حَالَةِ قُلُوبِنَا وَإِظْهَارِ حَقِيقَتِهَا.

وَإِذْ نضع في اعتبارنا الْاحْتِيَاجَ النَّاتِجَ عَنْ تَحَدِّي التجارب، عَلَيْنا أَيْضًا أَنْ نَنْتَبِهَ إِلَى أَنَّ يَعْقُوبَ يَذْكُرُ فِي 2: 2 التَّجَارِبَ الْمُتَنَوِّعَةِ.

التجارب المتنوعة

حين تحدّث يَعْقُوبَ عَنْ التجارب المتنوعة أشار إِلَى عَدَدٍ مِنَ الصُّعُوبَاتِ الْتِي اشْتَمَلَتْ عَلَى حالات الْاضِطَرابِ والنزاعات بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ الْفُقَرَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ الْأَثْرِيَاءِ فِي الْكَنِيسَةِ الْأُولَى.

فَمِنْ نَاحِيَةٍ، كَتَبَ يَعْقُوبُ كَثِيرًا عَنِ التَّحَدِّيَاتِ الْتِي كَانَتْ تُوَاجِهُ الْمُؤْمِنِينَ الْفُقَرَاءَ. فَبِحَسَبِ الْأَصْحَاحَاتِ 2 إِلَى 6 مِنْ سِفْرِ أَعْمَالِ الرُّسُلِ، كان كَثِيرُونَ مِنْ مُؤْمِنِي الْكَنِيسَةِ الْأُولَى فِي أُورْشَلِيمَ فُقَرَاءَ. وَلِأَنَّ يَعْقُوبَ كَتَبَ إِلَى مُؤْمِنِينَ كَانُوا قَدْ تَشَتَّتُوا عن أُورْشَلِيمَ بِسَبَبِ الْاضْطِهادِ، فَالْاحْتِمالُ الرَّاجِحُ هو أَنَّ عَدَدَ الفُقَرَاءِ قد ازْدَادَ.

فِي 1: 9، وَفِي 4: 6 من الرسالة، يَدْعُو يَعْقُوبُ هَؤُلاءِ المؤمنين “الْمُتَضِعِينَ” أَوْ “الْمُتَوَاضِعِينَ”، وَهُمَا تَرْجَمَتانِ للْكَلِمَةِ الْيُونَانِيَّةِ تَابِينُوس [ταπεινός]، التي تَعْنِي “ذوي الْمَكَانَةِ الْاجْتِمَاعِيَّةِ الوضيعة”. وَفِي 2: 2، 3، 5، 6، يُدْعُوهُمْ أيضا “الْفُقَرَاءِ”، أو بُتُوخُوس [πτωχός]. يَعْنِي هذا المصطلح “المَحْرُومِينَ اقْتِصَادِيًّا”. كماَ يُشِيرُ فِي 1: 27 إِلَى “الْيَتامَى وَالْأَرَامِلِ”. وَكَثِيرًا مَا يُشِيرُ الْكِتابُ الْمُقدَّسُ إِلَى هَذِهِ الْفِئَةِ بِاعْتِبَارِهِمْ فِئَةً ضَعِيفَةً وَمُعَرَّضَةْ بِشَكْلٍ خَاصٍّ لِلْفَقْرِ وَإِسَاءَةِ المُعَامَلَةِ. وَيُشِيرُ يَعْقُوبُ فِي 2: 2 إِلَى أَنَّ بَعْضَ هَؤُلاءِ المُؤْمِنِينَ الفقراء كَانُوا يَرْتَدُونَ “لِبَاسًا وَسِخًا”. وَبِحَسَبِ 2: 15، فَإِنَّ بَعْضَ هَؤُلاءِ عَلَى الْأَقَلِّ كَانُوا محرومين لِدَرَجَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا “عُرْيَانِينَ وَمُعْتازِينَ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ”.

يسلط يَعْقُوبُ الكثير من الضوء عَلَى الفُقَرَاءِ. ويَسْهُلُ أَنْ نختصر الطريق إلى فهم ما يُحَاوِلُ يَعْقُوبُ أَنْ يَقُولَهُ لَنَا بِافْتِرَاضِ أَنَّهُ كان يِقْصِدُ الْفُقَرَاءَ أَوْ الْمَسَاكِينَ بِالرُّوحِ. وهو يِقِينًا يَقْصِدُ أَنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ مُتَوَاضِعِينَ وَمَسَاكِينَ وَفُقَرَاءَ فِي الرُّوحِ. وَلَكِنَّهُ يُخَاطِبُ احْتِيَاجَاتِ وَظُرُوفَ الْفُقَرَاءِ مَادّيًّا. وَهُوَ كَلامٌ شَبِيهٌ لِمَا نَرَاهُ فِي طرح لُوقَا لِلتَّطْوِيباتِ، حَيْثُ يَقُولُ: “طُوبَاكُم أَيُّها الْمَسَاكِينُ”. فَمَا يِقْصِدُهُ يَعْقُوبُ هُوَ عَلَى الْأَقَلِّ الفُقَرَاءُ مَادّيًّا. فَلِمَاذَا يكون هَؤُلَاءِ مطوّبين بشكل خَاص؟ إِنَّ الْأَمْرَ يَتَعَلَّقُ بِطَبِيعَةِ مَلْكُوتِ اللهِ. فَالمَلَكُوتُ يَهْتَمُّ في مجمله بِرَفْعِ الضُّعَفَاءِ وَوَضْعِ الْأَقْوِيَاءِ. يُمْكِنُكَ أَنْ تَعْمَلَ هَذَا فِي هَذِهِ الحَياةِ. فَيُمْكِنُكَ أَنْ تَتَوَاضَعَ إِنْ كُنْتَ غَنِيًّا، وإِنْ كُنْتَ قَوِيًّا، وَإِنْ كُنْتَ ذا نُفُوذٍ. فالْهَدَفُ الَّذِي يُرِيدُ يَعْقُوبُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ هُوَ زرع شُعُورِ بالتَّوَاضِعِ، والْفَقْرِ، أي أن تكون مسكينًا بالرُّوحِ. لَكِن كان لَدَيْهِ أَيْضًا الْكَثِيرُ لِيَقُولَهُ عَنْ الَّذِينَ هُمْ فُقَرَاءُ فعليًا، فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ كُنوزَكُمْ فِي السَّمَاءِ، وَمَلَكُوتَكُمْ فِي السَّمَاءِ، وَمُكَافَآتَكُمْ وَمَوَارِدَكُمْ سَمَاوِيَّةُ في طبيعتها. وَهَكَذَا، سيحدث انقلاب أُخْرَوِيّ عَظِيم، سَيَجْعَلُ الضُّعَفَاءَ أَقْوِيَاءَ – فسَيَجْمَعُ اللهُ الْبَقِيَّةَ، وسَيَجْمَعُ الْمَرْضَى، والْفُقَرَاءَ وَيَرْفَعُهُمْ فِي مَلَكُوتِهِ – وسيضع قوة الْمُستَكَبِّرِينَ. [د. توماس كين]

