مساقات عبر الإنترنت Online Courses

  • التسجيل
  • تسجيل الدخول
الرئيسية / الدورات الدراسية / رسالة يعقوب / الدرس الأول: مقدمة إلى رسالة يعقوب

رسالة يعقوب – الدرس الأول – القسم الأول

الدورات الدراسية رسالة يعقوب الدرس الأول: مقدمة إلى رسالة يعقوب رسالة يعقوب – الدرس الأول – القسم الأول
الدرس Progress
0% Complete
 
  • الفيديو
  • الملف الصوتي
  • النص

المقدمة
الخلفية
هوية الكاتب

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM01_01.mp4

الرأي التقليدي

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM01_02.mp4
موضوعات ذات صلة
How significant is it that James introduces himself in his letter as "a servant of God and of the Lord Jesus Christ," rather than as Jesus' brother?

التاريخ الشخصي
القرّاء الأصليين

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM01_03.mp4
موضوعات ذات صلة
Why is it important to know something about the Jewish background of James' audience when interpreting this letter?

المناسبة
الموقع
التاريخ

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM01_04.mp4

الغرض

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aJAM01_05.mp4
  • المقدمة
    الخلفية
    هوية الكاتب
  • الرأي التقليدي
  • التاريخ الشخصي
    القرّاء الأصليين
  • المناسبة
    الموقع
    التاريخ
  • الغرض

المقدمة
الخلفية
هوية الكاتب

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM01_01.mp3

الرأي التقليدي

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM01_02.mp3
Related Audio How significant is it that James introduces himself in his letter as "a servant of God and of the Lord Jesus Christ," rather than as Jesus' brother?

التاريخ الشخصي
القرّاء الأصليين

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM01_03.mp3
Related Audio Why is it important to know something about the Jewish background of James' audience when interpreting this letter?

المناسبة
الموقع
التاريخ

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM01_04.mp3

الغرض

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aJAM01_05.mp3
  • المقدمة
    الخلفية
    هوية الكاتب
  • الرأي التقليدي
  • التاريخ الشخصي
    القرّاء الأصليين
  • المناسبة
    الموقع
    التاريخ
  • الغرض

المقدمة

تَخَيَّلْ أَنَّك نَشأْت مَعْ أَخٍ أَو صَدِيق مُقرَّب إِلَيك. كُنْتُم تَلْعَبون مَعًا، وَتَتَعَلَّمون مَعًا، وكَبرتُم مَعًا. وكان هَذا الشَّخْص قَرِيبًا مِنْك مُعْظَم حَيَاتِك. ثُمَّ فِي يَوْم مَا، ادّعَى صَدِيقُك أَوْ أَخُوك أَنَّهُ “مُخْتارُ” الله. بِالنِّسْبَة ليَعْقُوب، أَخْو يَسُوع، لَمْ يَكُنْ هَذا مجرد سيناريو خيالي. فَفِي سنين حَيَاتِه الأُولَى كَانَ يَشُك في كون يَسُوع هُوَ المُخلِّص. ولكنْ فِي وَقْت لاحِق مِنْ حَيَاتِه، لَمْ يُصْبِحْ مجرد تَابِع لِيَسُوع، بَلْ صَارَ أيضًا قَائِد كَنِيسَة أُورُشَلِيم، وَكَتَبَ سِفْرًا فِي العَهْد الجَدِيد يَحْمِل اسْمَهُ.

هَذا هُوَ الدَّرْسُ الأَوَّلُ فِي سِلْسَلَتِنا عن رِسَالَةُ يَعْقُوبَ، وَقَدْ أَعْطَينَاهُ العُنوَانَ “مُقدِّمَةٌ إِلَى رِسَالَةِ يَعْقُوبَ”. سَنَتَطَرَّقُ فِي هَذا الدَّرْسِ إِلَى عَدَدٍ مَنَ القَضَايَا التمهيديّة التي من شَأْنِها أَنْ تُمَكِّنَنَا مِنَ الوصول إلى تَفْسِيرٍ أَمِينٍ لِهَذا الجُزْءِ مِنَ العَهْدِ الجَدِيدِ.

سنُغَطّي مَوْضُوعَ “مُقدِّمَةٌ إِلَى رِسَالَةِ يَعْقُوبَ” مِنْ نَاحِيَتَينِ. سنَبحَثُ أَوَّلًا في خَلْفيّةَ الرسالة، وَثَانِيًا سَنَدرِسُ بنيَةَ وَمحتَوَى الرِّسَالةِ. وَلْنَبْدَأْ بخَلفيّةِ رسالة يَعْقُوبَ.

الخلفية

فِي دِرَاسَةِ أَيّ سِفْرٍ كِتَابيٍّ، يَنبغي أَنْ نَفهم السّياقُ الَّذي أَحَاطَ بِكِتَابَةِ السِّفْرِ بقدرِ الإمكان. فَقَدْ كُتِبَتْ أَسْفارُ الكِتَابِ المُقدَّسِ المُخْتَلِفَةِ فِي ظروفٍ تَارِيخِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ من قبلِ أُنَاسٍ لَدَيْهِمْ دَوَافِعُ وَاهْتِمَامَاتٌ مُحَدَّدَةٌ. وَلِذَا، فِإنَّ دِرَاسةَ هَذهِ القَضَايَا المُتَعَلِّقَةَ بِالخَلْفِيَّةِ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُسَاعِدَنَا فِي فَهْمِ الأَسْفَارِ أَنْفُسِهَا. حِينَ نَنْظُرُ إِلَى الظروفِ وَالدَّوَافِعِ المُرْتَبِطَةِ برسالةِ يَعْقُوبَ، فَإِنَّنَا نَكُونُ أَكْثَرَ تأهّبًا وَاسْتِعْدَادًا لِفَهْمِ مَا عَنَتْهُ الرِّسَالَةُ حِينَ كُتِبتْ أولًا. وبالتالي نستطيع تَطْبيقِ كَلِمَاتِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ بِفَاعِلِيَّةٍ أَكْبرَ عَلى حيَاتِنا اليَومِ.

لِفَهْمِ خَلْفِيّةِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ، سَنَبْحَثُ أَوَّلًا في مَوْضُوعِ هَوِيَّةِ كاتبٍ الرسالةِ. ثُمَّ سَنَنْظُرُ إِلَى القُرّاءِ الأَصْليِّينَ للرِسَالَةِ. وَأَخِيرًا، سَنَبْحَثُ فِي مناسبةِ كتابةِ رِسالَةُ يَعْقُوبَ. وَلْنَبْدأْ بِمَوْضُوعِ هَوِيَّةِ كاتبِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ.

هوية الكاتب

 مَعْ أنَّنَا نَعْرِف أنَّ الرُّوح الْقُدُس هُوَ مَنْ أوْحَى بالْكِتَاب الْمُقَدَّس، لكن تُشِير أيضًا أسْفَار عَدِيدَة فِي الْكِتَاب الْمُقَدَّس، مِثْل رِسَالَة يَعْقُوب، إلَى كُتّابِها من البشر. وَكُلَّمَا ازْدَادَتْ مَعْرِفَتنَا بِكُتَّاب أسْفَار الْكِتَاب الْمُقَدَّس، صِرْنَا أكْثَر قُدْرَة وَاسْتِعْدَادًا لِفَهْم وَتَفْسِير مَا كَتَبُوه. ولذلك، يَنْبَغِي أنْ نَدْرُس وَنَعْرِف كُل مَا نَسْتَطِيِع مَعْرِفَتَه عَنْ هُويّة كَاتِب رِسَالَة يَعْقُوب.

في بحثِنا حولَ هَوِيَّةِ كَاتِبِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ سنتناول مَوْضُوعَيْنِ: أوَّلًا، سَنَتَعَرَّفُ عَلَى الرَّأيِ التَّقْلِيدِّيِّ بأن يَعْقُوبَ، الأخ الأصغر ليسوع، هُوَ مَنْ كَتَبَ الرِّسَالَةَ. وَثَانِيًا، سنتعرّف على التَّارِيخَ الشَّخْصِيَّ لِلْكَاتِبِ. وَلِنَبْدَأ بِالنَّظَرِ إلَى الرَّأيِ التَّقْلِيدِيِّ بِشَأنِ هَذِهِ الْأُمُورِ.

