مساقات عبر الإنترنت Online Courses

  • التسجيل
  • تسجيل الدخول
الرئيسية / الدورات الدراسية / الرسالة إلى العبرانيين / الدرس الثاني: المحتوى والبنية

الرسالة إلى العبرانيين – الدرس الثاني – القسم الأول

الدورات الدراسية الرسالة إلى العبرانيين الدرس الثاني: المحتوى والبنية الرسالة إلى العبرانيين – الدرس الثاني – القسم الأول
الدرس Progress
0% Complete
 
  • الفيديو
  • الملف الصوتي
  • النص

المقدمة
المحتوى المتكرر

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aHEB02_01.mp4

الأيام الأخيرة في يسوع

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aHEB02_02.mp4

دعم من العهد القديم
خلفيات واقعية
آراء لاهوتية

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aHEB02_03.mp4

فرائض أخلاقية
النبوات حول الأمور الأخيرية
المُثل العليا للسلالة الحاكمة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aHEB02_04.mp4

تحذيرات للثبات
الاستجابات

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aHEB02_05.mp4

الحوافز

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aHEB02_06.mp4
  • المقدمة
    المحتوى المتكرر
  • الأيام الأخيرة في يسوع
  • دعم من العهد القديم
    خلفيات واقعية
    آراء لاهوتية
  • فرائض أخلاقية
    النبوات حول الأمور الأخيرية
    المُثل العليا للسلالة الحاكمة
  • تحذيرات للثبات
    الاستجابات
  • الحوافز

المقدمة
المحتوى المتكرر

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aHEB02_01.mp3

الأيام الأخيرة في يسوع

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aHEB02_02.mp3

دعم من العهد القديم
خلفيات واقعية
آراء لاهوتية

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aHEB02_03.mp3

فرائض أخلاقية
النبوات حول الأمور الأخيرية
المُثل العليا للسلالة الحاكمة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aHEB02_04.mp3

تحذيرات للثبات
الاستجابات

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aHEB02_05.mp3

الحوافز

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aHEB02_06.mp3
  • المقدمة
    المحتوى المتكرر
  • الأيام الأخيرة في يسوع
  • دعم من العهد القديم
    خلفيات واقعية
    آراء لاهوتية
  • فرائض أخلاقية
    النبوات حول الأمور الأخيرية
    المُثل العليا للسلالة الحاكمة
  • تحذيرات للثبات
    الاستجابات
  • الحوافز

المقدمة

غالباً نجد أنفسنا أمام ظروف تولّد فينا الرغبة في إقناع الناس بأن يتّفقوا معنا حول أمرٍ ما. وثمّة طرق عديدة للقيام بذلك، لكن إحدى أنجح هذه الطرق هي أن نبني قدر المستطاع على المعتقدات المشتركة بيننا. ثمّ، على قاعدة هذه الأرضيّة المشتركة، نحاول أن نقنعهم بالمسائل الأخرى. من عدة نواحٍ هذا ما فعله كاتب الرسالة إلى العبرانيين. فقد كتب إلى كنيسة كانت مجرّبة بالعودة إلى التعاليم التي اعتقد بها المجتمع اليهودي المحلّي لكي تبقى في مأمن من الاضطهاد. وبهدف إقناعهم بالبقاء أمناء للمسيح، بذل الكاتب جهده لصياغة قضيّة مبنيّة على المعتقدات المشتركة بينه وبين مستلمي رسالته.

هذا هو الدرس الثاني في سلسلتنا الرسالة إلى العبرانيين وقد وضعنا عنوانًا لهذا الدرس هو “المحتوى والبنية”. سننظر في هذا الدرس كيف اتبع الكاتب هذه الاستراتيجيّة المُقنعة وهو يحضّ قرّاءه على تجديد عهدهم مع المسيح.

ينقسم درسنا حول محتوى وبنية الرسالة إلى العبرانيين إلى قسمَين. أوّلاً، ننظر في المحتوى المتكرّر الذي يظهر في كلّ قسمٍ رئيسيٍّ من الرسالة. ثانيًا، نستكشف البنية الإنشائية الأدبية للعبرانيين، وكيف وظّف الكاتب هذه العناصر المتكرّرة في تقديم إيضاحاتٍ مقنعة. لننظر أوّلاً إلى المحتوى المتكرّر في الرسالة إلى العبرانيين.

المحتوى المتكرر

قمنا في درسنا السابق، بتلخيص القصد الرئيسي من الرسالة إلى العبرانيين بهذه الطريقة:

كان هدف كاتب العبرانيين أن يحضّ مستلمي رسالته على نبذ التعاليم اليهوديّة المحلّيّة وعلى بقائهم أمناء ليسوع.

في هذه المرحلة من درسنا، سننظر كيف تمّم الكاتب قصده بالرجوع إلى العناصر عينها مرّة تلو المرّة.

نظرة عن كثب إلى المحتوى المتكرّر في الرسالة إلى العبرانيين تُظهر لنا أنّ الكاتب قد حقّق قصده الرئيسي من خلال تكراره لثلاثة عناصر أساسيّة. أوّلًا، لفت النظر إلى أنّ التاريخ وصل إلى أيّامه الأخيرة في يسوع. ثانيًا، قدّم الكاتب دعمًا كتابيًّا من العهد القديم لهذا الاعتقاد. ثالثًا، أعطى مستلمي رسالته عددًا من التحذيرات للثبات في إيمانهم المسيحي. لنبدأ بإيمان الكاتب بأنّ الأيّام الأخيرة قد جاءت في يسوع.

الأيام الأخيرة في يسوع

غالباً، عندما يسمع أتباع المسيح عبارة “الأيام الأخيرة”، تحملهم أفكارهم مباشرةً إلى أحداث متعلّقة بعودة المسيح في مجده. كثيرون منّا صرفوا وقتاً ومجهوداً كبيراً في محاولةٍ لفهم أحداثٍ مثل الضيقة العظيمة، والاختطاف، والمُلك الألفي. لكن حين نتكلّم عن “الأيام الأخيرة” في الرسالة إلى العبرانيين، في ذهننا ما هو أبعد بكثير من أحداث متعلّقة مباشرة بمجيء المسيح ثانية.