ذَكَرَ يَعْقُوبُ بعض التَّحَدِّيَاتِ المُحَدَّدَةِ الّتِي تُواجِهُ المُتَوَاضِعِينَ وَالْفُقَراءَ فِي الْكَنِيسَةِ. على سبيل المثال، في 1: 9 أَشَارَ إِلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ أغووا بأن يُحقّروا من ذواتهم، فَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنَ “الْافْتِخَارِ بارتفاعهم” بِصِفَتِهِمْ شَعْبًا مُخْتَارًا مِنَ اللهِ لِأَجْلِ مَجْدِ الْخَلاصِ الْأَبَدِيِّ. وَبِحَسِبِ 3: 9، يُرَى أَنَّ ظُرُوفَهُمْ كَثِيرًا مَا أغوتهم أن يَلْعَنُوا الناس، بَيْنَمَا هُمْ يدعون أنهم يباركون الله ويكرمونه. وَفِي 3: 14، يُحَذِّرُ يَعْقُوبُ مِنْ أَنَّ الْبَعْضَ أغووا بِأَنْ “يكنّوا مَشَاعِرُ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ” تِجاهَ الْآخَرِينَ، وَبِأَنْ يُبتلَعوا مَنَ “التَّحَزُّبِ”. وَنَتِيجَةً لِهَذا، يتناول يَعْقُوبُ فِي 4: 1 تَجْرِبَةِ الدُّخُولِ فِي “الْحُرُوبُ وَالْخُصُومَاتُ” دَاخِلَ الْكَنِيسَةِ. وَفِي 5: 7، يَحُثُّ يَعْقُوبُ الْفُقَرَاءَ عَلَى تَجَنُّبِ عَدَمِ التأني بِدَعْوَتِهِمْ لِانْتِظَارِ مجيء الرَّبِّ بِتَأَنٍّ.

وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرى، واجه الْمُؤْمِنُونَ الْأَثْرِيَاءُ تجارباً أَيْضًا. فَبِحَسَبِ سفر أَعْمَالِ الرُّسُلِ 2 إِلَى 6، كَانَ لَدَى البَعْضِ في الكَنِيسَةِ الْأُولَى في أُوْرْشَليم مَا يَكْفِي مَنْ ثروة لِلْاهْتِمَامِ بِالْفُقَرَاءِ مِنْ إِخْوَتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمْ فِي الْمَسِيحِ. وَوَاضِحٌ أَنَّهُ بِرُغْمِ تَشَتُّتِ الْمُؤْمِنِينَ نَتِيجَةَ الْاضْطِهَادِ، كان لا يزال كثيرون فِي الْكَنِيسَةِ فِي وَضْعٍ مَادّيٍّ جَيِّدٍ.

وَصَفَ يَعْقُوبُ هَؤُلاءِ المُؤْمِنِينَ الْأَثْرِيَاءَ بِطُرُقٍ عِدَّةٍ. فَفِي 1: 10، و2: 6، و5: 1، يُشِيرُ إِلَيْهِمْ يَعْقُوبُ بِبَسَاطَةٍ بِالتَّعْبيرِ “الغَنِيِّ” أَوْ “الْأَغْنِيَاءِ”، وَهِيَ تَرْجَمَةٌ لِلْكَلِمَةِ الْيُونَانِيَّةِ بُلُوسيُوس [πλούσιος]. كَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ مُصْطَلَحًا شَائِعَ الْاِسْتِخْدَامِ فِي الْإشَارَةِ إلَى الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا فِي الْمُجْتَمَعِ. وَبِحَسَبِ 2: 6، كَانَتْ المَكَانَةُ الْاِجْتِمَاعِيِّةُ لهَؤلاءَ بارزة بِمَا يَكْفِي حَتَّى أنَّهُمْ كَثِيرًا مَا كَانُوا يجرّون الْآخَرِينَ إلَى الْمَحَاكِمِ. وَيُخْبِرُنَا 4: 13 أنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ لِلْاِتِّجَارِ وَالربح. وَيُشِيرُ 5: 2-3 إلَى أنَّهُمْ كَانُوا يَفْتَخِرُونَ بِثِيَابِهِمْ وَذَهَبِهِمْ وَفِضَّتِهِمْ. وَفِي 5: 5، يُمْكِنُ وَصْفُ بَعْضِهُمْ عَلَى الْأَقَلِّ بِأنَّهُمْ كَانُوا يَعِيشُونَ فِي حَالَةِ “ترفهٍ وَتَنَعُّمٍ”.