الرأي التقليدي

تَبْدَأُ الرِسَالَةُ، فِي رسالة يَعْقُوبَ 1: 1، بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ الْبَسِيطَةِ:

 يَعْقُوبُ، عَبْدُ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، يُهْدِي السَّلاَمَ إِلَى الاثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا الَّذِينَ فِي الشَّتَاتِ. (يعقوب 1: 1)

كَمَا نَرَى هُنَا، فَإنَّ هَذِهِ الرِّسَالَةَ تُشِيرُ بوضوح إلَى رجلٍ اسمه “يَعْقُوب” بصفتهِ الكاتب. وَلَكِنَّ هَذِهِ التَّحِيَّةَ لَا تحسم بِشَكْلٍ دَقِيقٍ هُويّة هَذَا الرَّجُلُ. يَذُكُرُ الْعَهْدُ الْجَدِيدِ خَمْسَةَ رِجَالٍ يَحْمِلُونَ الْاِسْمَ يَعْقُوبَ، بِمَنْ فِيهِمْ اثْنَانِ مِنْ تَلامِيذِ يَسُوعَ الْاِثْنَيْ عَشَرَ. وَلَكِنَّ اثْنَيْنِ فَقَطْ مِنْ هَؤلَاءِ الْخَمْسَةِ رجال كَانَ من شأنِهِما أن يَمتلِكَا سُلْطَةٌ كَافِيَةٌ فِي الْكَنِيسَةِ الْأولَى لِكِتَابَةِ رِسَالَةٍ كَهَذِهِ.

أَوَّلُ هَذَيْنِ الرجلين هُوَ “يَعْقُوبُ ابْنُ زَبَدِي” وَأخُو يُوحَنَّا. وَلَكِنْ بِحَسَبِ سِفْرِ أَعْمَالِ الرُّسُل 12: 2، اِسْتُشْهِدَ يَعْقُوبُ هَذَا في عهدِ هِيرُودِسَ أَغْرِيبَاسَ الْأوَّلِ حَوالِي الْعَامِ 44 مِيلَادِيَّةَ. وَكَمَا سَنَرَى لاحِقًا، فَإنَ ثَمَّةَ أسْبَابًا وَجِيهَةً لِلْاعْتِقَادِ بِأنَّ رِسَالَةَ يَعْقُوبُ كُتِبَتْ بَعْدَ مَوْتِ هِيرُودِسَ هَذَا. وَلِذَا، فَإنَّه من المستبعد جداً أنْ يَكُونَ يَعْقُوبُ بْنُ زَبَدِي هُوَ الْكَاتِبُ. أمَّا يَعْقُوب الثَّانِي فَهْوَ أخُوْ يَسُوعَ الأصغر. كما أنه كَانَ قَائَدُ الْكَنَيسَةَ الْأولَى فِي أُورْشَلِيم. كَانَ يَعْقُوبُ هَذَا الْأَبْرَزَ بَيْنَ الْاِثْنَيْنِ، وَالرَّجُلُ الَّذِي نَسَبَ إلَيْهِ الْلاهُوتِيُّونَ عَبْرَ الْقُرُونِ كِتَابَةَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ.

ثَمَّةَ قدرٌ كبيرٌ من التأييد لِلرَّأيِ التَّقْلِيدِيِّ الْقَائِلِ إنَّ يَعْقُوبَ أخَا يَسُوعَ هُوَ مَنْ كَتَبَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ. لَكِنْ هُنَاكَ أيضًا بضعة اِعْتِرَاضَاتِ. وَلَكِنْ لِنَبْدَأ بِالنَّظَرِ إلَى التأييد لهَذَا الرَّأيَ.

 التأييد. في المقام الأول، لم يقدم الْكَاتِبُ فِي 1: 1 أي ألقاب أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُ “عَبْدُ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.”. فَقَدْ افْتَرَضَ بِبَسَاطَةٍ أنَّ اسْمَهُ وَحْدَهُ كَافٍ لِيُعَرِّفَ عَنْهُ، وَأنه يَحْمِلُ مَا يَكْفِيَ مِنْ السُّلْطَةِ. وَبِنَاءً عَلَى هَذِهِ السُّلْطَةِ تَحْتَوِي رِسَالَتَهُ عَلَى وَصِيَّةٍ قَوِيَّةٍ بعد الأخرى. وَبِهَذَا، فَإنَّ هذه التحية الافْتِتَاحِيَّةَ تُقدِّمُ دَلِيلًا قَوِيًّا عَلَى كَوْنِ يَعْقُوبَ أخِي يسوع هُوَ الْكَاتِبُ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ مَا تَمَتَّعَ بِهِ مِنْ مَكَانَةٍ فِي الْكَنِيسَةِ الْأولَى فِي أُورْشَلِيمِ.

 في العصرِ الرسولي للكنيسةِ، كَانَ مَوْضُوعُ هَوِيَّةَ الْكَاتِبِ بَالِغَ الْأَهَمَّيَّةِ. فَمَنْ لَدَيْهِ سُلْطَةٌ كي يُعَلِّمَ وَيَقُودَ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ الْجَدِيدَةِ مِنْ أَتْبَاعِ يَسوعَ الْمَسِيحِ؟ كَانَتْ هُنَاكَ كِتَابَاتٌ عَدِيدَةٌ مُتَدَاوَلَةٌ آنذاك، وادّعاءاتٌ عديدةٌ بالسلطة، وَأحَدُ الْمَعَايِيرِ الهامة الَّتِي نشأت فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ هُوَ أنْ يَكُونَ الْكَاتِبُ شَاهِدَ عَيَانٍ عَلَى خِدْمَةِ يَسوعَ الْمَسِيحِ. فمن كَانُوا شُهُودَ عَيَانٍ على خدمة الرب، إذْ قَضُوا وَقْتًا مَعَه، كَانَوا يُعتبرون مستحقين أن تكونَ لهم سلطةُ التعليم فِي الْكَنِيسَةِ الْأولَى. وَطَبْعًا كَانَ يَعْقُوبُ أخُو يَسوعَ شَاهِدَ عَيَانٍ عَلَى خِدْمَته، وَالْأَكْثَرَ مِنْ هَذَا أنَّهُ كَانَ شَاهِدَ عَيَانٍ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى كُلِّ حَيَاةِ يَسوعَ، وَقَدْ كَانَ لِذَلِكَ دَوْرٌ كبيرٌ فِي الأهميّة الخاصة التي أُوليت لِتَعْلِيمِ يَعْقُوبَ، ورسالته فِي الْكَنِيسَةِ الْأُولَى. [ق. د. مايكل واكر]

في المقامِ الثاني، تؤيّدُ شَهَادَةُ الْكَنِيسَةِ الْأُولَى هَذَا الرَّأيَ بِشَأَنِ هَوِيَّةَ كَاتِبِ هَذِهِ الرِّسَالَة. فَكلا من رِسَالَةُ اكْلِيمِنْدُس الْأُولَى، الَّتِي كُتِبَتْ حوالي الْعَامِ 96 مِيلادِيَّةَ، وَكِتَابُ الرَّاعِي لِهِرْمَاسَ، الَّذِي كُتِبَ حَوَالِي الْعَامِ 140 مِيلادِيَّة، إما يُشِيرَانِ إلَى رِسَالَةِ يَعْقُوبَ أوْ يَقْتَبِسَانِ مِنْهَا. كما اقتبس أيضًا أُورِيجَانُوسْ، الَّذِي مَاتَ عَامَ 254 مِيلادِيَّةَ، مِنْ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ مَرَّاتٍ عَدِيدَةٍ فِي كِتَابِهِ “تَفْسِيرَ الرِّسَالَةِ إلَى أَهْلِ رُومِيَةَ”. وَقَدْ كَانَ لِاسْتِخْدَامِ أُورِيجَانُوسْ لرسالةِ يعقوب أَهَمِّيَّةٌ خَاصَّةٌ لِأَنَّهُ فِي “الْكِتَابِ الرَّابِعِ، وَالْفَصْلِ الثَّامِنِ” مِنْ تَفْسِيرِهِ أشَارَ إلَى كَاتِبَ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ باعتباره أخُو الرَّبِ. كَمَا نعلمُ أَنَّ الْكَنِيسَةَ الشَّرْقِيَّةَ، وَلاحِقًا الْكَنِيسَةَ الْغَرْبِيَّةَ، قَبِلَتَا هَذِهِ الرِّسَالَةَ بِاعْتِبَارِهَا صَادِرَةً عَنْ أَخِي يَسُوعَ.