غالبًا ما يشير اللاهوتيون المسيحيّون إلى تعليم الكتاب المقدّس عن الأيّام الأخيرة بالتعبير “إسكاتولوجي أو الأمور الأخيرية”. وهذا المصطلح العلمي مشتقّ من الاسم اليوناني إسخاتوس (ἔσχατος) والذي يعني “الأخير” أو “النهائي”. والأمر المثير للاهتمام هو أنّ مصطلح العهد الجديد هذا يظهر باكرًا في العهد القديم مع الحديث عن “آخِرِ الأَيَّامِ” في التثنية 4: 30. هناك حذَّر موسى بني إسرائيل من أنهم سيساقون إلى السبي إن هم تمرّدوا على الله. لكنّه أكّد لهم أنّه “في آخر الأيام”، إن هم تابوا، سيعودون من السبي ليختبروا بركات الله التي لا تُضاهى. كما تكلّم أنبياء العهد القديم عن أحداث مرتبطة بعودة إسرائيل من السبي على أنّها أحداث “الأيام الأخيرة”.

ليس من الصعب أن نرى من عبرانيين 1: 1–2 أنّ التعليم حول الأمور الأخيرية كان في ذهن الكاتب عندما كتب رسالته. استمع إلى أولى الكلمات التي كتبها:

اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ (العبرانيين 1: 1–2).

لاحظ كيف أنّ هذه الأعداد الافتتاحيّة تشير إلى ما عمله الله في المسيح على أنّه يحدث “في الأيّام الأخيرة” ماذا قصد كاتب العبرانيين بذلك؟ لماذا كانت الأمور الأخيريّة مهمّة بالنسبة إليه؟

في مدخل الرسالة إلى العبرانيين ومن العدد الأوّل، أراد الكاتب أن يعلموا أنّ في يسوع تحقّق كلّ كلام الأنبياء الذين سبقوه. فيقول، “اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ” – أو “من خلال ابنه”، وهذا يعني أنّ يسوع هو إتمام لكلّ ما جاء قبله. هو مجيء الربّ، هو الدخول في الملكوت. الكلمة الأخيرة التي أراد الله أن يقولها في تاريخ البشريّة، نجدها في يسوع. [الدكتور ك. إريك ثوينوس]

لكي نفهم الأمور الأخيريّة في العبرانيين، لا بدّ أن نشق طريقنا عبر بعض المنعطفات والتحوّلات في تاريخ إسرائيل في الفترة نحو نهاية العهد القديم، وخلال حقبة ما بين العهدَين القديم والجديد. فخلال فترة الملكيّة، غاصت إسرائيل أكثر فأكثر في عصيانها لله، فأرسل الله أخيرًا جيوش الأشوريّين فسبوا معظم سكان المملكة الشماليّة. ثمّ بعد فترة، أرسل الله جيوش البابليين فلحق بيهوذا ما لحق بالمملكة الشماليّة. ثمّ حوالي العام 538ق.م عادت بقية من سكان إسرائيل ويهوذا إلى أرض الميعاد وهم يتوقعون أنّ الله سوف ينزل دينونته ويسكب بركات الأيام الأخيرة. لكن لم تحصل توبة على نطاقٍ واسع في صفوف الشعب، فحُكم على إسرائيل بالرزوح مدّة خمسة قرون تحت طغيان مادي وفارس، واليونانيين، وأخيرًا تحت نير الإمبراطورية الرومانية.

في فترة ما بين العهدَين، تمسّكت معظم الجماعات اليهوديّة بثبات بأملها بأنّ دينونات الله وبركاته النهائيّة المتعلقة بالأيام الأخيرة سوف تتم. وهذا الأمل كان مهمًّا جدًّا بالنسبة إليهم لدرجة أنّهم قسّموا التاريخ برمّته إلى حقبَتين كبيرتَين. فدعوا الزمن الذي كانوا يعيشون فيه “هذا الدهر”، دهر الخطيّة التي كانت نتيجتها سقوط إسرائيل وسبيها. وتكلّموا أيضًا عن “الدهر الآتي”، الدهر الذي سيصبّ فيه الله دينوناته النهائيّة على أعدائه ويغدق بركاته النهائيّة والمجيدة على شعبه الأمين. وانطلاقًا من نبوّات العهد القديم، علّموا أنّ الله سوف يرسل ابن داود العظيم، المسيح المنتظر، فتكون به مرحلة الانتقال من هذا الدهر إلى الدهر الآتي.

بتركيزه على الأمور الأخيريّة، انطلق كاتب العبرانيين من فكرٍ مشترك بينه وبين مستلمي رسالته والمجتمع اليهودي الأوسع وبنى عليه. لكنّه في الوقت عينه، أراد مرّة أخرى أن يوضّح أنّ ثمّة من آمن بيسوع وثمّة من لم يقبله، وهذان طريقان منفصلان. فاليهود غير المؤمنين تمسّكوا بالرأي القائل بإنّ مجيء المسيح المنتظر سوف يُحدِث تحوّلاً جذريًّا ويقلب الأمور رأسًا على عقب بين هذا الدهر والدهر الآتي. لكنّ أتباع يسوع تعلّموا أنّ يسوع يحقق الأيّام الأخيرة على ثلاث مراحل: الأولى، تدشين ملكوته المسيحاني بمجيئه الأول، واستمرار ملكوته المسيحاني طوال تاريخ الكنيسة، واكتمال ملكوته المسيحاني عند عودته في مجده. يصف كُتَّاب العهد الجديد هذه المراحل الثلاث جمعاء على أنّها “الأيام الأخيرة” في مقاطع مثل أعمال الرسل 2: 17 و2 بطرس 3: 3.

