مساقات عبر الإنترنت Online Courses

  • التسجيل
  • تسجيل الدخول
الرئيسية / الدورات الدراسية / قانون إيمان الرسل / الدرس الثاني: الله الآب

قانون إيمان الرسل – الدرس الثاني – القسم الثاني

الدورات الدراسية قانون إيمان الرسل الدرس الثاني: الله الآب قانون إيمان الرسل – الدرس الثاني – القسم الثاني
الدرس Progress
0% Complete
 
  • الفيديو
  • الملف الصوتي
  • النص

الآب القدير
الاسم

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aAPC02_06.mp4

الأقنوم

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aAPC02_07.mp4
موضوعات ذات صلة
Does the Father's authority mean that he forces his will on the Son and the Holy Spirit?

الأبوة
الخالق
الملك

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aAPC02_08.mp4

رأس العائلة
القدرة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aAPC02_09.mp4
موضوعات ذات صلة
In what ways is God similar to and different from our earthly, human fathers?

غير محدودة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aAPC02_10.mp4
موضوعات ذات صلة
How can an unchangeable God change his mind?

فريدة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/video/aAPC02_11.mp4
  • الآب القدير
    الاسم
  • الأقنوم
  • الأبوة
    الخالق
    الملك
  • رأس العائلة
    القدرة
  • غير محدودة
  • فريدة

الآب القدير
الاسم

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aAPC02_06.mp3

الأقنوم

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aAPC02_07.mp3
Related Audio Does the Father's authority mean that he forces his will on the Son and the Holy Spirit?

الأبوة
الخالق
الملك

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aAPC02_08.mp3

رأس العائلة
القدرة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aAPC02_09.mp3
Related Audio In what ways is God similar to and different from our earthly, human fathers?

غير محدودة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aAPC02_10.mp3
Related Audio How can an unchangeable God change his mind?

فريدة

https://s3.amazonaws.com/thirdmill-amoodle/video/audio/aAPC02_11.mp3
  • الآب القدير
    الاسم
  • الأقنوم
  • الأبوة
    الخالق
    الملك
  • رأس العائلة
    القدرة
  • غير محدودة
  • فريدة

الآب القدير

ستنقسم مناقشتنا حول الآب القدير إلى أربعة أقسام. أولاً، سننظر إلى الطرق التي استُخدِم بها اسم “الآب” في الأسفار المقدسة. ثانياً، سنأخذ أقنوم الله الآب وعلاقته بالثالوث بعين الاعتبار. ثالثاً، سنستكشف طبيعة أبوته، أي الأمور التي يقوم بها في دوره كأب. ورابعاً، سنناقش قدرته. لِنتأمل أولاً باسم “الآب” كما هو مستخدمٌ لله في الأسفار المقدسة.

الاسم

يستخدم الإنجيل مصطلح “الآب” في ثلاثة معاني متميزة على الأقل. أولاً، إنه مُستخدَمٌ للإشارة لله كخالق كل شيء، ويمكننا رؤية مثال على استخدام العهد الجديد لهذا المعنى في رسالة كورنثوس الأولى 8: 6. ويدل الاستخدام الثاني لمصطلح الآب على علاقة الله بالمؤمنين نتيجةً لتبنّيهم كأبناء وبنات. وأخيراً يتم استخدام مصطلح الآب ليدل على العلاقة الفريدة الموجودة بين يسوع المسيح وأبوه. ويمكننا تلخيص هذه الاستخدامات الثلاثة كما يلي، يتحدث الاستخدام الأول عن الله كخالق، يتحدث الاستخدام الثاني عن الله كالفادي، ويتحدث الاستخدام الثالث بالتحديد عن أقنوم الآب وعلاقته بالابن. [د. كيث جونسون]