وَبِالرَّغْمِ مِنْ هذا التأييد الكبير لِلرَّأيِ التَّقْلِيدِيِّ بأنَّ يَعْقُوبَ أخَا يَسُوعَ هُوَ كَاتِبُ الرِّسَالَةَ، كانت هُنَاكَ بَعْضَ الْاِعْتِراضَاتِ.

 الاعتراضات. اقْتَرَحَ المُفَسِّرُون النقديون بَدِيلَيْنِ على الأقل لِهَوِيَّةِ الْكَاتِبِ. فَبَحَثَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ عَنْ شَخْصٍ غَيْرَ مَعْرُوفٍ فِي الْكَنِيسَةِ الْأُولَى يَحْمِلُ الْاِسْمَ يَعْقُوبَ. فَيَقُولُونَ إنَّ ذَلِكَ الشَّخْصُ الَّذِي كَتَبَ الرِّسَالَةَ كَانَ يُدْعَى يَعْقُوبَ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ ابْنَ زَبَدِي وَلا أخَا يَسُوعَ. وَقَدْ ظل مَجْهُولًا لِأنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي أيٍّ مِنْ الْكِتَابَاتِ الْأُخْرَى للْكَنِيسَةِ النَّاشِئَةِ فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ. وَلَكِنَّ هَذِهِ النَّظَرِيَّةِ مستبعَدة. إذْ كَمَا سَبَقَ فَأشَرْنَا، إنَّ بَسَاطَةَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي بِهَا يُقَدِّمُ الْكَاتِبَ نَفْسَهُ فِي بِدَايَةِ الرِّسَالَةِ تُشِيرُ إلَى أَنَّهُ كَانَ مَعْرُوفًا جِدًا. وَلِذَا مِنَ الْمَشْكُوكِ بِهِ جِدًّا ألا يَكُونَ هُنَاكَ شَيءٌ آخر كُتِبَ عَنْهُ.

وَثَمَّةَ نَظَرِيَّةٍ ثَانِيَةٍ يُقَدِّمُهَا المفسرون النقديون وَهُوَ كَوْنُ الرِّسَالَةَ مَنْحُولَة. يُقْصَدُ بِـالنَّحْلِ ممارسة اسناد وَثَائِقَ مَكْتُوبَةٍ إِلَى شَخْصٍ غَيْرُ كَاتِبِهَا الْحَقِيقِيِّ. انْتَشَرَتْ هَذِهِ الْمُمَارَسَةَ وَسَطَ الْيَهُودِ فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ لِأَسْبَابٍ عَدِيدَةٍ. وَأحَدُ أبرز أَسْبَابِ مُمَارَسَةَ النَّحْلِ هُوَ أنْ إضفاء ثقل أوْ سُلْطَةٌ لِسفْرٍ مُعيَّنٍ أوْ رِسَالَةٍ مُعَيَّنَةٍ. وَفِي حَالَةِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ، يَقُولُ المفسرون النقديون إنَّ شَخْصًا مَا غَيْرَ يَعْقُوبَ استغلّ اسْمَهُ لِتَحْظَى رِسَالَتَهُ بِقُبُولٍ أَوْسَعَ فِي الْكَنِيسَةِ. وَلَكِنْ، بِحَسَبِ نصوص نظير رسالة 2 تَسَالُونِيكِي 2: 2، فقد كَانَ يُزدرى بهَذِهِ الْمُمَارَسَةَ فِي الْقَرْنِ الْمِيلادِيِّ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِهَا خِدَاعًا وَغِشًّا. وَلَكِنْ بِرَغْمِ هَذَا لا يزال عُلَمَاءُ النقد يقدمون ثَلاثَ حُجَجٍ على الأقل لصالح هَذَا الْاِعْتِراضِ:

أوَّلًا، يَقُولُونَ إنَّهُ لم يرد ذِكْر لِعَلاقَةِ الْكَاتِبِ بِيَسُوعَ. وَيَقُولُونَ إنَّهُ من غير الوارد أنْ يَكْتُبَ أخُو يَسُوعَ إلَى الْكَنَائِسِ دُونَ أنْ يعلن عن هذه العَلاقة الْعَائِلِيَّةِ حِينَ عرّف نفسه فِي بِدَايَةِ الرِّسَالَةِ. وَلَكِنَّ يَهُوذَا، كَاتَبَ رِسَالَةَ يَهُوذَا، كَانَ أيْضًا أخَا يَسُوعَ، وَلَمْ يَذْكُرْ البتة رَابِطَةَ الدَّمِ الَّتِي لّهُ بِيَسُوعَ فِي رِسَالَتِهِ. وَلِذَا، فَإنَّ أَفْضَلَ مَا يُمْكِنُ قَوْلَهُ هُوَ أنَّ حُجة “النَّحْلِ” هذه ضَعِيفَةٌ.

ثانياً، يَفْتَرِضُ بَعْضُ عُلَمَاءَ النقد النَّحْلَ لِأنَّ الرسالة تُشِيرُ إلَى أنَّ الْكَاتِبَ كَانَ عَلَى دراية بالثَّقَافَةِ الْهِيلِينِيَّةِ، أو الْيُونَانِيَّةِ، فِي حِينِ كَانَ يَعْقُوبُ يَهُودِيًّا مِنْ فِلَسْطِينَ. صَحِيحٌ أنَّ كَاتِبَ رِسَالَةَ يَعْقُوبَ كَانَت لَدَيْهِ بَعْضَ الدراية بِالثَّقَافَةِ الْيُونَانِيَّةِ. فَمَثَلًا، فِي 3: 6 مِنْ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ، يَسْتَخْدِمُ الْكَاتِبُ عِبَارَةَ “دَائِرَةَ الْكَوْنِ”، أيْ كامِلَ مَسَارِ الْحَيَاةِ. وَقَدْ كَانَت هذه العبارة شائعة الْاِسْتِخْدَامِ فِي الْفَلْسَفَةِ وَالدِّيَانَةِ اليونانيّة. وَلَكِنْ فِي زَمَنِ كِتَابَةِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ كَانَ كَثِيرُونَ مِنْ الْيَهُودِ الْمُتَعَلِّمِينَ فِي فِلَسْطِينِ لَدَيْهِمْ مَعْرِفَةٌ تتجاوز كونها سَطْحِيَّةً فِي الْفَلْسَفَةِ وَالدِّيَانَةِ الهيلينيّة.

وَبِالْإضَافَةِ إلَى هَذَا، فِي حِينَ أنَّ اللُغَةَ الْيُونَانِيَّةِ لرِسَالَةِ يَعْقُوبَ أكثر تعقيدًا مِمَّا نَجِدَهُ فِي بَعْضِ الْأَجْزَاءِ الْأُخْرَى فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، لكنها لَيْسَتْ الْأَكْثَرَ تَعْقِيدًا فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. وَفِي الْحَقِيقَةِ، هَذِهِ الرِّسَالَةَ كَثِيرَةُ الشَّبَهِ فِي أُسْلُوبِهَا بكتب مثل “شَهَادَاتُ الْآبَاءِ الْاِثْنَيْ عَشَرْ” وَكِتَابَاتٍ يَهُودِيَّةٍ هِيلِينِيَّةٍ أُخْرَى تَعُودُ إلَى تِلْكَ الْفَتْرَةِ.