يمكننا أن ندرك أهمّيّة هذا الموضوع عندما نلاحظ أنّ كاتب العبرانيين استخدم تعابير مألوفة للإشارة إلى “الأيام الأخيرة” في ستّ مناسبات على الأقلّ. فكتب في العبرانيين 2: 5 عن “العالم العتيد” حين سيعود المسيح في مجده. وفي 6: 5، أشار إلى “قوّات الدهر الآتي” التي اختبرها العديد من قرّائه. وكتب في 9: 11 عن المسيح كرئيس كهنة “للبركات السماوية (التي) قد تحققت” (ترجمة كتاب الحياة) وأشار في 9: 26، إلى زمن خدمة يسوع الأرضيّة بعبارة “انقضاء الدهور”. أمّا في 10: 1، فتحدّث عن البركات التي هي نتيجة ذبيحة المسيح مستخدمًا عبارة “الخيرات العتيدة”. وفي 13: 14، وصف الرجاء النهائي لأتباع المسيح بـ”المدينة العتيدة”. إنّ تكرار هذه التعابير المألوفة للإشارة إلى الأيام الأخيرة أعطانا لمحة عن مدى أهمّيّة هذا الموضوع بالنسبة إلى قصد الكاتب.

والآن بعد ان رأينا كيف تضمن المحتوى المُتكرّر في العبرانيين التركيز على الأيام الأخيرة في يسوع، لا بدّ أن نلتفت إلى عنصر ثانٍ متكرّر في الكتاب: الدعم الكتابي من العهد القديم لآراء الكاتب اللاهوتيّة.

دعم من العهد القديم

تُظهر معظم الحسابات أنّه يوجد في الرسالة إلى العبرانيين نحو مئة اقتباس من العهد القديم أو إشارة أو تلميح إليه. وهذا التفاعل مع أسفار العهد القديم كان مهمّاً جداً بالنسبة إلى قصد الكاتب لدرجة أنّه يظهر في كلّ جزء أساسي من الرسالة. وبالطبع ليس من الصعب أن نفهم السبب. فلكي يتصدّى لتعاليم المجتمع اليهودي المحلّي، لجأ كاتب العبرانيين إلى مرجع يؤمن جميع الأطراف بمصداقيّته ويعتبرونه مقدساً وهو العهد القديم.

خلفيّات واقعيّة

من أجل أهداف هذا الدرس يساعدنا أن ننظر إلى خمسة طرق أساسيّة تناول فيها كاتب العبرانيين بشكلٍ متكرّر اقتباسات من العهد القديم. أوّلاً، لفَتَ الأنظار إلى خلفيّات واقعيّة في العهد القديم.

استعاد الكاتب، ببساطة، بعض التفاصيل التاريخيّة الواردة في الأسفار المقدسة العبرية مقتبسًا بضع عبارات. ثمّ دمج الوقائع التي تدل عليها في تقديمه للإيمان المسيحي. على سبيل المثال، في العبرانيين 7: 2 شرح الكاتب أنّ اسم “ملكي صادق، ملك ساليم”، الوارد في التكوين 14: 18، يعني “ملك البرّ” و”ملك السلام”. فهذه الخلفيّة الواقعيّة عزّزت المقارنة بين يسوع وملكي صادق.

كمثال آخر، في العبرانيين 12: 20–21، ذكر الكاتب ارتعاد إسرائيل على جبل سيناء الوارد في الخروج 19: 12–13 والتثنية 9: 19. ثمّ قابل بين خوف إسرائيل وفرح أتباع المسيح في أورشليم السماوية.

آراء لاهوتيّة

ثانيًا، ذكر الكاتب آراء لاهوتيّة ثابتة نشأت في العهد القديم وكانت لا تزال متداولة حتّى في زمنه ذاك.

في حالاتٍ كهذه، عوضًا عن ذكر وقائع تاريخيّة بسيطة، كان الكاتب يركّز على معتقدات لاهوتيّة مثبتة في الأسفار المقدسة العبرية – معتقدات عن الله نفسه ومسائل أخرى تتعلّق بالله مباشرة.

فمثلاً في العبرانيين 1: 5، ذكر الكاتب ما جاء في 2 صموئيل 7: 14 أو ما يوازيه في 1 أخبار الأيام 17: 13. هنا، أعلن الله أنّ كلّ ملك في سلالة داود سوف يُدعى “ابن” الله من أيّام داود فصاعدًا.

وفي العبرانيين 1: 7، اقتبس الكاتب من المزمور 104: 4حيث وُصفت الملائكة بأنّها أرواح خادمة.

وفي العبرانيين 2: 6–8، استشهد كاتب العبرانيين بـالمزمور 8: 4–6 وناقش مسألة تعيين الله البشرَ ليكونوا أقلّ من الملائكة، وذلك فقط إلى النهاية حين سيملك البشر، لا الملائكة، مع المسيح على كلّ الخليقة.

أمّا في العبرانيين 2: 13 فثمّة إشارة إلى إشعياء 8: 17–18. حيث تبرهن هذه الأعداد أنّ بركات تبرير الله سوف تكون من نصيب سلالة إبراهيم، أَي البشر وليس الملائكة.

وفي العبرانيين 6: 13–14، ذكر الكاتب قَسَم الله لإبراهيم الوارد في التكوين 22: 17، وبه برهن الله أنّ وعده لإبراهيم باقٍ ومستمرّ حتّى في أزمنة العهد الجديد.

وفي العبرانيين 12: 29، اقتبس الكاتب من التثنية 4: 24 واصفًا الله بالنار الآكلة. وقد ذكر هذا العدد ليدعم تعليمه ويؤكّد على أنّ الله لا يزال نارًا آكلة بعد المسيح.

وأمثلة مشابهة ترد في العبرانيين 4: 4–7، 8: 5، 9: 20، 10: 30–31، 10: 38، 13: 5. في هذه المقاطع كلّها، شدّد كاتب العبرانيين على كون بعض الآراء اللاهوتيّة التي نشأت في العهد القديم لا تزال حقيقة حتّى في أزمنة العهد الجديد.