عَرَفَ يَعْقُوبُ أنَّ لِلْغِنَى وَالثَّرَاءُ تَحَدِيَاتِهِمَا. فَبِحَسَبِ 1: 10، كَانَ الْأغْنِيَاءُ يغوون بالْافْتِخَارِ بِأنْفُسِهِمْ بنِسْيَانِ التَّوَاضُعِ الَّذِي تَسَيَّدَ عَلَيْهِمْ كخطاةٍ تائبين. وَيُخْبِرُنَا يَعْقُوبُ فِي 1: 27 أنَّ ثَرْوَتَهُمْ أغوتهم بأن “يَتَدَنَّسُوا مِنَ الْعَالَمِ”. وَيُشِيرُ 2: 7 إلَى أنَّهُمَ أغووا بِأنْ يُجَدِّفُوا بِتَقْدِيمِهِمْ شَهَادَةَ زُورٍ فِي الْمَحْكَمَةِ. وَفِي 2: 16، يَقُولَ يَعْقُوبُ إنَّهُمْ كَانُوا يَمِيلُونَ لَعَدَمِ فعل شَيءٍ لِلْفُقَرَاءِ. وبِحَسَبِ 3: 9، اشترك هؤلاء مع الفقراء فِي لَعْنِ الناس بَيْنَمَا كَانُوا يَتَظَاهَرُونَ بِأنَّهُمْ يباركون اللهَ. وَمِنَ 3: 14، نَعْرِفُ أنَّهُمْ كَانُوا يكنّون فِي قُلُوبِهِمْ أنْوَاعهم الخاصة من “الْغَيْرَةِ الْمُرَّةِ” وَ”التَّحَزُّبِ”. وَبِحَسَبِ 1: 4، تورّطوا فِي الْحُرُوبِ وَالْخُصُومَاتِ. وَفِي 4: 13-16، يُخْبِرُنَا يَعْقُوبُ بأنَّهُمْ أغووا بِأنْ يسلكوا كَمَا لَوْ كَانُوا مُسْتَقِلِّينَ عَنْ اللهِ. وَيَذْكُرُ 5: 3 أنَّهُمْ كَانُوا يكنزون.

يتضح إذن أنَّ الْمُؤمِنِينَ الْأغْنِيَاءَ وَالْفُقَرَاءَ مِنْ قُرَّاءِ رِسَالَةَ يَعْقُوبَ على حدٍ سواء كَانُوا يُوَاجِهُونَ تَحَدِيَّاتٍ عَدِيدَةٍ. وَكَانَتْ كِلْتَا الْمَجْمُوعَتَيْنِ بِحَاجَةٍ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا يَعْقُوبُ فِي رِسَالَتِهِ.

والآنَ، بَعْدَ أَنْ رَأَيْنَا كيف ينبعُ اهتمام يَعْقُوبَ بالحِكْمَةِ التَّأَمُّليُّةِ مِنَ الاحتياج الذي خلّفته التجارب الَّتِي وَاجَهَهَا قُرَّاءُ رِسِالَتِهِ، عَلَيْنَا أَنْ نَنْتَقِلَ إِلَى مَوْضُوعٍ آخَرَ وَهُوَ: كَيْفَ قدَّم يَعْقُوبُ الإِرْشَادَ بِشَأْنِ تِلْكَ التَّجَارِبِ.

الإرشاد

نَسْتَطِيع أَنْ نَفْهَم بِبَسَاطَة أبعاداً كَثِيرَة للاهُوت المَسِيحِي من خِلال خبراتِنا اليَوْمِيَّة كأتباع للمَسِيح. ولكنَّ هناك تعَالِيم مَسِيحِيَّة أخْرَى لَيْسَتْ بِهذَه السُهُولة. فإِنْ أَرَدْنَا أَنْ نرى مَا يكمن وَرَاء ستار خبراتِنا، من أجل إِدْرَاكٍ أَعْمَق لِمَقَاصِدِ اللهِ المستَتِرة، فَإِنَّنَا نَحْتَاج لِلإِرْشَاد. لذلك قَدَّم يَعْقُوب أَفْكَارًا عميقة لِمُسَاعَدَتنَا فِي اكْتِسَاب الْحِكْمَة التَّأَمُّليُّة-أَي الْقُدْرَة عَلَى تَمْيِيز مَقَاصِدِ اللهِ الْكَامِنَة وَرَاء الصِّرَاعَات وَالتَّجَارِب فِي حَيَاتِنا.

اسْتَمِع إِلَى ما يَقُولُهُ يَعْقُوبُ فِي 1: 3-4، وَإلى الكيفية الَّتِي بِهَا يَصِفُ يَعْقُوبُ الْأفْكَارَ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَنِقَها قُرَّاؤُهُ:

عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ. (يعقوب 1: 3-4)

ثَمَّةَ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ لِتَلْخِيصِ الْإرْشَادِ الَّذِي يُقَدِّمُهُ يَعْقُوبُ فِي هَذَا الْمَقْطَعِ، وَلَكِنْ لِأهْدَافِنَا فِي هَذَا الدَّرْسِ، نُرِيدُ أنْ نَلْفِتَ النَّظَرَ إلَى أرْبَعَةِ عَنَاصِرَ. أوَّلًا، قَالَ يَعْقُوبُ إنَّ ظُرُوفَهُمْ الصَّعْبَةَ كَانَتْ اِمْتِحَانًا لإيمَانِهِمْ.

الامتحان

حين وَصَفَ يَعْقُوبُ التَّحَدِّيَاتِ الَّتِي كَانَ قُرَّاؤُهُ يُوَاجِهُونَهَا بِالتَّعْبِيرِ “اِمْتِحَانِ إيمَانِكُمْ”، اِسْتَخْدَمَ الْكَلِمَةَ اليونانيّة دُوكِيمُونْ [δοκίμιον]. تُترجم هذه الكلمة “اِمْتِحَانَ” بمعنى تحديد أوْ إثْبَاتِ أصالة شيء ما. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ، كَانَ يَعْقُوبُ يَقْصِدُ إثْبَاتَ أصَالَةِ وَصِحَّةِ إيمَانِهِمْ.

في الواقع، أوْضَحَ يَعْقُوبُ أنَّ قَصْدَ اللهُ مِنْ وَرَاءِ الْكَثَيرِ مِنْ التَّجَارِبِ الَّتِي كَانَ قُرَّاؤُهُ يقاسونها هُوَ تَحْدِيدُ الْحَالَةِ الْحَقِيقِيَّةِ لِقُلُوبِهِمْ. وَقَدْ أكَّدَ امتحانهم أصالة إيمَانِهِمْ من عدمها. لَمْ يكُنْ هَذِا المنظور عن قَصْدِ اللهِ من التجارب أمراً جَدِيدَاً بالنسبة ليَعْقُوب، بل ظَهَرَ مَرَّاتٍ عَدِيدَةٍ فِي كِلا الْعَهْدَيْنِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ.