وَتَتَعَلَّقُ الْحُجَّةَ الثَّالِثَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِكَوْنِ الرِّسَالَةَ مَنْحُولَةً بِالتناقضات بينها وبين آراء يعقوب اللاهوتيّة التي نجدها فِي سفرِ أعمال الرسل وَرِسَالَةِ غَلاطِيَّةَ. يشير هَذَا الرَّأيُ إلى أنَّ بَعْضَ الْأَفْكَارِ الواردة في رِسَالَةِ يَعْقُوبَ لا تطابق الآراء الْلاهُوتِيَّةِ الْمَنْسُوبَةِ لِيَعْقُوبٍ فِي هَذَيْنِ السفرين فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. فَمَثَلاً، يُشِيرُ المُفَسِّرُون النقديون إلَى مَقَاطِعَ مِثْلَ سفر أعْمَالِ الرُّسُل، 21: 17-25، وَرسالة غَلاطِيَّة 2: 12. فَيَقُولُونَ إنَّه في هَذِهِ الآيات يبدو أن يَعْقُوبَ هو المتحدث الرَّسْمِيُّ عَنْ مَوْقِفٍ يهودي مَسِيحِيِّ مُحَافِظِ فِيمَا يَخْتَصُّ بالناموس. وَلَكِنْ فِي رِسَالَةِ يَعْقُوبَ 1: 25، وَفِي 2: 12، يَبْدُو أنَّ الْكَاتِبُ يَتَّخِذُ مَوْقِفَاً متساهلاً نوعاً ما تجاه الناموس، إذ يصفه بأنه “نَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ”.

وَلَكِنَّ هَذِهِ الْاِخْتِلافَاتِ لَيْسَتْ بِالْحَجْمِ الَّذِيْ يَدَّعِيهِ عُلَمَاءُ النقد. فبالنظرة الفاحصة إلَى الآيات الْمُشَارَ إِلَيْهَا فِي سفر أعمال الرسل وَرِسَالَةُ غَلاطِيَّةَ، يظهر أنَّهَا لا تُصَوِّرُ مَوْقِفَاً يَهُودِيّاً مَسِيحِيّاً مُتَطَرِّفاً. كما أن مَوْقِفُ يَعْقُوبُ بِشَأنِ الناموس فِي سفر أعْمَالِ الرُّسُلِ وَرسالة غَلاطِيَّةَ يَتَوَافَقُ فِي الْحَقِيقَةِ تَمَامَاً مَعَ لاهُوتِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ.

وكَمَا نَرَى، فَإن الْحُجَج الْمُقَدَّمَة ضِد كَوْن يَعْقُوب، أخِو يَسُوعْ، هُوَ الكَاتِب ضَعِيفَة، على أفضل تقدير. أمَّا الْحُجَج الَّتِي تُؤَيِّد أنَّ يَعْقُوب هُوَ الكاتب فَهِيَ أقْوَى وَأكْثَر إقْنَاعَاً. وَلِهَذَا السبب، يُؤَكِّد مُعْظَم الْعُلَمَاء الإنْجِيلِيِّونْ عَلَى أنَّ يَعْقُوب، أخِو يَسُوع، هُوَ كَاتِب الرِّسَالَة الَّتِي تَحْمِل اسْمَهُ.

لقد بحثنا في مَوْضُوعِ هَوِيَّةَ كَاتِبِ رِسَالَةَ يَعْقُوبَ بِالنَّظَرِ إلَى الرَّأيِ التَّقْلِيدِيِّ. وَلِنَنْتَقِلْ الآنْ إلَى النَّظَرِ عَنْ قُرْبٍ أكْثَرَ إلَى التَّارِيخِ الشَّخْصِيِّ لِيَعْقُوبَ.

التاريخ الشخصي

يُشِيرُ إنْجِيلُ مَتَّى 13: 55 إلَى كَوْنِ يَعْقُوبَ أحَدَ أبْنَاءِ مَرْيَم، وَبِالتَّالِي أحَدَ إخْوَةِ يَسُوعَ غَيرَ الْأشِقَّاء. وَقَدْ تُفَسِّرُ هذه القرابة الْعَائِلِيَّةُ التَّشَابُهَاتِ الْكَثِيرَةَ مَا بَيْنَ رِسَالَةَ يَعْقُوبَ وَتَعَالِيمَ يَسُوعُ الْمُدَوَّنَةَ فِي الْأنَاجِيلِ. وَلَكِنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ يُوضِّحُ أنَّ يَعْقُوبَ وَإخْوَتَهُ الْآخَرِينَ لَمْ يَكُونُوا فِي الْبِدَايَةِ يُدْرِكُونَ مَنْ كَانَ أخُاهُمْ الْأَكْبَرَ فِي الْحَقِيقَةِ. فَيَقُولُ إنْجِيلُ يُوحَنَّا 7: 5:

لِأَنَّ إِخْوَتَهُ [إخْوَةَ يَسُوعَ] أَيْضًا لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ. (يوحنا 7: 5)

وَلَكِنْ فِي مرحلةٍ مَا فِي حَيَاةِ يَعْقُوبَ، اخْتَبَرَ الْإيمَانَ الْخَلاصِيَّ بِيَسُوعِ، وَقَبِلَهُ رَبّاً. وَفِي الْحَقِيقَةِ، ارْتَقَى يَعْقُوبُ لِيَشَغَلَ مَكَانَاً بَارِزَاً فِي الْكَنِيسَةِ الْأولَى، حَتَّى إنَّ بُولُسَ دَعَاهُ فِي رِسَالَةِ غَلاطِيَّةَ 2: 9 أحَدَ “أعْمِدَةِ” الْكَنِيسَةِ. وَبِالْإضَافَةِ إلَى هَذَا، فَإنَّنَا نَعْرِفُ بِحَسَبِ رِسَالَةِ 1 كُورُنْثُوسِ 15: 7، أنَّ يَسُوعَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ بَعْدَ قِيَامَتَهِ.

إن سُلْطَةُ يَعْقُوبَ مُوَثَّقَةٌ جَيْدَاً فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. فَمَثَلاً، يَظَهَرُ ثَلاثَ مَرّاتٍ فِي سفرِ أعمالِ الرسل بِصِفَتِهِ قَائدَ كَنِيسَةِ أورُشَلِيمَ. وَنَرَاهُ فِي سفرِ أعْمَالِ الرسل 15 المتحدث الرَّسْمِيَ بِاسْمِ ْمَجْمَعِ الرسل. وحتى غير المسيحيين أقروا بأهميّة يعقوب في الكنيسة. فإحْدَى الرِّوَايَاتِ الشَّهِيرَةِ الَّتِي تَحْكِي قِصَّةَ قَتْلِ يَعْقُوبَ بِعُنْفٍ فِي الْعَامِ 62 مِيلادِيَّةَ تَأتِينَا مِنْ سِجِّلاتِ الْمُؤَرِّخِ الْيَهُودِيِّ يُوسِيفُوسَ.

اسْتَمِعْ إلَى مَا يَقُولُهُ مجلد “الْعَادِيَّاتِ، الكتاب الْعِشْرُونَ، الْفَصْلُ 9، الْقِسْمُ 1″، الَّذِي كَتَبَهُ يُوسِيفُوسَ فِي الْعَامِ ثَلاثَةٌ وَتِسْعِينَ مِيلادِيَّةَ، حَيْثُ يَصِفُ الظُّرُوفَ الَّتِي أحَاطَتْ بِمَوْتِ يَعْقُوبٍ:

 جَمَعَ [أنَانُوسُ] قُضَاةَ مَجْمَعِ السِّنْهِدْرِيمِ، وَأحْضَرَ أمَامَهُمْ أخَا يَسُوعَ، الَّذِي يَدْعُونَهُ الْمَسِيحُ، وَكَانَ اسْمُهُ يَعْقُوبَ، وَأحْضَرَ آخَرِينَ أيضًا، وَوَجَّهَ إلَيْهِم تُهْمَةَ التَّعَدِّي عَلَى الشَّرِيعَةِ، وَحَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالرَّجْمِ.

رُبَمَا لَمْ يُدْرِكْ يَعْقُوبُ فِي سِنِي طُفُولَتِهِ وَشَبَابِهِ الْأولَى مَنْ كَانَ أخُاهُ الْأكْبَرُ فِي الْحَقِيقَةِ. وَلَكِنَّنَا نَسْتَطِيعُ أنْ نَرَى مِنْ رِوَايَةِ يُوسِيفُوسَ، وَمِنْ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَالرِّوَايَاتِ التَّارِيخِيَّةِ الْأُخْرَى أنَّ يَعْقُوبَ فِي سِنِي رشده لاحِقَاً كَانَ لديه ووَلاء لا يلين نَحوَ يَسُوعَ بِاعْتِبَارِهِ الْمَسِيحُ. وَقد كَتَبَ يُوسَابِيُوسُ فِي مجلده “التَّارِيخِ الْكَنَسِيِّ، الْكِتَابِ الثاني، الْفَصَلِ 23” مُقْتَبِسَاً مِنْ مُؤَرِّخٍ قَدِيِمٍ لِلْكَنِيسَةِ الْمَسِيحِيَّةِ اسْمُهُ هِيجْسِيبُوسَ، فَقَالَ:

 صَارَ [يَعْقُوبُ] شَاهِدَاً حَقِيقِيّاً لِلْيَهُودِ وَالْيُونَانِيِّينِ عَلَى أنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ.