رغم تشديد كاتب العبرانيين على كون يسوع أعظم من العهد القديم، إلّا أنّنا لا نرى في رسالته أي تقليل من قيمة العهد القديم، أو اعتباره من الماضي بحيث يمكن تجاهله ولا جدوى من قراءته بعد اليوم، بحجة أنْ عندنا يسوع. بل على العكس، نرى الكاتب يتعامل مع العهد القديم باحترام فائق؛ فهو مدركٌ أنّه كلمة الله. والأهمّ من ذلك هو أن العهد القديم يشكّل أساسًا لكلّ المفاهيم الهامة حول مَن هو يسوع. يسوع هو رئيس كهنة. ما معنى رئيس كهنة؟ هذا الأمر نشأ في العهد القديم. يقدِّم ذبيحة معيّنة. ما معنى الدمّ؟ ما معنى قدس الأقداس في المسكن؟ حسنًا، في العبرانيين هو يتكلّم عن المسكن السماوي، لكنّ هذا الأمر نشأ وأشير إليه بالمسكن الأرضي ومن ثمّ بهيكل سليمان. مواضيع شتّى حتّى على مستوى السلوك الشخصي سبق أن نشأت في العهد القديم، كسمة الإيمان على سبيل المثال في العبرانيين الفصل 11 التي اتصفت بها شخصيات عديدة من العهد القديم، أو المثال السيّء لأولئك الذين سقطت جثثهم في القفر في نهاية الفصل 3 من العبرانيين. [الدكتور دي. ايه.  كارسون]

فرائض أخلاقيّة

ثالثًا، أورد كاتب العبرانيين أيضًا فرائض أخلاقيّة ثابتة. يبيّن الكاتب، فيما يورده، أنّ الله كان قد وضع على شعبه مطالب أخلاقيّة معيّنة في زمن العهد القديم. وهذه الالتزامات لا بدّ أن تستمرّ مقياسًا أخلاقيًّا لشعب الله في أيّام العهد الجديد.

        على سبيل المثال، أشار الكاتب في العبرانيين 3: 7–15 إلى أنّ المزمور 95: 7–11 يعلّم شعب إسرائيل عدم التمرّد على الله.

        أمّا ما ورد في العبرانيين 12: 5–6 فيُظهر لنا أنّ ما جاء في الأمثال 3: 11-12 يحثّ شعب إسرائيل على عدم اليأس عند تأديب الله لهم.

وفي العبرانيين 12: 13 يعلّم الكاتب مستلمي رسالته أن يتبعوا كلام الأمثال 4: 26 ويتمسّكوا بمسالك الاستقامة.

وفي العبرانيين 13: 6، يقتبس الكاتب من المزمور 118: 6-7، ويحثّ مستلمي رسالته على إعلان ثقتهم في الله.

كلّ هذه المراجع تبيّن أنّ الفرائض الأخلاقيّة في العهد القديم لا تزال تنطبق بقوّة على أتباع المسيح.

النبوّات حول الأمور الأخيريّة

رابعًا، استشهد الكاتب بعددٍ من النبوّات حول الأمور الأخيريّة من العهد القديم.

في مقاطع عديدة، يتنبأ كتّاب العهد القديم عن “الأيّام الأخيرة”. يكتبون عمّا سيصنعه الله عندما سيعود شعب إسرائيل نهائيًّا من السبي وينتشر ملكوت الله الظافر في العالم أجمع. فيستخدم كاتب العبرانيين نبوّات عديدة عن الأيّام الأخيرة اقتبسها من العهد القديم ليظهر أنّ دينونة الله وبركاته النهائيّة قد تحقّقت في المسيح.

على سبيل المثال، يقتبس كاتب العبرانيين 1: 6 من التثنية 32: 43 كما ترد في الترجمة السبعينيّة، وهي الترجمة اليونانيّة للعهد القديم. ويخبرنا في هذا العدد أنّ الملائكة سوف تسجد بخشوع حين يحقّق الله انتصاره النهائي على أعدائه.

بطريقة مماثلة، يقتبس الكاتب في العبرانيين 1: 10–12 من المزمور 102: 25–27. يتنبّأ هذا المقطع بأنّ الترتيب الحالي للخليقة، الذي تُعظَّم فيه الملائكة، سوف يزول في نهاية الأيّام.

ويقتبس الكاتب في العبرانيين 1: 13 من المزمور 110: 1 ليُظهر أنّ نبوّة داود عن السيادة الشاملة للابن الذي يأتي من نسله ترفع المسيح فوق الملائكة.

وفي العبرانيين 5: 6 و7: 17 يشير الكاتب إلى المزمور 110: 4، ويركّز على النبوّة القائلة بأنّ ابن داود لن يأخذ كهنوته الملكي بنفسه، لكن سيُعطى له من الله.

في العبرانيين 8: 8–12 يقتبس الكاتب من إرميا 31: 31–34. تتنبأ هذه الأعداد، أنّه بعد السبي، سينتصر العهد الجديد على مشكلة فشل الإنسان في العهد الذي قطعه الله مع موسى.

ويستشهد الكاتب في العبرانيين 10: 16-17 مرّةً أخرى بـإرميا 31 ليُظهر كيف أنّ العهد الجديد في المسيح أزال كلّ حاجة إلى المزيد من الذبائح.

كما يستعين الكاتب بنبوّات مشابهة عن الأيّام الأخيرة ونهاية الأزمنة أو الدهر الأخير (الأخيري)، في العبرانيين 7: 21، 10: 37، 12: 26.

المُثل العليا للسلالة الحاكمة

خامسًا، يشير الكاتب إلى عددٍ من المُثل العليا للسلالة الحاكمة التي وضعت لذرّيّة داود في المزامير.

تعبّر هذه المقاطع عن معايير الأمانة لله وخدمته التي يجب أن يلتزم بها كلّ فرد في سلالة داود الحاكمة. لكن في أحسن الأحوال، لم يعشْ المتحدرون من سلالة داود في العهد القديم، على مستوى هذه المعايير، إلّا جزئيًّا. فيشدّد كاتب العبرانيين على أنّ يسوع هو الإتمام الكامل والأسمى للمُثل العليا لبيت داود الملكي.