فَمَثَلًا، قَالَ مُوسَى فِي سفر التَثْنِيَةِ 8: 2 لِشَعْبِ إسْرَائِيلَ:

وَتَتَذَكَّرُ كُلَّ الطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا سَارَ بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ هذِهِ الأَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْقَفْرِ، لِكَيْ يُذِلَّكَ وَيُجَرِّبَكَ لِيَعْرِفَ مَا فِي قَلْبِكَ: أَتَحْفَظُ وَصَايَاهُ أَمْ لاَ؟ (التَثْنِيَةِ 8: 2)

ويتضح مِنْ بَقِيَّةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ أنَّ اللهَ يَعْرِفُ كُلَّ شَيءٍ، بِمَا فِي ذَلِكَ قُلُوبَ كُلِّ البشر. وَلَكِن يوضح هذا النص ونصوص أخرى شَبِيهَةً الْحَقَّ الْكِتَابِيَّ بِأنَّهُ فِي تَفَاعُلِ اللهِ مَعَ شَعْبِهِ فِي التَّارِيخِ، كَثِيرًا مَا يَسْتَخْدِمُ الصُّعُوبَاتِ لاختبار مَا فِي قُلُوبِنَا أوْ لإظهاره.

وَفِي تَقْدِيمِ يَعْقُوبَ الْإرْشَادَ، لَمْ يُؤكِّدْ فَقَطْ عَلَى أنَّ التَّحَدِّيَّاتِ الَّتِي كَانَ قُرَّاؤُهُ يُوَاجِهُونَهَا كَانَتْ اِمْتِحَانًا لإيمَانِهِمْ، بَلْ أشَارَ أيْضًا إلَى أنَّ تجاربهم كَانَتْ تَهْدِفُ لإنْشَاءِ الصَّبْرِ فيهم.

الصبر

يَكْتُبُ يَعْقُوبُ بِأنَّ الْاِمْتِحَانَ ‎ يُنْشِئُ الصَّبْرَ، مستخدمًاِ الْكَلِمَةِ الْيُونَانِيَّةِ هُوبُومُونِيه [ὑπομονή]. تُشِيرُ الْكَلِمَةُ “صَبْرُ”، هُوبُومُونِيه، إلَى التحمّلِ تَحْتَ ثقلِ الضِّيقِات. وَبِهَذَا نَرَى يَعْقُوبَ يُوَضِّحُ أنَّ التجارب أثبتت صدق الْإيمَانِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلالِ تَمْكِينِ شَعْبِ اللهِ بِأنْ يَحْتَمِلُوا وَيثابروا فِي تَكْرِيسٍ أمينٍ لِلْمَسِيحِ.

بِشَكَلٍ عَامٍّ، يتألّف تَعْلِيمُ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ عن الصَّبْرِ الْمَسِيحِيِّ من شِقَّيْنِ. فَمِنْ نَاحِيَةٍ، الصَّبْرُ هو هِبَةٌ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ. وَثَمَّةُ مَقَاطِعٌ، مِثْلَ رسالة رُومِيَةَ 6: 1-14، تُعَلِّمُ بأنَّ أتْبَاعَ الْمَسِيحُ قَادِرُونَ عَلَى الْاِحْتِمَالِ أوْ الصَّبْرِ وَالْمُثَابَرَةِ فِي إيمَانِهِمْ بِسَبَبِ أن الرُّوحِ الْقُدُسِ، الَّذِي أقَامَ يَسُوعَ إلَى حَياةٍ جَدِيدَةٍ، يُقَوِّينَا لنسلك فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ وَالطَّاعَةِ الْأمِينَةِ. وَهَكَذَا، فَإنَّهُ بِرَغَمِ كَوْنِ الصَّبْرِ يَتَطَلَّبُ جُهْدًا بَشَرِيًّا، لكن عَلَيْنَا أنْ نَتَذَكَّرَ أنَّنَا نَصْبِرُ ونثابر فَقَطْ بِالْعَمَلِ الْمُسْتَمِرِّ لِنِعْمَةِ اللهِ فِينَا.

وَلَكِنْ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، يُوَضِّحُ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ أيْضَاً أنَّ الصَّبْرَ أو المثابرة مطلبٌ ضَرُورِيٌّ لِلْخَلاصِ الْأبَدِيِّ. وَبِكَلِمَاتٍ أُخْرَى، من آمَنُوا بِالْمَسِيحِ لِلْخَلاصِ يَنْبَغِي بِالضَّرُورَةِ أنْ يَثْبُتُوا ويثابروا فِي إيمَانِهِمْ.

اِسْتَمِعْ إلَى كَلِمَاتِ بُولُس فِي رسالة كُولُوسِي 1: 21-23:

قَدْ صَالَحَكُمْ [الله] الآن فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ [أي جسم بشرية المسيح] بِالْمَوْتِ، لِيُحْضِرَكُمْ قِدِّيسِينَ … أَمَامَهُ، إِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى الإِيمَانِ، مُتَأَسِّسِينَ وَرَاسِخِينَ وَغَيْرَ مُنْتَقِلِينَ عَنْ رَجَاءِ الإِنْجِيلِ. (كولوسي 1: 21-23)

يُؤَكِّدُ بُولُسُ هُنَا عَلَى أنَّ المؤمنين في كولوسي قد تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ. ولكن يمكنهم أن يتيقّنوا من صحة الأمر فقط إنْ ثَبَتُوا على إيمَانِهِمْ. لم يكن مُتَطَلَّبُ الثَّبَاتِ هَذَا يَتَعَارَضُ مَعَ رِسَالَةِ الْخَلاصِ بِنِعْمَةِ اللهِ، بَلْ كَانَ هو رجاءَ الْإنْجِيلُ.