بعد أن بحثنا خَلْفِيَّةِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ بالنظر إلى بَعْضِ الْقَضَايَا المحيطة بِهَوِيَّةِ الْكَاتِبِ، لِنَنْتَقِلَ الْآنَ إلَى دراسة هَوِيَّةِ الْقُرَّاءِ الْأصْلِيِّينَ لِهَذِهِ الرِّسَالَةِ.

 القرّاء الأصليين

في كثير من الأحيان، يبذل علماء اللاهوت قدراً كبيراً من الوقت والجهد فِي مُحَاوَلَة اكْتِسَاب أكْبَر قَدْرٍ مِنْ الْمَعْرِفَة حول كَاتِب سفر مُعَيَّن مِنْ أسفار الْكِتَاب الْمُقَدَّس. وَلَكِن اكْتِشَاف هُوِيَّة الْقُرَّاء الأصْلِيِّين أمْر لَا يَقِل أهَمِيَّة عن ذلك. فإنْ أرَدْنَا تفسيراً صحيحاً لمَا يَقُولُه أحَد كُتّاب الأسفار المقدسة، فَإن مَعْرِفَة الْقُرَّاء الأصْلِيِّين، وَمَا كَانُوا يُوَاجِهُونَهُ فِي تِلْكَ الْفَتْرَة مِنَ التَّارِيخ، تُسَاعِدْنَا فِي تَحْقِيق ذَلِك. وَكَمَا رَأيْنَا سَابِقَاً، في رسالة يعقوب 1: 1، عَرَّفَ يَعْقُوبُ قُرّاءهِ على النحو التالي:

الاثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا الَّذِينَ فِي الشَّتَاتِ. (يعقوب 1: 1)

ويبدوا أن ذلك إشارة إلى اليهود الذين كانوا يعيشون خارج إسرائيل. وَفِي 2: 1، يُخَاطِبُ يَعْقُوبُ قُرَّاءَهُ بِاعْتِبَارِهِم:

إِخْوَةً فِي رَبِّ المَجْدِ يَسُوعَ المَسيحِ. (يعقوب 2: 1)

هَذَانِ الْعَدَدَانِ مَعاً يُشِيرانِ إلَى أنَّ قُرّاءَ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ الْأصَلِيِّينَ كَانُوا يَتَألَّفُونَ بِشَكْلٍ رَئِيسِيٍّ مِنْ مَسِيحِيِّينَ مِنْ أصْلٍ يَهُودِيٍّ يَعِيشُونَ خَارَجَ فِلَسْطِينَ.

فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةِ فِي هذه الرسالة، يُخَاطِبُ يَعْقُوبُ قُرّاءَهُ بمحبةٍ بِصِفَتِهِم “إخْوةٌ”. وَلَكِنً، كَيْفَ كان يَعْقُوبُ، الَّذِي كَانَ يعيش في أورُشَلِيمَ، يعرف قُرَّاءَهُ جيداً كي يخاطبهم على هذا النحو؟ نَعْرِفُ مِنْ سفر أعْمَالِ الرُّسُلِ 8: 1-4 أنَّهُ فِي مَوْجَةِ الْاِضْطِهَادِ الَّتِي تَبِعَتْ اسْتِشْهَادَ اسْتِفَانُوسَ، تَشَتَّتْ أعْضَاءُ كَنِيسَةِ أورُشَلِيمَ فِي كُلِّ أرْضِ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ. وَلَرُبَّمَا كَانَ يَعْقُوبُ، بِصِفَتِهِ قَائِدَ كَنِيسَةِ أورُشَلِيمَ، يَكْتُبُ إلَى هَؤلاءِ الْأعْضَاءِ المشتتين الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إلَى “الْاِثْنَيْ عَشَرَ سِبْطَاً”. وَلَكِنْ، حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ الرِّسَالَةَ مُوَجَّهَةً إلَى هَؤلاءِ الْمُؤمِنِينَ بِشَكْلٍ خَاصٍّ، فيَبْدُو أنَّ قُرَّاءَ رِسَالَةُ يَعْقُوبَ كَانُوا يَتَألَّفُونَ مِنْ مَسِيحِيَّينَ مِنْ أصْلٍ يَهُودِيٍّ يَمُرُّونَ فِي ظُرُوفٍ شَبِيهَةٍ.

وَتدعم الْمُفْرَدَاتُ الَّتِي يَسْتَخْدِمُهَا يَعْقُوبُ فِكْرَةَ أنَّ قُرَّاءَهُ الْأصْلِيِّينَ كَانُوا يَهُودَاً من أتباع يَسُوعَ. فَمَثَلاً، فِي 2: 2، اِخْتَارَ يَعْقُوبُ الْكَلِمَةَ [συναγωγη] سوناجوجيه، أو “مجمع” لِوَصْفِ اِجْتِمَاعَاتِ قُرَّاءِ رِسَالَتِهِ. وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ طَرِيقَةً اِعْتِيَادِيَّةً لِلْإشَارَةِ إلَى تَجَمُّعَاتِ الْيَهُودِ. وَفَي 5: 4، يَسْتَخْدِمُ يَعْقُوبُ عِبَارَةَ “رَبِّ الْجُنُودِ”، وَفِي الْيُونَانِيَّةِ [Κυρίου Σαβαὼθ] كوريوس ساباوث. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَأتِي مِنَ اسم شائع الاستخدام فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ لإله إسرائيل، أي [יְהוָה צְבָאוֹת] يَهْوَهْ صَبَاؤوتْ. ومصطلحات كهذه تكون مفهومة أكثر إنْ كَانَ مُتَلَقِّي الرِّسَالَةَ لهم جُذُورٍ يَهُودِيَّةٍ قَوِيَّةٍ.

إن مَعْرِفَةُ خَلْفِيَّةَ قُرَّاءِ رِسَالَةَ يَعْقُوبَ الْأصْلِيِّينَ أمْرٌ بَالِغُ الْأهَّمِيَّةِ لِأنَّهُ يُسَاعِدُنَا فِي تَحْدِيدِ الْمَسَارِ الَّذِي سَنَتْبَعُهُ فِي فَهْمِ الرِّسَالَةِ الَّتِي يُحَاوِلُ تَقْدِيمُهَا لِقُرَّائِهِ. فقُرَّاءُ يَعْقُوبَ، بِصِفَتِهِم جَمَاعَةً يَهُودِيَّةً، هُمْ مستلمو تَقْلِيدٍ دِينِيٍّ طَويلٍ عن تَوْرَاةُ مُوسَى وَرِسَالَةُ الْأنْبِيَاءِ وَالْكِتَابَاتِ. ويعتمد يَعْقُوبُ عَلَى هَذَا التَّقْلِيدِ الغني فِي حَدِيثِهِ مَعَهُمْ عَنْ حَيَاةِ الْإيمَانِ وَالعَيْشِ بِحِكْمَةٍ. فهُمْ بِحَاجَةٍ لِأنْ يَفْهَمُوا كَيْفَ يَنْبَغِي لَهُمْ أنْ يُطَبِّقُوا هَذَا التَّقْلِيدَ وَهَذِهِ الْحِكْمَةَ فِي حَيَاتِهِمْ فِي ضَوْءِ قِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. [د. سكَت رِد]