على سبيل المثال، في العبرانيين 1: 5، يقتبس الكاتب من المزمور 2: 7 ومن 2 صموئيل 7: 14. وهذه الأعداد تشير إلى أنّ الله اختار سليلًا لداود بصفته ابنه الملكي ليسود على الشعوب التابعة.

ويستشهد العبرانيين 1: 8-9 بالمزمور 45: 6–7. هذا المزمور الذي قيل في مناسبة زواج الملك يُشيد بمُلك الله على الجميع من خلال تمجيد ملك من سلالة داود يحبّ البرّ ويبغض الإثم.

ويشير الكاتب في العبرانيين 2: 11-12 إلى المزمور 22: 22. حيث تعهّد داود بأن يشارك بهجة تزكيته مع باقي شعب إسرائيل. وقد استخدم الكاتب هذا العدد ليُظهر أنّ يسوع قد حقّق بشكلٍ تامّ هذه السلالة النموذجية بـمشاركة تزكيته مع نسل إبراهيم.

وفي العبرانيين 10: 5–7، يشير الكاتب إلى المزمور 40: 6–8. في هذه الأعداد، تعهّد داود بـأن يكرّس كامل جسده لله بدلاً من ذبائح الحيوان. وقد طبّق الكاتب هذا الكلام على يسوع الذي كانت ذبيحة جسده على الصليب المثال الأعظم والتحقيق النهائي لهذا المثال.

نظرنا حتّى الآن في المحتوى المتكرّر في العبرانيين والذي يتضمّن الأيّام الأخيرة بيسوع والدعم الكتابي من العهد القديم لوجهات نظر الكاتب اللاهوتيّة. وها نحن في طور الاطلاع بإيجاز على ثالثٍ متكرّر: تحذيرات الكاتب لضرورة الثبات.

تحذيرات للثبات

إن كاتب الرسالة إلى العبرانيين يحض سامعيه على الثبات في الإيمان بطرقٍ عديدة. فيقتبس من العهد القديم أقوالًا شتّى كلّها تُنبئ عن استمرارّ الله في إنجاز مقاصده، لا سيما في هذه الأيام الأخيرة، من خلال ابنه. والأمثلة حول الذين قاسوا الاضطهاد وظلّوا أمناء، لا سيما أولئك المذكورين في الفصل 11 من العبرانيين، يشكّلون نموذجًا عظيمًا عن الثبات. وعلى رأسهم بالطبع، المسيح نفسه، “الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزي”، لكي يربح السماء – وهو مثال يجب على المسيحيين اليوم أن يقتدوا به. [الدكتور سيمون فيبير]

ذكرنا في درسنا السابق أنّ كاتب العبرانيين في العبرانيين 13: 22، يصف رسالته بـ”كلمة وعظ”. وهي تحتوي على حوالي 30 تحذيرًا واضحًا، وذلك يتوقف على طريقة عدّك لهذه التحذيرات. وكما سنرى، إنّ كلاًّ من هذه التحذيرات تطرّقت إلى مسألة محدّدة، لكنّها هدفت جميعها إلى مناشدة القرّاء الأوّلين على الثبات في ولائهم للمسيح.

في هذه المرحلة من درسنا، نحتاج إلى أن ننظر إلى ميزتَين أساسيتين في تحذيرات الكاتب لضرورة الثبات. أوّلًا سنعلّق على الاستجابات التي أمل الكاتب أن يحدثها في القراء. وثانيًّا، سنلاحظ الحوافز التي قدّمها لمستلمي رسالته لكي يثبتوا. لننظر أولاً إلى أنواع الاستجابات التي رغب الكاتب أن يحدثها في مستلمي رسالته.

الاستجابات

إحدى أهمّ الميّزات في كتاب العبرانيين هي مدى الاستجابات التي استحثها الكاتب في مستلمي رسالته. عندما نتعامل مع لغة قديمة كلغة العهد الجديد اليونانيّة، يتعذّر علينا في أغلب الأحيان أن نميّز الفروقات الدقيقة في معنى عباراتٍ معيّنة. لذا سنحصر اهتمامنا ببعض الأمثلة الواضحة نسبيًّا. بشكلٍ عام، حثّت تحذيرات الكاتب قرّاءه على تطبيق رسالته على حياتهم عاطفيًّا وذهنيًّا وسلوكيًّا. وكان من الضروري بالنسبة لمستلمي رسالته لكي يثبتوا أن ينتبهوا إلى مجموعة الاستجابات هذه.

أولاً، غالبًا ما كانت تحذيرات كاتب العبرانيين لقرّائه تطال النواحي العاطفيّة لإيمانهم. في العبرانيين 3: 8–15 يقول، “لا تُقسّوا قلوبكم”. وفي العدد 13 من الفصل عينه نقرأ، “عِظُوا أَنْفُسَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ، … لِكَيْ لاَ يُقَسَّى أَحَدٌ مِنْكُمْ”. وفي المقطع التالي، من 4: 1 يقول الكاتب، “لنكن حذرين” أو بالمعنى الحرفي- الذي يتلاءم مع السياق – “فَلْنَخَفْ من ألّا ندخل راحة الله”. ويشجّع القرّاء في 4: 16 بقوله فَلْنَتَقَدَّمْ “بِثِقَةٍ”، أو بجرأة إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ عَوْنًا. ويناشدهم في 10: 22 بقوله “لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِق فِي يَقِينِ الإِيمَانِ”. وفي 10: 35 يحذّرهم قائلاً “لا تطرحوا ثقتكم” أو شجاعتكم.

وبقدر ما كانت هذه الناحية العاطفيّة مهمّة لدى كاتب العبرانيين، كان يعظ مستلمي رسالته بأن يطبّقوا كلامه على المستوى الذهني. وكان يرغب في أن تؤثّر كلماته الموحى بها من الله في تعاليمهم ومعتقداتهم اللاهوتيّة. على سبيل المثال، في العبرانيين 2: 1 يدعو قرّاءه لـ”يتنبّهوا أكثر” إلى ما سمعوه. وفي 3: 1 يحثّهم على “أن يثَّبتوا أفكارهم على يسوع”. ويشجَّعهم في 6: 1 أن “يتركوا كَلاَمَ بَدَاءَةِ الْمَسِيحِ” وينموا في المعرفة والفهم.