فِي الْإرْشَادِ الَّذِي يُقَدِّمُهُ يَعْقُوبُ، لم يناقش فقط موضوع اِمْتِحَانِ الْإيمَانِ الَّذِي يُنْشِئُ صَبْرًا. بَلْ يستكمل حَدِيثَهُ بالكلام عَنْ الكمالِ الَّذِي يَنْتُجُ عَنْ الصبر.

الكمال

تتعلّق رِسَالَةُ يَعْقُوبَ ككل بِمَوْضُوعِ النُّضْجِ أو الكمال الْمَسِيحِيِّ. يَأتِي الْبَعْضُ إلى الرسالة ظانين بأنها تدور حول النَّامُوسِيَّةِ، أَيْ أَنَّها تتعلق برمتها بقوانين وَتَوْصِيَاتٌ بشأن مَا يَنْبَغِي لِي أنْ أعْمَلَهُ. وَلَكِنَّها فِي الْحَقِيقَةِ رسالة تهدف لِمُسَاعَدَةِ المُؤْمِنِ عَلَى النُّمُوِّ كمؤمن، وَخَاصَّةً كمؤمن يحيا في ضجة الظروف الْاِجْتِمَاعِيَّةِ الصَّعْبَةِ الَّتِي نَحْيَا فِيهَا. يُمْكِنُ لَلْكَنِيسَةِ أنْ تَكُونَ مَكَانًا يصعب التواجد فيه، وَيَعْقُوبُ يُدْرِكُ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ. مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ للصمود فِي هَذَا الْعَالِمِ، وفِي الْكَنِيسَةِ، وكي تزدهر فِي هَذَا الْعَالَمِ وفي الْكَنِيسَةِ، هُوَ النُّضُوجُ. تَحْتَاجُ أنْ تَصِيرَ تامًا وكَامِلًا. وَيُخْبِرُنَا يَعْقُوبُ عَنْ كَيْفِيَّةِ تحقيق هذا، وكيفية بلوغ النُّضُوجَ، مستعدين لِمُوَاجَهَةِ كل مَا يُحَاوِلُ الْعَالَمُ وَإبْلِيسُ وَالْجَسَدُ أنْ يلقوا به فِي طَرِيقِنَا. والمدهش فِي تَعْلِيمِ رِسَالَةِ يَعْقُوب هُوَ أنَّهَا تُشِيرُ إلَى أنَّ هَذَا يَبْدَأُ بِالْألَمِ. الْألَمُ هُوَ البوتقة، وهُوَ الإطار، وهُوَ النَّادِي الرِّيَاضِيُّ الَّذِي فِيْهِ يَحْصُلُ النُّضُوجَ الْمَسِيحِيُّ. فيه تُزرَع بذار إيمَانُكَ فينمو ويستعد لِمَا سَيُوَاجِهَهُ. وحين تَحْتَمِلُ الْألَمَ وَالتَّجَارِبَ وَالْمِحَنَ، وتنجو منها، فَإنَّ إيمَانَك سَيَزْدَادُ ويتقوى ويتحضر للتجارب الآتية بالرُّوحِ الْقُدَسِ العامل في الكلمة، بواسطة ِالْمَسِيحِ وناموسه وَحِكْمَتِهِ. [د. توماس كين]

اِسْتَمِع ثَانِيَةً إلَى مَا كَتَبَهُ يَعْقُوبُ فِي 1: 3-4:

عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ. (يعقوب 1: 3-4)

لِأنَّ التَّجَارِبَ وَالصَّبْرَ تُنْشِئُ نُضُوجًا وَكَمَالًا، قال يَعْقُوبُ لِقُرَّائِهَ: “دَعُوا الصَّبْرَ يَعْمَلُ عَمَلَهُ الْكَامِلَ”. فَالصَّبْرُ كان من شأنه أن يَجْعَلَهُمْ تامين وكَامِلِينَ، وغَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ.

وَيَنْبَغِي أنْ نَكُونَ حَذِرِينَ هُنَا. فَيَعْقُوبُ لَمْ يَقْصِدْ الْكَمَالَ أوْ عَدَمَ النَّقْصِ فِي شَيءٍ بِمَعْنَى أنَّهُ يُمْكِنُنَا الْوُصُولَ إلَى الْكَمَالِ الْأخْلاقِيِّ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ. فَنَحْنُ نَعْرِفُ مِنْ مَقَاطِعٍ مِثْلَ رسالة 1 يُوحَنّا 1: 8 الآتي:

إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا. (1 يوحنا 1: 8)

وَلَكِنّ يَعْقُوبُ كَانَ يَقْصِدُ أنْ نَسْتَمِرّ فِي نُمُوِّنَا فِي طَاعَةِ اللهِ، حَتّى حِينَ يَأتِي وَقْتُ الْقَضَاءِ بمجيء الْمَسِيحِ، لَنْ تَكُونَ حَيَاتَنَا ناقصة لِشَيءٍ يجعلنا غَيْر مُؤهَّلِينَ.

بَعْدَ تَقْدِيمِ يَعْقُوب الْإرْشَادَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْاِمْتِحَانِ وَالصَّبْرِ وَالكمالِ، يُشِيرُ فِي نِهَايَةِ هَذِهِ الْعَمَلِيَّةِ إلَى أنَّهُ سَتَكُونُ هُنَاكَ مُكَافَأةٌ عَظِيمَةٌ.