حِينَ نَقُولُ إنَّ يَعْقُوبَ كَتَبَ رِسَالَتَهُ إلَى مَسِيحِيِّينَ مِنْ أصْلٍ يَهُودِيٍّ، لا نَقْصِدُ أنَّهَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَسَيحَيُّونَ مِنْ أصْلٍ أمَمِيٍّ فِي الْكَنَائِسِ الَّتِي وَجَّهَ يَعْقُوبُ رِسَالَتَهُ إلَيْهَا. فَفِي وَقْتٍ مُبَكِّرٍ فِي سفر أعْمَالِ الرُّسُلِ 8، نَقْرَأُ عَنْ حَبَشِيٍّ آمَنَ بِالْمَسِيحِ. وَكَمَا نَرَى فِي سفر أعْمَالِ الرُّسُلِ 10، كَانَ هُنَاكَ كَثِيرُونَ مِنَ الْأُمَمِيّيِنَ الَّذِينَ كَانُوا يخافون اللهَ وَقَدْ تَحَوَّلُوا إلَى الْيَهُودِيَّةِ وَكَانُوا يَحْضُرُونَ فِي الْمَجَامِعِ. وَلِذَا، فَإنَّهُ لَيْسَ من المثير للدهشة أنْ نَجِدَ عَلَى الْأقَّلِ بَعَضَ الْمُؤمِنِينَ الْأُمَمِيِّينَ فِي هَذِهِ الْكَنَائِسِ أيْضًا. وَمَعَ هَذَا، فَإنَّهُ بِحَسَبِ رسالة رُومِيَّةَ 9: 8، كَانَ الْمُؤمِنُونَ مِنْ الْأُمَمِ يُعْتَبَرُونَ “نَسْلَ إبْرَاهِيمَ”. وَهَكَذَا، بطريقة مماثلة كَانُوا يُعْتَبَرُونَ جُزْءاً مِنْ أسْبَاطِ إسْرَائِيلِ الْاِثْنَي عَشَرَ مِثْلَ أيِّ يَهُودِيٍّ بِنسب الدَّمِ.

لقد تناولنا خَلْفِيَّةَ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ بالبحث في هَوِيَّةِ كَاتِبِ الرِّسَالَةِ، وَقُرَّائِهَا الْأصْلِيِّينَ. وَهَكَذَا، فَإنَّنَا الْآنَ مُسْتَعِدُّونَ لدراسة مُنَاسَبَةِ كِتَابَةِ الرِّسَالَةِ.

المناسبة

سنبحث في مُنَاسَبَةَ كِتَابَةِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ فِي خَطَواتٍ ثَلاثٍ: أوَّلاً، سنتطرق لمَوْضُوعَ الموقع الجغرافي لكلٍ من الْكَاتِبِ وَالْقُرَّاءِ. وَثَانِيَاً، سَنَنْظُرُ إلَى تَارِيخِ كِتَابَةِ الرِّسَالَةِ. وَثَالِثاً، سَنُفَكِّرُ بِشَأنِ الغرض من رِسَالَةِ يَعْقُوبَ. وَلِنَبْدَأ بِالنَّظَرِ إلِى الموقع الجغرافي لكلٍ من الْكَاتِبِ وَقُرَّاءِ الرِّسَالَةِ.

الموقع

لا يَصْعُبُ تَحْدِيدَ موقع الكاتب. فَالْعَهْدُ الْجَدِيدُ وَآبَاءُ الْكَنِيسَةِ الْأولَى يقترحان أنَّ يَعْقُوبَ عَاشَ وَخَدَمَ فِي أورُشَلِيمِ. وَقَدْ بَقِيَ فِي أورُشَلِيمَ إلَى يَوْمِ اِسْتِشْهَادِهِ فِي الْعَامِ 62 مِيلادِيَّةٍ. وَلِذَا، فَإنَّهُ لَيْسَ مِنْ سَبَبٍ يدعو لِلْاِعْتِقَادِ بِأنَّهُ كَتَبَ رِسَالَتَهُ مِنْ أيِّ موقعٍ آخَرٍ.

كما أن موقع القراء الأصليين أيْضًا وَاضِحٌ إلى حد مَا. فَكَمَا ذَكَرْنَا للتو، كان مُتَلَقِّو الرِّسَالَةِ على الأرجح مُؤمِنِينَ مِنْ أصْلٍ يَهُودِيٍّ تَشَتَّتُوا فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ بَعْدَ مَقْتَلِ اسْتِفَانُوسَ. وَيُخْبِرُنَا سِفْرُ أعمال الرسل 11: 19 أنَّ هَؤلاءِ الْمُؤمِنِينَ الَّذِينَ تَشَتَّتُوا اِرْتَحَلُوا حَتَّى إلَى فِينِيقِيَّةِ وأنْطَاكِيَّةِ وَقُبْرُس بَحْثَاً عَنْ مَكَانٍ آمِنٍ يَعِيشُونَ فِيهِ. لا يُمْكِنُنَا أنْ نَجْزِمَ بِأنَّ يَعْقُوبَ كَتَبَ رِسَالَتَهُ لِمُؤمِنِينَ كَانُوا فِي هَذِهِ الْأمَاكِنِ. وَمَعْ هَذَا، فَإنَّهُ بِنَاءً عَلَى تَحِيَّةِ يَعْقُوبَ فِي بِدَايَةِ رِسَالَتِهِ إلى “الاثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا الَّذِينَ فِي الشَّتَاتِ”، ثَمَّةَ اِحْتِمَالٌ قَوِيٌّ أنَّ قُرَّاءَ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ الْأصْلِيِّينَ كَانُوا فِي هَذِهِ المناطق.

نَعْتَقِدُ فِي الْحَقِيقَةِ أنَّ هَؤلاءَ كَانُوا أسْبَاطاً مشتتين فِعْلاً، أيْ مُؤمِنِي كَنِيسَةَ أورُشَلِيمَ الَّذِينَ تَشَتَّتُوا فِي فِينِيقِيَّةِ وَقُبْرَصَ وَأنْطَاكِيَّةَ بسبب الْاِضْطِهَادِ الَّذِي وقع عَلَى إثْرِ اِسْتِشْهَادِ اِسْتِفَانُوس. ومن المُمْكِنٌ تَمَامَاً، وَفِي الْحَقِيقَةِ أظُنُّ أنَّ مِنَ الْمُحْتَمَلِ جِدّاً أنَّ يَعْقُوبَ كَانَ يَكْتُبُ إلَى هَؤلاءِ بِصِفَتِهِمْ مِنْ شَعْبِ كَنِيسَتِهِ. وَسَبَبُ اِعْتِقَادِي هَذَا هُوَ أنَّهُ، ومما يثير دهشتنا، لا يُقَدِّمُ لَنا أيَّ تَعْلِيمٍ لاهُوْتِيٍّ، عَلَى الْأقَّلِ على نحو صريح. فَهُوَ لا يَتَكَلَّمُ بمفردات بنية بِشَارَةِ الْإنْجِيلِ. ثَمَّةَ أُمُورٌ قَلِيلَةٌ لا يذكرها، وَإذْ أُفَكِّرُ كَرَاعٍ هُنَا، فأرَى أنَّهُ فِي الْغَالِبِ غَطَّى تِلْكَ الأمور فِي وَقْتٍ سَابِقٍ فِي خِدْمَتِهِ، وَهُوَ الْآنَ يُكَلِّمُ قُرَّاءَهُ الْمَعْرُوفِينَ لَهُ جَيْدَاً كَمَا يُكَلِّمُ الرَّاعِي كَنِيسَتَهُ. وَمِنْ شَأنِ هَذَا أنْ يكونَ له تأثيرٌ كبيرٌ عَلَى فَهْمِنَا لِرِسَالَةِ يَعْقُوبَ، أن نَنْظُرُ إلَى قُرَّاءِهِ المشتتين الَّذِين كَانَ قَدْ خَدَمَهُمْ ونَرَاه يُعَالِجُ قَضَايَا رِسَالَتِهُ على هذا النحو. [د. مايكل كِنِسِن]

بعد أن تناولنا الموقع الجغرافي للْكَاتِبِ وَالْقُرَّاءِ، الَّذِي يُشَكِّلُ الجانب الْأولَ من مُنَاسَبَةِ كِتَابَةِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ، لنَنْتَقِلُ إلَى النّظَرِ إلَى تَارِيخِ كتابة الرَّسَالَةِ.