من اللافت للنظر أنّ كاتب العبرانيين لم يشدّد في البداية على عناصر سلوكيّة محدّدة. بالتأكيد كان لتحذيراته في أغلب الأحيان تأثيرات سلوكيّة، إلّا أنّ معظم عظاته السلوكيّة الواضحة تركزت في نهاية رسالته. في العبرانيين 12: 16 حذّر قرّاءه من “أن يكون أحدٌ زانيًا”. وفي 13: 1–19 تكلّم عن أمور مثل الضيافة، والزواج، والاعتراف باسم المسيح، وفعل الخير.

إنّ مجموعة هذه التحذيرات تُظهر طُرُقًا متنوّعة أراد كاتب العبرانيين من خلالها أن يتفاعل قرّاؤه مع محتوى رسالته. فمن الواضح أنّه كان من الضروري أن يكونوا مدركين لحقيقة عواطفهم، ومفاهيمهم وسلوكيّاتهم إن كانوا يرغبون في أن يثبتوا في ولائهم للمسيح وخدمته.

رأينا أنّ تحذيرات كاتب العبرانيين لـ ضرورة الثبات أدت إلى مجموعة من الاستجابات. لنلاحظ الآن كيف يقدّم الكاتب حوافز إيجابيّة وسلبيّة للتشجيع على الثبات.

الحوافز

من جهة، يجعل الكاتب العديد من تحذيراته مرتبطة بـحوافز إيجابيّة. فمثلاً في العبرانيين 4: 13–16 يشير إلى قبول النعمة والعون من المسيح. وفي 13: 16 يريد الكاتب تحفيز قرّائه بإخبارهم أنّ ثمّة أعمالًا تُسرّ الله. ومن وقت لآخر يتكلّم كاتب العبرانيين عن المكافآت الأبديّة كحافز لهم على العيش بأمانة. على سبيل المثال، يقول الكاتب في العبرانيين 10: 35:

فَلاَ تَطْرَحُوا ثِقَتَكُمُ الَّتِي لَهَا مُجَازَاةٌ عَظِيمَةٌ (العبرانيين 10: 35).

لكن من جهة أخرى، غالبًا ما يستخدم كاتب العبرانيين حوافز سلبيّة لتحذير قرّائه. وهذه التحذيرات كانت بالدرجة الأولى تهديدات وتنبيهات من الدينونة الإلهية. على سبيل المثال، في العبرانيين 2: 2-3، يذكر الكاتب أنّ أولئك الذين عصوا الملائكة قد نالوا جزاءهم. فكيف يتوقّع أولئك الذين أهملوا كلمة الخلاص في المسيح أن ينجوا من حكم الله؟ وينبّههم في 6: 4–8 قائلاً إنّ كلّ من سقط “هو قريب من اللعنة”. وفي 10: 26–31 يحذّرهم بهذه الكلمات: “بَلْ قُبُولُ دَيْنُونَةٍ مُخِيفٌ، وَغَيْرَةُ نَارٍ عَتِيدَةٍ أَنْ تَأْكُلَ الْمُضَادِّينَ”.

إن الحاجة إلى الثبات في المسيح هي أحد أهمّ المواضيع في الرسالة إلى العبرانيين. ليس بإمكانك أن تقرأ الرسالة إلى العبرانيين بما فيها من تحذيرات ووعظٍ دون أن تستنتج أنّ الكاتب يحضّ قرّاءه على الثبات في المسيح والاستمرار في الإيمان، وألّا يرتدوا عن المسيح، بل أن يتقدّموا أكثر في الحياة المسيحيّة. لكن كيف يفعل الكاتب ذلك؟ يفعل ذلك إذ يوازن بين التشجيع والتحدي بشكلٍ رائع، وهذان وجهان لعملةٍ واحدة. وأيضًا على الصعيد التشجيعي، تشتهر الرسالة إلى العبرانيين بالمقابلة بين المسيح وبين رموز العهد القديم وشعبه وعهوده. فالمسيح أعظم من موسى؛ ويُعطي شعبه راحةً أفضل. هو كاهن أعظم؛ ويقدّم ذبيحة أعظم. إلّا أنّ الوجه الآخر أيضًا، هو التحذيرات. وعمل التحذيرات في الرسالة إلى العبرانيين هو لتنبيه القُرّاء المسيحيّين وجعلهم متيقظين إلى أنّه إن لم يثبتوا في المسيح، وإن أشاحوا بوجوههم عنه، وإن لم يسلكوا معه ويبقوا عيونهم مثبتة فيه، وهم يعلمون من هو بكلّ بهائه ومجده – وبأنّه ربّ المجد، ورئيس الكهنة الأعظم الذي أتى – انطلاقًا من هذا كلّه، لا يوجد خلاص خارج المسيح. إذًا من خلال التشجيع والتحذير معًا، استطاع الكاتب أن يبثّ جوًّا من الدعم الإيجابي، بالإضافة أيضًا إلى نوع من التأثير السلبي ليجعلنا نستمرّ في سباقنا، فلا ننظر إلى الوراء بل نبقي أعيننا مثبّتة على يسوع، رئيس إيماننا ومكمّله. [الدكتور ستيفن جي. ويلوم]

إنّ التهديدات بالدينونة التي يوجّهها كاتب العبرانيين إلى قرّائه غالباً أقلقت المفسّرين لأنّها تبدو كما لو كان من الممكن أن يخسر المؤمنون الحقيقيون خلاصهم. ورغم أنّ الوقت لا يسمح لنا هنا بمناقشة هذه المسألة اللاهوتيّة بشكلٍ أعمق، فإنه من المُجدي أن نعلّق على ناحيتين مهمّتين في هذه المسألة.