للأسف، يظن بعض المسيحيين خطأً، أنه في كل مرة يستخدم فيها الكتاب المقدس كلمة “آب”، فهو يتحدث عن الأقنوم الأول في الثالوث. لكن لم تُعلَن عقيدة الثالوث بوضوح حتى زمن العهد الجديد. وتوجد تلميحات هنا وهناك في العهد القديم، قد تشير إلى نوع من الإدراك للجمع في الألوهية. لكن غالباً ما يشدد العهد القديم على أُحادية الله. وهكذا، عندما يُدعى الله “آب” في العهد القديم، فإن الإشارة هي إلى الثالوث بكامله، وليس فقط إلى شخص واحد. ويشدّد استخدام كلمة “آب” بمعنى ما على أقنوم الآب. لكن مهمٌ أن نتذكر، أنه قبل الإعلان الواضح للعهد الجديد عن أقانيم الله الثلاثة، تم تطبيق كل المصطلحات المستخدمة لله، بما فيها اسم “الآب” على كل الثالوث إلى حد ما. ويشير مصطلح “الآب” إلى الألوهية بأكملها في فقرات مثل تثنية 32: 6، وإشعياء 63: 16، و64: 8. ومن أجل التوضيح، دعونا ننظر إلى مثل واحد فقط لهذا الاستخدام “للآب” في العهد القديم. سأل النبي في ملاخي 2: 10، هذين السؤالين:

أَلَيْسَ أَبٌ وَاحِدٌ لِكُلِّنَا أَلَيْسَ إِلهٌ وَاحِدٌ خَلَقَنَا. (ملاخي 2: 10)

لقد تم الحديث عن الألوهية بأكملها هنا – بما في ذلك الآب، الابن، والروح القدس – “كالآب” لأن الألوهية بأكملها شاركت في خلق البشرية. ويوضح العهد الجديد، أن كلاً من الآب، الابن، والروح القدس، لعب دوراً مختلفاً نوعاً ما. لكن لا تشير هذه الفقرة من العهد القديم، إلى فروق مميَّزة بين أقانيم الله. بدلاً من ذلك، إنها تنسب اسم “الآب” إلى الأقانيم الثلاثة بصورة جماعية بسبب دورهم في الخليقة.

ولتعقيد الأمور بشكل أكبر، وبينما اقتبس كتّاب العهد الجديد من العهد القديم، كان هناك أوقات أشاروا فيها إلى الثالوث بأكمله مستخدمين كلمة الآب بمعناها الواسع. على سبيل المثال، من المرجح أن الثالوث بأكمله مُوصوف “كالآب” في متى 5: 45 و6: 6-18، وأعمال الرسل 17: 24-29. ويُسمى الثالوث بأكمله في هذه الفقرات، “بالآب” لأسباب مختلفة. فقد تكون أحياناً بسبب مشاركة الألوهية بأكملها في خلق العالم. وفي أوقات أخرى، قد يكون بسبب كون أقانيم الله الثلاثة، المقياس الأخلاقي الذي يجب أن نتبعه. لنأخذ مرةً أخرى آية واحدة فقط على سبيل التوضيح. نقرأ في يعقوب 1: 17 هذه الكلمات:

كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ. (يعقوب 1: 17)

جادل يعقوب في الآية السابقة لهذه الآية، بأن شخص الله طاهرٌ أخلاقياً. وهكذا، كانت وجهة نظره هنا بأن كل شيء يأتي من الله هو صالح، وكل ما هو صالح يأتي من الله. وبما أن الأمور الصالحة تأتي من كل أقانيم إلهنا الثالوثي، غالباً ما يرى المفسّرون المسيحيون هذا، على أنه إشارة إلى الثالوث بأكمله. مرة أخرى، وكما هي الحال في العهد القديم، من المنطقي أن نرى تشديداً على أقنوم الآب هنا. لكن من المهم أن نؤكد أن الابن والروح القدس يوفّروا لنا عطايا جيدة أيضاً.