المكافأة

يَذْكُرُ يَعْقُوبُ هَذِهِ الْمُكَافَأةَ فِي 1: 12، حَيْثُ يَقُولُ:

طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ. (يعقوب 1: 12)

كَمَا يُوَضِّحُ يَعْقُوبُ هُنَا، فَإنَّ كَلَّ الَّذِينَ يحتملون التجارب سيتزكون. وَهَؤلاءِ سَيَنَالُونَ إكْلِيلَ الْحَيَاةِ، إكْلِيلَ الْحَيَاةِ الْأبَدِيَّةِ فِي مَلَكُوتِ اللهِ الْمَجِيدِ الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ. فِي جَمْعِ يَعْقُوبُ لِكُلِّ هَذِهِ الأبعاد مَعًا، قَدَّمَ لِقُرَّائِهِ حِكْمَةً تَأمُّلِيَّةً عَمِيقَةً. فَقَدْ قَدَّمْ لَهُمْ الْإرْشَادَ لِفَهْمِ التَّجِارِبِ الَّتِي كَانُوا يُوَاجِهُونَهَا. وَفِي الْوَاقِعِ، كُلُّ تَجْرِبَةٍ هِيَ هِبَةٌ مِنْ اللهِ تَهْدِفُ لِخَيْرِهم الْأبَدِيِّ.

أحَدَ الْأُمُورِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ يَعْقُوبُ عَنْهَا مِنْ بِدَايَةِ الرِّسَالَةِ، وَهُوَ مَوْضُوعٌ يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ الرِّسَالَةِ، هُوَ أهَمِيَّةُ الاِحْتِمَالَ في الْألَمِ. وَهُوَ يَقُولُ إنَّ هَذَا يَقُودُ إلَى النُّضْجِ فِي الْحَيَاةِ الْمَسِيحِيَّةِ. ففِي بِدَايَةِ الْأصْحَاحِ الْأوَّلِ يَقُولُ: “اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ”، ثُمَّ يَتَكَلَّمُ عَنْ السّبَبِ فَيَقُولُ: “عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا”. ثُمّ يُكْمِلُ حَدِيْثَهُ فَيَقُولُ: “وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ”. وَهَكَذَا، قَدْ نَظِنُّ أنَّ الْألَمَ عَلامَةٌ عَلَى أنَّ اللهَ لَيْسَ مَعَنَا، وَلَكِنَّ يَعْقُوبُ يعتبر الْألَمِ عَلامَةً عَلَى أنَّ اللهَ سيَعْمَلُ، ليس فقط بِالرُّغْمِ مِنْ ألَمِنَا، بَلْ مِنْ خِلالِ ألَمِنَا، كي يجعلنا كمَا يُرِيدُ. وفي هَذِهِ الظُّرُوف نَنْضُجُ حقًا. وَبَعْدَ ذَلِكَ، يَقُولُ يعقوب فِي الْعَدَدِ الثَّانِي عَشْرَ مِنْ الْأصْحَاحِ الأوَّلِ: “ذلك الشخص يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ”. وبهذا، يقدم لنا نموذجًا مُخْتَلِفًا لِلتَّفْكِيرِ في الْألَمِ. فهو أمْرٌ لا يَنْبَغِي تجنبه، كذلك لا ينبغي ملاحقته. ولكن فِي ثَقَافَتِنَا السَّائِدَةِ فِي هَذِهِ الْأيّامِ نَرَى النَّجَاحَ فِي تَجَنُّبِ الْألَمِ. وَلَكِنَّ يَعْقُوبَ يَصِفُ الْألَمَ هُنَا بِاعْتِبَارِهِ فُرْصَةً لِلنُّمُوِّ. إنَّهُ بوتقة لِأجْلِ تَحْقِيقِ النُّضْجِ الْمَسِيحِيِّ. [ق. د. ثرمان وليامز]

تناول تركيز يَعْقُوبَ عَلَى الْحِكْمَةُ التأمُّلِيَّةِ اِحْتِيَاجِ قُرَّاءِ رِسَالَتِهِ فِي ظُرُوفِهِمْ الصَّعْبَةِ. كَمَا قَدَّمَ لَهُمْ هَذَا التركيز الْإرْشَادَ الْلازِمَ. وَلِنَنْتَقِلَ الْآن لِلْحَدِيثِ عَنْ ضرورة الإيمان في طَرِيقِ الْحِكْمَةِ التَّأمُّلِيَّةِ.

الإيمان

عندما تُفَكِّر بالأمر، ستكتشف أن النصائح الَّتِي قدّمَها يَعْقُوب لِقُرَّائِه حول تجاربِهم كانت تَعَالِيماً مَسِيحِيَّة عادية. وَلَكِنَنَا نعلم جَمِيْعًا أنَّهُ عندما تَأتِي الضيقات إلَى حَيَاتِنَا، فَإنَّنَا نُسحَق تَحْتَها بِحَيْثُ نَجِد صُعُوبَة فيِ التَّمَسُّك حَتّى بِأبْسَط الْمُعْتَقَدَات الْمَسِيحِيَّة الأساسية. وَوَاضِح أنَّ يَعْقُوب خاف أنْ يَكُون هَذَا هُوَ حَال قُرَّائِهِ. وَلِذَلك، أشَارَ بصورة مباشرة إلَى أنَّ قُبُول النصائح الَّتِي قَدَّمَهَا لَهُمْ لِتَوِّهِ، يتَطَلَّب مِنْهُمْ الالتفات بِإيمَان إلى اللهِ.

نَقْرَأُ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ فِي رِسَالَةِ يَعْقُوب 1: 5:

وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ. (يَعْقُوب 1: 5)

عَلِمَ يَعْقُوبُ أنَّنَا إنْ أرَدْنَا حِكْمَةً لِفَهْمِ مَقَاصِدَ اللهِ مِنْ وَرَاءِ التجارب، الَّتِي عَادَةً مَا تَكُونُ مستترة، فَإنَّ عَلَيْنَا أنْ نَطْلُبَهَا مِنَ اللهِ.

وَلَكِنْ بَعْدَ هذا، نَرَى يعقوب فِي 1: 6-8 يَرْبِطُ بين الصَّلاةَ لطلب الْحِكْمَةِ والْإيمَانِ، حَيْثُ يَقُولُ:

وَلكِنْ لِيَطْلُبْ بِإِيمَانٍ غَيْرَ مُرْتَابٍ الْبَتَّةَ، لأَنَّ الْمُرْتَابَ … فَلاَ يَظُنَّ ذلِكَ الإِنْسَانُ أَنَّهُ يَنَالُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ. رَجُلٌ ذُو رَأْيَيْنِ هُوَ مُتَقَلْقِلٌ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ. (يعقوب 1: 6-8)

فَكَمَا نَرَى هُنَا، ألح يَعْقُوبُ على أنْ تُقَدَّمَ الصَّلَوَاتُ لطلب الْحِكْمَةِ بإيمان. وَإلَّا فَإنَّنَا نَكُونُ أُنَاسًا ذَوِي رَأيَيْنِ.