أوّلاً علينا أن نُبقي في ذهننا أنّ الرسالة إلى العبرانيين ليست كتاب علم لاهوت نظاميّ. ونعني بذلك، أنّ الكتاب المقدّس يستخدم مصطلحات، حتى مصطلحات عن الخلاص، بتنوع أكثر من تلك التي يستخدمها اللاهوتيون المسيحيون أو التي عرفها التقليد اللاهوتي. في الواقع، تميل كلّ فروع الكنيسة إلى استخدام مفردات لاهوتيّة معيّنة بطريقة أضيق من الطرق التي استُخدمت فيها هذه المفردات في النصوص الكتابية. وهذه الممارسة لا بد منها إن كنّا نريد أن نحصل على أنظمة لاهوتيّة واضحة، غير مربكة. غير أنّ هذه المقاربة تشكّل خطرًا لدى القارئ الذي يسهل عليه أن يقرأ في الرسالة إلى العبرانيين تعريفاته الخاصة الضيقة للكلمات والعبارات. ويبدو هذا الخطر جليًّا بصورة خاصة عندما نأتي إلى فهم الطريقة التي يصف بها كاتب العبرانيين أولئك المرتدّين عن الإيمان أو الذين ابتعدوا عن المسيح.

من جهة، من المفيد أن نذكر أنّ كاتب العبرانيين لم يصف قطّ المرتدّين بكونهم “قد تبرروا”. ففي العهد الجديد، اقتصر استخدام هذا التعبير دائمًا على المؤمنين الحقيقيين. لكن من جهة أخرى، استخدم كاتب العبرانيين بعض المصطلحات التي غالبًا ما يستخدمها الإنجيليون للمؤمنين الحقيقيين فقط، حتى وإن لم تستخدم في العهد الجديد بهذا المعنى. على سبيل المثال، في العبرانيين 6: 4–6، يحذّر الكاتب قراءه فيقول:

لأَنَّ الَّذِينَ اسْتُنِيرُوا مَرَّةً، وَذَاقُوا الْمَوْهِبَةَ السَّمَاوِيَّةَ وَصَارُوا شُرَكَاءَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَذَاقُوا كَلِمَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ وَقُوَّاتِ الدَّهْرِ الآتِي … وَسَقَطُوا. (أو يمكن أن يسقطوا) (العبرانيين 6: 4–6).

والصعوبة هنا، هي أن الكثيرين بيننا يستخدمون هذه العبارات وأخرى تشبهها من مفردات لاهوتية تقنية ليصفوا بها المؤمنين الحقيقيين دون سواهم. أمثلة أخرى ترِد في العبرانيين 10: 29 حيث يوصف المرتدّون بكونهم “تقدسوا” بدم العهد. أو في 10: 32 حيث يرد أنّهم “أنيروا”.

في الواقع، يستخدم العهد الجديد وصفًا مشابهًا لأولئك الذين يشتركون في ما يسمّيه اللاهوتيّون غالبًا “الكنيسة المنظورة”. وهذا مختلف تمامًا عن “الكنيسة غير المنظورة”، أو جماعة المؤمنين الحقيقيين. فالذين هم جزء من الكنيسة المنظورة ينتمون إلى الكنيسة في الظاهر، ولكن ليس بالضروري روحيًا من الداخل. وهذا التمييز ضمن الكنيسة يشبه الطريقة التي تميّز بها رسالة رومية 2: 28-29 بين اليهودي “في الظاهر” فقطphaneros φανερός – فانيروس في اليونانية – الذي يحمل في جسده علامة الختان الخارجية، واليهودي “من الداخل”- kruptos κρυπτός كروبتوس في اليونانية-المختون القلب.

ثانيًا، لا بدّ أن نتذكّر دائمًا أنّ التهديد بالدينونة الإلهية لأولئك المرتدّين عن الإيمان لا يقتصر على العبرانيين. إذ نرى تهديدات مماثلة في 1 كورنثوس 10: 1–13 و2 بطرس 2: 12 و22. بالإجمال، يعلّم العهد الجديد أنّ من كان له إيمانٌ خلاصيٌ بيسوع المسيح سوف يثبت إلى النهاية. أمّا أولئك الذين يرفضون المسيح تمامًا يُظهرون أنّ إيمانهم لم يكن يومًا إيمانًا خلاصيًّا. بل على العكس، كان إيمانهم ما يدعوه اللاهوتيون غالبًا بالإيمان “المؤقّت” أو “الإيمان الزائف”. كذلك يرد شرح في رسالة 1 يوحنا 2: 19 عن المرتدّين:

مِنَّا خَرَجُوا، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا. لَكِنْ لِيُظْهَرُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا جَمِيعُهُمْ مِنَّا (1 يوحنا 2: 19).

في كلّ وقت يتنكّر أحدهم للإيمان المسيحي، يُظهر أنّه لم يكن ينتمي حقيقة إلى الكنيسة غير المنظورة.

ثمّة خمسة مقاطع تحذيريّة في العبرانيين، كلّها لها غاية واحدة. وبالتالي يمكننا أن نتناول التحذيرات، في الجمع، كما لو أنّ لها غاية رئيسيّة واحدة بسيطة جدًّا على المستوى الرعوي. يريد الكاتب أنّ كلّ واحدٍ في الجماعة يثبت في المسيح ويتبعه. وهنا لا بدّ أن نوضّح بعض النقاط. هذه تحذيرات حقيقيّة وليست افتراضية. لم ترد فقط كأسلوب للتخويف. فهو يخاطبهم كما يخاطب راعٍ جماعته صباح الأحد، لكنه ليس كلّي المعرفة. فهو لا يعرف الحالة الأبديّة التي ستكون من نصيب كلّ فرد في كنيسته. هو يعرف أنّهم يعلنون إيمانهم بالمسيح، لكن في الحقيقة، وفق لاهوت العهد الجديد، الوقت وحده كفيل بأن يبيّن إن كان إيمانهم حقيقيًّا. وفي 1 يوحنا 2: 19 نجد مثلًا على ذلك في أولئك الذين تركوا الإيمان، تركوا مجتمع المؤمنين، وبخروجهم منه أظهروا أنّهم لم يكونوا يومًا منه. وفي العبرانيين يخاطب الكاتب أولئك الذين أعلنوا إيمانهم بالمسيح، لكن الوقت وحده سيكشف لنا إن هم عرفوه حقًّا. [الدكتور باري جوسلين]

في درسنا حول محتوى وبنية الرسالة إلى العبرانيين، رأينا ثلاثة عناصر للـمحتوى المتكرّر في الكتاب. فلنتّجه الآن إلى الموضوع الرئيسي الثاني لدرسنا: البنية الإنشائية الأدبية لرسالة العبرانيين.