ومع ذلك، من الواضح أيضاً أن الأسفار المقدسة تستخدم كلمة آب بمعنىً آخر للإشارة إلى أقنوم الثالوث المُميَّز عن الابن والروح القدس. ونرى هذا في يوحنا 1: 14 و18؛ يوحنا 5: 17-26؛ غلاطية 4: 6 ورسالة 2 بطرس 1: 17. لننظر فقط إلى مثالَين لنوضح هذه النقطة. يميّز الرسول في رسالة 2 يوحنا 1: 9، بين الآب والابن عندما كتب هذه الكلمات:

كُلُّ مَنْ … َلَمْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ الْمَسِيحِ فَلَيْسَ لَهُ اللهُ. وَمَنْ يَثْبُتْ فِي تَعْلِيمِ الْمَسِيحِ فَهذَا لَهُ الآبُ وَالابْنُ جَمِيعاً. (2 يوحنا 1: 9)

وميّز يسوع في يوحنا 14: 16-17، بين الآب والروح القدس، عندما أكد لرسله ما يلي:

وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ رُوحُ الْحَقِّ. (يوحنا 14: 16-17)

بعد أن رأينا كيف استُخدِم اسم “الآب” في الأسفار المقدسة ليشير إلى الألوهية بأكملها، وكذلك إلى الأقنوم الأول في الثالوث، نحن مستعدين لننظر إلى أقنوم الله الآب في تميُّزه عن الأقنومَين الآخرَين في الثالوث.

الأقنوم

يمكن تفسير ارتباط الآب بالابن والروح القدس بعدة طرق. لكن برز في تاريخ اللاهوت، معيارين خاصَين عن الثالوث. فقد كان استخدام مصطلحَي الثالوث الوجودي والثالوث التدبيري شائعاً بشكل خاص. ويتحدث كلا الاقترابان عن الثالوث ذاته – الآب، الابن والروح القدس. لكنهما يشددان على نواحي مختلفة من العلاقة بين أقانيم اللاهوت الثلاثة.

فمن جهة، كان التحدث عن الثالوث الوجودي عند التركيز على وجود الله أمراً شائعاً. وتعني كلمة وجودي المتعلق بالوجود. وهكذا، عندما نتحدث عن الثالوث الوجودي، فإننا ننظر إلى الثالوث من جهة الوجود أو الجوهر. حيث نأخذ بعين الاعتبار الطريقة التي تتداخل فيها أقانيم الثالوث الثلاثة مع بعضها البعض، وكيف تتشارك في جوهر واحد.

ومن وجهة نظر علم الوجود، إن كل أقانيم الله الثلاثة غير محدودة، أبدية، وغير متغيِّرة. ولدى كل منها الصفات الإلهية الجوهرية ذاتها، كالحكمة، القوة، القداسة، العدالة، الصلاح والحق.

ومن جهة أخرى، نقول عادة أننا نتحدث عن الثالوث التدبيري، عندما نأخذ بعين الاعتبار كيف تتفاعل أقانيم الله، وترتبط مع بعضها البعض كأقانيم فردية. وتعني كلمة تدبيري العلاقة بإدارة المنزل. وهكذا، عندما نتحدث عن النواحي التدبيرية للثالوث، فإننا نصف كيفية ارتباط الآب، الابن والروح القدس مع بعضهم البعض كشخصيات فردية مُميِّزة.

وعندما ننظر إلى الثالوث من وجهة النظر التدبيرية، نجد أن لكل أقنوم مسؤوليات مختلفة، مستوى مختلف من السلطان، ودوراً معيّناً ومهمات مختلفة موكلة إليه. حيث يتشارك الآب، الابن، والروح القدس بأحاديث فيما بينهم. يتفقوا ويعملوا مع بعضهم البعض. ويتفاعلوا بعدة طرق أخرى.