من المُؤسِفِ أنَّ كَثِيرِينَ مِنَ المؤمنين بحسنِ النية قد أسَاءُوا فَهْمَ تَعْلِيمَ يَعْقُوب بِشَأنِ الطَّلَبِ بِالإيمَانِ وَبِألا يَكُونُوا ذَوِي رَأيَيْنِ. فهم يعتقدون أن يعقوب قد أشار إلى ضرورة الثقة في استجابة طلبات صلاة محددة نرفعها. كَثِيرًا مَا يظن أتْبَاعَ الْمَسِيحِ بأننا ببساطة إنْ كَانَ لَدَيْنَا مَا يَكْفِي مِنَ الْإيمَانِ، فَإنَّ اللهَ سَيَسْتَجِيبُ صَلَوَاتَنَا بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي نَرْغَبُهَا. وَلَكِنْ لم يكن ذلك ما قصده يعقوب. فبِالنِّسْبَةِ له، مَعْنَى الطَّلَبِ بِإيمَانٍ هُوَ “الْأمَانَةُ تجاه اللهِ”. وَنَحْنُ ندرك ذلك لأنَّ يَعْقُوبَ وَصَفَ نقيض الطّلَبِ بِإيمَانٍ بِأَنَّهُ الْاِزْدِوَاجِيَّةُ فِي الرَّأيِ. وَبِالنِّسْبَةِ لِيَعْقُوبٍ، أن تكون ذوي رأيين هو بمثابة تَمَرُّدٌ حقيقي عَلَى اللهِ.

اِسْتَمِعْ إلَى مَا يَقُولُهُ يَعْقُوبُ عَنْ ذوي الرأيين في 4: 8-9:

نَقُّوا أَيْدِيَكُمْ أَيُّهَا الْخُطَاةُ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا ذَوِي الرَّأْيَيْنِ. اكْتَئِبُوا وَنُوحُوا وَابْكُوا. لِيَتَحَوَّلْ ضَحِكُكُمْ إِلَى نَوْحٍ، وَفَرَحُكُمْ إِلَى غَمٍّ. (يعقوب 4: 8-9)

لاحِظْ هُنَا أنَّ ذَوِي الرَّأيَيْنِ لَيْسُوا فَقَطْ هم من يخفقون في امتلاك الثقة حين يصلون، لكنهم خُطَاةٌ ينبغي أنْ يطهروا قُلُوبَهُمْ. إنَّ عَدَمَ أمانتهم أمْرٌ خَطِيرٌ جِدًا، حَتّى أنَّ النَّوْحَ وَالاكتئاب هما ما يليق بهما.

وهَكَذَا، وضِمْنَ سِيَاقِ الرِّسَالَةِ، نَرَى أنَّ يَعْقُوبَ لا يَقْصِدُ شَخْصًا كَانْتْ تَعْوِزَهُ الثِّقَةُ في استجابة الله لصَلاتَهُ، بَلْ قصد الْإنْكَارِ التَّامِّ لِصَلاحِ اللهِ. فَوَاضِحٌ أنَّ بَعَضَ قُرَّاءُ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ كَانُوا يَلُومُونَ اللهَ عَلَى إخفاقاتهم. وَكَانَ مَنْطِقُهُمْ هُوَ أنَّ اللهَ قد أرْسَلَ التجارب التي تعرضوا لها، وَلِذَا فَلا بُدَّ أنَّ اللهَ شِرِّيرٌ لِأنَّهُ كَانَ يجربهم لِلْوُقُوعِ فِي الْخَطِيَّةِ. كان هَذَا النَّوْعُ مِنَ التَّمَرُّدِ الْفَاضِحِ وَالشَّنِيعِ عَلَى اللهِ هو مَا أشَارَ إلَيْهِ يَعْقُوبُ بِكَوْنِ الْإنْسَانَ “ذَي رَأيَيْنِ”.

اِسْتَمِعْ إلَى مَا يَقُولَهُ يَعْقُوبُ فِي 1: 13-14، حَيْثُ يتناول سوء الْفَهْمِ الخَطِيرِ هذا:

لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا. وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. (يعقوب 1: 13-14)

من الجدير بالأهمية أنْ نُلاحِظَ أنَّ الْكَلِمَةَ الْيُونَانِيَّةُ الْمُتَرْجَمَةُ “جُرِّبَ” هِيَ الفعل بِيرَازُو [πειράζω]، وَهِيَ الكَلِمَةٌ المترجمة “تَجَارِبَ” فِي الأصحاح 1 و2. وَلَكِنَّ يَعْقُوبَ أصَّرَّ عَلَى أنَّ اللهَ … نفسه لا يُجَرِّبُ أحَدًا. تعكس هذه التَّرْجَمَةُ على نحو صحيح الاستخدام الكثيف للضمير الْيُونَانِيِّ أَوْتُوس [αὐτός]، أيْ نَفْسَهُ. فالنص لا يقول ببساطة إن الله “لا يُجَرِّبُ” أو يمتحن “أحَدًا”، لكنه يقول حرفيّاً إن “الله نفسه لا يُجَرِّبُ أحَدًا”.

فَكَمَا نتعلّم مِنَ الأصحاحات الخمسة الأولى مِنْ سِفْرِ أيُّوبَ، اللهُ مُمْسِكٌ بِزِمَامِ كُلِّ الْمِحَنِ وَالْاِمْتِحَانَاتِ والإغواءات. وَلَكِنْ فِي دْرَامَا البلاط السَّمَاوِي، يتضح أنَّ قَصْدَ اللهُ مِنْ وَرَاءِ محنة أَيُّوبَ هُوَ خَيْرُ أَيُّوبَ، لا ضَرَرَهُ. فالشَّيْطَانُ، وليس اللهُ، هُوَ مَنْ اِسْتَخْدَمَ محنة أيُّوب كي يغويه أن يخطئ.