  • دليل الدراسة
  • الكلمات المفتاحية

القسم الأول: المحتوى المتكرر

مخطط لتدوين الملاحظات

المقدمة

2. المحتوى المتكرر

أ. الأيام الأخيرة في يسوع

ب. دعم من العهد القديم

1. خلفيّات واقعيّة

2. آراء لاهوتيّة

3. فرائض أخلاقيّة

4. النبوّات حول الأمور الأخيريّة

5. المُثل العليا للسلالة الحاكمة

ج. تحذيرات للثبات

1. الاستجابات

2. الحوافز

أسئلة المراجعة

1. ما هو القصد الرئيسي للكاتب من كتابة رسالة العبرانيين؟

2. ما هو “الإسخاتولوجي”؟

3. تأكد من أنك تعرف التعليم الموجود في العبرانيين 1: 1-2. لاحظ شرح الدرس عن أهمية هذه الأعداد.

4. صف نتائج تمرد إسرائيل في العهد القديم. ما الشعب الذي استخدمه الله لسبي المملكة الشمالية؟ ومن استخدمهم لسبي يهوذا؟ تحت أي طغيانٍ عانت إسرائيل لمدة خمسة قرونٍ؟

5. ما الذي كانت المجتمعات اليهودية تتوقعه خلال فترة ما بين العهدين القديم والجديد؟

6. ما الذي كان يعنيه اليهود بتعبير “هذا الدهر” و”الدهر الآتي”؟

7. كم عدد المراحل التي قسم بها الشعب اليهودي التاريخ؟ على كم مرحلة سيُحقق المسيا الأيام الأخيرة، بحسب كاتب العبرانيين؟

8. اشرح بتعبيرات عامة كيف استخدم كاتب العبرانيين العهد القديم. ما المفاهيم اللاهوتية من العهد القديم التي أشار إليها. هل اعتبر أن الفرائض الأخلاقية للعهد القديم مازالت معيارية لشعب الله في زمان العهد الجديد؟

9. فيمن تتحقق نبوّات العهد القديم حول الأمور الأخيريّة؟

10. بحسب الدرس، توقع كاتب العبرانيين أن يطبق مستمعيه هذه الرسالة في ثلاثة جوانب. ما هي؟

11. كيف يتجاوب الدرس مع قلق أن بعض المقاطع في رسالة العبرانيين تبدو وكأنه من الممكن للمؤمنين أن يفقدوا خلاصهم؟ اشرح كيف أن 1 يوحنا 2: 19 يساعد في الإجابة على هذا السؤال.

12. بحسب الدرس، هل يعلم العهد الجديد أن من لهم الإيمان الذي يخلص في المسيح سيثبتون للنهاية؟

أسئلة التطبيق

1. ما الذي تعنيه (عبرانيين 1: 1- 2) لك شخصيًا؟ ما الذي يقوله لك عن أهمية التركيز على يسوع وعلى إعلانه؟

2. ما الذي يمكننا أن نتعلمه من حقيقة أن الشعب اليهودي لم يفهم بالضبط كيف سيُحضر المسيا الأيام الأخيرة؟

3. ما الذي يمكننا أن نتعلمه من القيمة التي وضعها كاتب العبرانيين على العهد القديم؟ ما كان توجهك تجاه العهد القديم؟ هل غير هذا الدرس من توجهك؟

4. هل تراعي الجوانب الثلاثة كلها عندما تطبق كلمة الله على حياتك (المشاعر، والمفاهيم، والسلوك)؟ أي جانب هو الأضعف؟ كيف يمكنك أن تحسن من هذا الجانب؟

5. هل تعتقد أنه يمكنك أن تخسر خلاصك؟ هل ساعدك هذا الدرس على فهم تعليم رسالة العبرانيين حول هذا الأمر؟ هل يفيد 1يوحنا 2: 19؟ اشرح.

AJAX progress indicator
Search: (clear)
Nothing found. Please change the filters.
الاختبارات
الرسالة إلى العبرانيين - الدرس الثاني - الامتحان الأول
Previous القسم
Back to الدرس
Next القسم

انجازك في الدورة

0% Complete
0/17 Steps

محتوى الدورة الدراسية

الدورة Home عرض الكل
ابدأ هنا- مخطط الدورة الدراسية
الدرس الأول: خلفية العبرانيين والقصد من كتابتها
5 الأقسام | 4 الاختبارات
تحضير الدرس الأول
الرسالة إلى العبرانيين – الدرس الأول – القسم الأول
الرسالة إلى العبرانيين – الدرس الأول – القسم الثاني
الأسئلة التعبيرية
الأسئلة المقالية
الدرس الثاني: المحتوى والبنية
5 الأقسام | 5 الاختبارات
تحضير الدرس الثاني
الرسالة إلى العبرانيين – الدرس الثاني – القسم الأول
الرسالة إلى العبرانيين – الدرس الثاني – القسم الثاني
الأسئلة التعبيرية
الأسئلة المقالية
الدرس الثالث: القراءات المطلوبة
3 الأقسام | 4 الاختبارات
متطلبات القراءة 1
متطلبات القراءة 2
متطلبات القراءة 3
العودة إلى الرسالة إلى العبرانيين

Copyright © 2021 · Education Pro 100fold on Genesis Framework · WordPress · Log in