التاريخ

يَسْهُلُ تَقْرِيرَ الَّتَارِيخَيْنِ الْأقْدَمَ وَالْأحْدَثَ الْمُحْتَمَلَيْنِ لِكِتَابَةِ هَذِهِ الرِّسَالَةَ. أوَّلاً، أقْدَمَ تَارِيخٍ مَمْكِنٍ لِكِتَابَةِ الرِّسَالَةَ هُوَ الْعَامُ 44 مِيلادِيَّةً. فَنَعْرِفُ أنَّ يَعْقُوبَ كَتَبَ رِسَالَتَهُ هَذِهِ بصفته قَائِد الْكَنِيسَةَ الْأولَى فَي أورُشَلِيمِ. وَيُشِيرُ سفر أعْمَالَ الرُّسُلِ 12: 17 إلَى أنَّ يَعْقُوبَ صَارَ قَائِدَاً بَارِزاً فِي كَنِيسَةِ أورُشلِيمَ فِي وَقْتِ إطلاق سراح بُطْرُسَ مِنْ السِّجْنِ. وَبِحَسَبِ سفر أعْمَالِ الرُّسُلِ 12: 19-23، تم إطلاق سراح بُطْرُسَ فِي السَّنَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا هِيرُودُسُ أغْرِيبَاسَ الْأوَّلَ، في عام 44 مِيلادِيَّةَ.

ثَانِياً، أحْدَثُ تَارِيخٍ مُمْكِنٍ لِكِتَابَةِ هَذِهِ الرِّسَالَةَ هُوَ الْعَامُ 62 مِيلادِيَّةَ، وَهِيَ سَنَةُ اسْتِشْهَادِ يَعْقُوبٍ. فَكَمَا رَأيْنَا سَابِقاً، فَإنَّهُ بِحَسَبِ يُوسِيفُوسَ، مَاتَ يَعْقُوبُ عَلَى يَدَيْ الْكَاهِنِ أنَانُوسَ تقريباً في ذلك الوقت. وَهَذَا يُزَوِّدُنَا بِشَيءٍ مِنَ النُّورِ بِشَأنِ تَارِيخِ كِتَابَةِ الرِّسَالَةِ.

لا تحتوي الرِّسَالَةُ نَفْسُهَا عَلَى إشَارَاتٍ مُحَدَّدَةٍ إلَى الْأحْدَاثِ التَّارِيخِيَّةِ التي من شأنها أن تُسَاعِدُ فِي تَحْدِيدِ تَارِيخِ كِتَابَتِهَا بشكل أكثر تحديداً. وَلَكِنَّ ثَمَّةَ سَبَبَانِ عَلَى الْأقَّلِ لِلْاعْتِقَادِ بِأنَّ تَارِيخَ كِتَابَةِ الرِّسَالَةِ كَانَ مُبَكِّراً وليس مُتَأخِّراً.

أولًا، كَمَا قُلْنَا سَابِقاً، في 2: 2 اسْتَخْدَمَ يَعْقُوبُ الْكَلِمَةَ [συναγωγη] سوناجوجيه، أو مجمع لِوَصْفِ اِجْتِمَاعَاتِ قُرَّائِهِ.

يَبْدُو أنَّ اسْتِخْدَامَ كلمة “مَجْمَعَ”، يُشِيرُ إلَى مَرْحَلَةٍ مُبَكِّرَةٍ فِي تَطَوُّرِ الْحَرَكَةِ الْمَسِيحِيَّةِ. وَلِذَا، رُبَّمَا كَتَبَ يَعْقُوبُ رِسَالَتَهُ قَبْلَ إكراه الْمَسِيحِيّينَ عَلَى الخروج من الْمَجَامِعِ. أوْ عَلَى الْأقَّلِ كَتَبَ رِسَالَتَهُ فِي وَقْتٍ كَانَ الْمَسِيحِيّونَ فِيهِ مازالوا يَدْعُونَ اِجْتِمَاعَاتِهِمْ “مَجْمَعاً”.

بِالْإضَافَةِ إلَى هَذَا، لم يرد فِي رِسَالَةِ يَعْقُوبَ ذكر للنزاعات بين اليهود والأمم، الَّتِي نَرَى كِتَابَاتِ بُطْرُسَ وَبُولُسَ تولي لَهَا اهْتِمَاماً كبيراً.

فَفِي الْكَنِيسَةِ الْأولَى، حِينَ أتَى الْأُمَمُ إلَى الْإيمَانِ بالْمَسِيحِ بِأعْدَادٍ كَبِيرَةٍ، نشأت صراعات حول ما إذا كان عَلَى الْمُؤمِنِينَ الْجُدُدِ أنْ يَعِيشُوا بِحَسَبِ العادات الْيَهُودِيَّةِ أم لا. وَرُبَّمَا اِخْتَارَ يَعْقُوبُ بِبَسَاطَةٍ ألَّا يتناول هَذِهِ النزاعات. وَلَكِنَّ الْأمْرَ الْأكْثَرَ اِحْتِمَالاً هُوَ أنَّهَا لَمْ تَكُنْ بعد قَضِيَّةً أسَاسِيَّةً فِي الْكَنَائِسِ الْحَدِيثَةِ الَّتِي خاطبها يَعْقُوبُ.

بَعْدَ أنْ نَظَرْنَا إلَى مَنَاسَبَةِ كتابة الرِّسَالَةِ مِنْ حيث كل من الموقع الجغرافي وَتَارِيخِ الْكِتَابَةِ، لِنَنْظُرْ الْآنَ إلَى غرض يَعْقُوبَ مِنْ وَرَاءِ كِتَابَتِهِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ.

الغرض

إحْدَى الطُّرُقِ الْمُفِيدَةِ جِدَّاً لِتَلْخِيصِ الغرض الرَّئِيسِيِّ ليعقوب هِيَ النَّظَرُ إلَى رسالة يَعْقُوبَ 1: 2-4. إذ يقول فِي كَلِمَاتِهِ الافتتاحية الَّتِي وَجَّهَهَا إلَى قُرَّائِهِ:

اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ. (يعقوب 1: 2-4)

وَكَمَا يُشِيرُ هَذَا الْمَقْطَعُ، كَانَ قُرَّاءُ رِسَالَةَ يَعْقُوبَ يُواجِهُونَ تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ. وَلَكِنَّ يَعْقُوبَ دَعَاهُمْ إِلَى أنْ يَكُونَ لهم كل فَرَحٌ فِي تَجَارِبِهِم. كما يقول إن هَذِهِ التَّجَارِبِ تنشئ صَبْراً. ومن يَصْبِرُونَ سَيَصِيرُونَ تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ. وَلَكِنّ الْمُفْتَاحَ الْحَقِيقِيَّ لِفَهْمِ رِسَالَةَ يَعْقُوبَ يَرِدُ فِي الْعَدَدِ التَّالِي بالتحديد. فَفِي الْعَدَدِ 5، يُكْمِلُ يَعْقُوبُ فِكْرَتَهُ بهذه الكلمات:

وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ. (يعقوب 1: 5)

سنناقش هَذِهِ الْأعْدَادَ بِمَزِيدٍ مِنَ التَّفْصِيلِ فِي وَقْتٍ لاحِقٍ مِنْ هَذَا الدَّرِسِ، وَلَكِنْ نُشِيرُ الْآنَ إلَى أنَّ هَذَا الْمَقْطَعَ يُرِينَا لب الرِّسَالَةِ كَامِلَةً. فَلِاخْتِبَارِ كل فَرَحٍ وَسَطِ التَّجَارُبِ، اُطْلُبْ مِنَ اللهِ حِكْمَةً، وَسَيُعْطَى لَكَ. آخِذِينَ هذا بعَيْنِ الْاِعْتِبَارِ، يُمْكِنُنَا أنْ نُلَخِّصَ غرض رِسَالَةِ يَعْقُوبَ الرَّئِيسِيَّ كمَا يَلِي:

دَعَا يَعْقُوبُ قُرَّاءَهُ أن يَطْلُبُوا الْحِكْمَةَ مِنَ اللهِ ليكون لهم الْفَرَح فَي تَجَارِبِهِم.