وَهَكَذَا، فَإنَّ الصَّلاةَ بِالْإيمَانِ طَلَبًا لِلْحِكْمَةِ، وعدم كون الْإنْسَانُ ذي رأيين، يعني التَأكِيد عَلَى أحَدِ التَّعَالِيمِ الْكِتَابِيَّةِ الأساسية: صَلاحِ اللهِ. عَلَيْنَا ألَّا نَشُّكُ في صَلاحِ اللهِ بَيْنَمَا نَطْلُبُ مِنْهُ الْحِكْمَةَ فِي الظُّرُوفِ الصَّعْبَةِ. وَإلَّا لن يَكُونُ لَدَيْنَا ما يدعونا أن نؤمن بِأنَّ اللهَ سَيُعْطِينَا الحكمة.

يُعَبِّرُ يَعْقُوبُ عَنْ هَذَا فِي 1: 17:

كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ. (يعقوب 1: 17)

اللهُ هُوَ “أبُو الْأنْوَارِ”. إنَّهُ لا يُعْطِي سِوَى العطايا “الصَّالِحَةِ” وَالمواهب “التَّامَّةِ”. وَهَكَذَا، فَإنَّ قَصْدَهُ من وراء تجاربنا دائماً صَالِحٌ وتام. يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ مَوْقِفَنا الإيماني الراسخ بَيْنَمَا نتبع طَرِيقِ الْحِكْمَةِ التَّأمُّلِيَّةِ.

فِي دِرَاسَتِنَا لِطَرِيْقَي الْحِكْمَةِ الموجودين في رِسَالَةُ يَعْقُوبُ، تناولنا تَرْكِيزِ يَعْقُوبَ عَلَى الْحِكْمَةِ التَّأمُّلِيَّةِ. وَهَكَذَا نَسْتَطِيعُ الْآنَ أنْ نَنْتَقِلَ إلَى مَوْضُوعِنَا الرَّئِيسِيِّ الثَّانِي: الْحِكْمَةِ الْعَمَلِيَّةِ. مَاذَا تقول هذه الرسالة الموجودة في الْعَهْدِ الَجَدِيدِ عَنْ وَضْعِ الْحِكْمَةِ في حيز الْمُمَارَسَةِ العملية؟

  • دليل الدراسة
  • الكلمات المفتاحية

1. نشجعك على أن تنسخ وتلصق أدلة الدراسة في ملف Wordجديد.
2. قم بمشاهدة الفيديو مع تدوين ملاحظاتك أسفل كل عنوانٍ من عناوين أدلة الدراسة.

القسم الأول: الحكمة التأملية

الخطوط العريضة لتدوين الملاحظات

المقدمة

1.الحكمة التأملية
أ. الاحتياج
1. تحدي التجارب
2. التجارب المتنوعة
ب. الإرشاد
1. الامتحان
2. الصبر
3. الكمال
4. المكافأة
ج. الإيمان

أسئلة المراجعة

1. لماذا تعد “الحكمة التأملية” هامة لفهمٍ سليم لعالمنا؟
2. كيف يمكن لهذه الحكمة التأملية أن تُشجع وتقوّم الأغنياء في زمن يعقوب؟
3. ما هي الطرق المختلفة التي يمكن بها ترجمة الكلمة اليونانية “بيراسموس”؟ كيف يمكن لهذه الترجمات المختلفة أن تساعدنا في فهم الظروف التي كانت تواجه القراء الأصليين لرسالة يعقوب؟
4. أكتب قائمة بالتجارب المختلفة التي ذكرها يعقوب في رسالته.
5. ما هما وجهي تعاليم العهد الجديد عن المثابرة؟ ولماذا من الهام أن نفههما معًا؟
6. لماذا من الهام فهم سياق الكلام حول نقاش يعقوب لقضية الشخص ذو الرأيين؟
7. كيف تساعدنا معرفتنا بظروف أيوب على فهم تعاليم يعقوب عن الحكمة التأملية؟
8. يشير نص يعقوب 1: 17 أن كل عطية صالحة وموهبة تامة نازلة من عند الله، اشرح أهمية هذه الحقيقة لحالتك وخدمتك.

أسئلة التطبيق

1. هل مررت بوقتٍ كان بمثابة امتحانٍ في حياتك؟ كيف شكّلك هذا الوقت؟
2. كيف كان من الممكن للحكمة التأملية أن تساعدك في ذلك الوقت؟
3. كيف تجاوب شخص يلوم الله على الظروف الصعبة التي في حياته؟

AJAX progress indicator
Search: (clear)
Nothing found. Please change the filters.
الاختبارات
رسالة يعقوب – الدرس الثاني – الامتحان الأول
Previous القسم
Back to الدرس
Next القسم

انجازك في الدورة

0% Complete
0/17 Steps

محتوى الدورة الدراسية

الدورة Home عرض الكل
ابدأ هنا- مخطط الدورة الدراسية
الدرس الأول: مقدمة إلى رسالة يعقوب
5 الأقسام | 4 الاختبارات
التحضير للدرس الأول
رسالة يعقوب – الدرس الأول – القسم الأول
رسالة يعقوب – الدرس الأول – القسم الثاني
الأسئلة التعبيرية
الأسئلة المقالية
الدرس الثاني: طريقان للحكمة
5 الأقسام | 5 الاختبارات
التحضير للدرس الثاني
رسالة يعقوب – الدرس الثاني – القسم الأول
رسالة يعقوب – الدرس الثاني – القسم الثاني
الأسئلة التعبيرية
الأسئلة المقالية
الدرس الثالث: القراءات المطلوبة
3 الأقسام | 4 الاختبارات
متطلبات القراءة 1
متطلبات القراءة 2
متطلبات القراءة 3
العودة إلى رسالة يعقوب

Copyright © 2021 · Education Pro 100fold on Genesis Framework · WordPress · Log in