كَانَ يلزم أنْ يَسْمَعَ قُرَّاءُ يَعْقُوبَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ. فَكَمَا قُلْنَا سَابِقاً، لم يعد قُرَّاءُ يَعْقُوبَ في فِلِسْطِينَ. وَكَانُوا يَعِيشُونَ “مُشَتَّتِينَ وَسَطَ الْأُمَمِ” بَعِيداً عَنْ أوْطَانِهِم. لا شَكَّ أنه لم يكن من السهل عليهم أن يجدوا الفرح في وسط تجاربهم. وَيَبْدُو أنَّ هَذَا قَادَ بَعْضَهُمْ لِلتَّخَلِّي عَنْ وَلائِهِم لِلْمَسِيحِ، ليذهبوا وراء مَا دَعَاهُ يَعْقُوبُ “مَحَبَّةَ الْعَالَمِ”. اِسْتَمِعْ إلَى مَا تَقُولُهُ رِسَالَةُ يَعْقُوبَ 4: 4 حَيْثُ يَسْتَخْدِمُ يَعْقُوبُ كَلِمَاتٍ قَاسِيَةٍ:

أَيُّهَا الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي، أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَحَبَّةَ الْعَالَمِ عَدَاوَةٌ ِللهِ؟ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لِلْعَالَمِ، فَقَدْ صَارَ عَدُوًّاِ للهِ. (يعقوب 4: 4)

وَاضِحٌ أنَّ بَعْضَ قُرَّاءِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ كَانُوا قَدْ اِنْحَرَفُوا عَنْ الْإيمَانِ. فحذّرَ يَعْقُوبُ مَنْ يُحّبُ الْعَالَمَ بأنَّهُ يَصِيرُ “عدوًا للهِ”.

وَلِذَا لا عَجَبَ أنَّ يَعْقُوبَ مَارَسَ سُلْطَانَهُ كَأحَدِ قَادَةِ الْكَنِيسَةِ. أمَرَ يَعْقُوبُ قُرَّاءَهُ بِشَكْلٍ مُتَكَرِّرٍ بِأنْ يَحْيُوا كما يليق باعتراف صَّادِقِ بِالْإيمَانِ. وَقَدْ اسْتَخْدَمَ أكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ فِعْلَ أمْرٍ أو وصية مباشرة فِي الرِّسَالَةِ ذَاتِ الْمِئَةِ وَثَمَانِيَةِ عددٍ. وَاستخدم كَثِيراً صِيَغاً نحويّة أُخْرَى تَعْمَلُ عَملِ فِعْلِ الْأمْرِ ضِمْنَ سِيَاقَاتِهَا.

وَلَكِنَّ الْحَلَّ الرَّئِيسِيَّ الَّذِي قَدَّمَهُ يَعْقُوبُ للمشكلاتِ الَّتِي كَانَ قُرَّاؤهُ يُوَاجِهُونَهَا لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ أن يأمرهم بِعَمَلِ هَذَا أوْ ذَاكَ. فَبِالنِّسْبَةِ إلَيّهِ، كَانَ لُبُّ الْقَضِيَّةَ هُوَ أنَّهُمْ كَانُوا بِحَاجَةٍ لِأنْ يطلبوا الْحِكْمَةَ مِنَ اللهِ. كَانَتْ الْحِكْمَةُ الْآتِيَةَ مِنَ اللهِ هِيَ الْمُفْتَاحَ لِنَوَالِ الْفَرَحِ بَيْنَمَا يَحْتَمِلُونَ تَجَارِبَهُمْ الْكَثِيرَةَ. اِسْتَمِعْ إِلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الشَّهِيرَةِ مِنْ 4: 8-10 الَّتِي فِيهَا يَقُولُ يَعْقُوبُ لِقُرَّائِهِ:

 اِقْتَرِبُوا إِلَى اللهِ فَيَقْتَرِبَ إِلَيْكُمْ … اتَّضِعُوا قُدَّامَ الرَّبِّ فَيَرْفَعَكُمْ. (يعقوب 4: 8-10)

وجّهَ يَعْقُوبُ المؤمنين إلى أن يتّضعوا لكي يرفعَهُم الله. كما علّم هُنَا أنَّ الاتّضاع أمَامَ اللهِ هُوَ الطَّريِقُ إلَى الْحِكْمَةِ. فحِينَ يَقْتَرِبُ أتْبَاعُ الْمَسِيحِ إلِى اللهِ في خُضُوعٍ متّضعٍ، فَإنَّ الْحِكْمَةَ الَّتِي يَنَالُونَهَا تجلبُ لهم الْفَرَحَ، حَتّى فِي أثناءِ مثابرتهُم في التَّجَارِبِ.

إلى هنا في دراستنا لِمُقَدِّمَةِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ، نَظَرْنَا إلَى خَلْفِيَةِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ. وَلِذَا، فَإنَّنَا الْآنَ على استعداد لدراسة بُنْيَةِ ومحتوى الرِّسَالَةِ.

  • دليل الدراسة
  • الكلمات المفتاحية

1. نشجعك على أن تنسخ وتلصق أدلة الدراسة في ملف Wordجديد.
2. قم بمشاهدة الفيديو مع تدوين ملاحظاتك أسفل كل عنوانٍ من عناوين أدلة الدراسة.

القسم الأول: الخلفية

الخطوط العريضة لتدوين الملاحظات

المقدمة
1.الخلفية
أ. هوية الكاتب
1. الرأي التقليدي
2. التاريخ الشخصي
ب. القرّاء الأصليين
ج. المناسبة
1. الموقع
2. التاريخ
3. الغرض

أسئلة المراجعة

1. ما هي الأسباب التي يقدمها علماء اللاهوت النقّاد للتشكيك في وجهة النظر التقليدية حول نَسب كتابة الرسالة ليعقوب؟ وما هو الرد على هذه الأسباب؟
2. ماذا نعرف عن القراء الأصليين لرسالة يعقوب؟
3. ما هو التاريخ المبكر والمتأخر المقترحان لرسالة يعقوب؟ أي من هذه التواريخ المبكر والمتأخر على الأرجح هو تاريخ كتابة الرسالة؟
4. ماذا نعرف عن يعقوب أخا يسوع من الأناجيل؟
5. كيف تغير دور يعقوب طبقًا لسفر أعمال الرسل؟
6. أين قضى يعقوب حياته وخدمته؟ وما هي بعض الأحداث التي وقعت هناك بعد وقت يسوع على الأرض؟
7. هل كان القراء الأصليين ليعقوب أغلبهم يهود، أم أغلبهم أمم، أم خليط متوازن من الاثنين معًا؟ كيف يمكن أن تساعدنا هذه الفكرة في تفسير رسالة يعقوب؟
8. من خلال قراءتك لرسالة يعقوب، قم بعمل قائمة للوصايا التي يعطيها يعقوب لقرائه. ماذا يمكن أن نتعلم من هذه الوصايا عن كيفية أن نحيا حياة صالحة؟

أسئلة التطبيق

1. ما أهمية كون يعقوب لم يكن تابعًا ليسوع من بداية خدمته بالنسبة لنا؟
2. ما هي بعض الأمور التي قد تسبب انقسامات في كنيستك؟
3. ما هي مظاهر (محبة العالم) في المكان الذي تعيش فيه ومكان عملك؟

AJAX progress indicator
Search: (clear)
Nothing found. Please change the filters.
الاختبارات
رسالة يعقوب - الدرس الأول - الأمتحان الأول
Previous القسم
Back to الدرس
Next القسم

انجازك في الدورة

0% Complete
0/17 Steps

محتوى الدورة الدراسية

الدورة Home عرض الكل
ابدأ هنا- مخطط الدورة الدراسية
الدرس الأول: مقدمة إلى رسالة يعقوب
5 الأقسام | 4 الاختبارات
التحضير للدرس الأول
رسالة يعقوب – الدرس الأول – القسم الأول
رسالة يعقوب – الدرس الأول – القسم الثاني
الأسئلة التعبيرية
الأسئلة المقالية
الدرس الثاني: طريقان للحكمة
5 الأقسام | 5 الاختبارات
التحضير للدرس الثاني
رسالة يعقوب – الدرس الثاني – القسم الأول
رسالة يعقوب – الدرس الثاني – القسم الثاني
الأسئلة التعبيرية
الأسئلة المقالية
الدرس الثالث: القراءات المطلوبة
3 الأقسام | 4 الاختبارات
متطلبات القراءة 1
متطلبات القراءة 2
متطلبات القراءة 3
العودة إلى رسالة يعقوب

Copyright © 2021 · Education Pro 100fold on Genesis Framework · WordPress · Log in