يمكن القول من وجهتَي النظر الوجودية والتدبيرية أن الآب هو الأقنوم الأول. ويُسمّى الآب بالأقنوم الأول في الثالوث الوجودي لأن الابن مولود من الآب، والروح القدس منبثق من الآب. اصغ لكلمات رسالة يوحنا الأولى 4: 9 فيما يتعلق بولادة الابن:

بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. (1 يوحنا 4: 9)

تأتي كلمة الوحيد من الكلمة اليونانية “monogenes“، وغالباً ما تترجم المولود الوحيد. وللأسف، ظن بعض الأشخاص في الكنيسة الأولى أن هذا يعني أن الابن مخلوق وليس إلهياً بالكامل. وحتى في يومنا هذا، تُنكر بعض البدع لاهوت الابن لأنه يدعى “مولود”.

ولمواجهة هذا التعليم الخاطئ، قال المسيحيون بشكل تقليدي أن الابن مولود أزلي أو مولود قبل كل الدهور من الآب. ويشدد هذان المصطلحان على عدم وجود وقت لم يكن فيه الابن موجوداً. اصغِ إلى الطريقة التي تكلم فيها يسوع عن انبثاق الروح في يوحنا 15: 26:

وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ فَهُوَ يَشْهَدُ لِي. (يوحنا 15: 26)

تُترجِم كلمة ينبثق الكلمة اليونانية “ekporeuomai”، وغالباً ما تعني صدر من. ويتم فهم هذه الآية عادةً كإشارة إلى مصدر وجود الروح القدس.

 للأسف، قادت فقرات كهذه بعض الأشخاص ليستنتجوا خطأً، أن الروح القدس ليس أبدياً أو إلهياً بالكامل. ولهذا، كان اللاهوت المسيحي التقليدي حذراً في الإصرار على كون الروح القدس عضواً كاملاً في الثالوث، وعلى كونه إلهياً بالكامل، رغم أن أقنوميته تنبثق من الآب قبل كل الدهور.

بالإضافة إلى كونه الأقنوم الأول في الثالوث الوجودي، يُدعى الآب أيضاً الأقنوم الأول في الثالوث التدبيري. فمن وجهة النظر التدبيرية، يُعتَبر الآب “الأقنوم الأول” لأن له سلطان على الأقنومَين الآخرََين، وهذا يشبه سلطان الأب البشري على أهل بيته إلى حد بعيد.

نجد سلطان الآب على الابن في عدة نواح. على سبيل المثال، يفعل الابن مشيئة الآب كما نتعلم في يوحنا 6: 40. ويستمد الابن سلطانه وملكوته من الآب وذلك حسب فقرات مثل أفسس 1: 20-22. في الواقع، تخبرنا الأسفار المقدسة مراراً أن مُلك الابن خاضع لمُلك الآب. ونرى ذلك في الفكرة المتكررة بأن يسوع يجلس عن يمين الله، أي عن يمين عرش الله كما في مزمور 110: 1 وعبرانيين 1: 3. إن يمين الله بلا شك مكان الشرف والسلطان، لكنها ليست العرش بحد ذاته. وفي النهاية سيسلّم الابن ملكه إلى الآب كما يعلّم بولس في رسالة كورنثوس الأولى 15: 24. باختصار، إن للآب سلطان على الابن في الثالوث التدبيري.

 إن السؤال عن العلاقة بين الآب والابن وممارسة كل السلطة معقدٌ. لكنه يتعلق حقاً بالتمييز بين الأدوار التي يلعبها الآب والابن داخل الثالوث. والحقيقة أن الابن في دوره يتبع الآب طوعاً. فقد جاء إلى الأرض ليُخضِع نفسه لمشيئة الآب ويمارس الآب كل السلطة. لكن في نفس الوقت، إنها علاقات محبةٍ، يحب فيها الآب الابن والابن يحب الآب ويسعى كلاهما لإرضاء وإكرام بعضهما البعض داخل الثالوث. [د. سايمن ڤايبرت]

وبصورة مشابهة، إن للآب سلطان على الروح القدس. على سبيل المثال، غالباً ما يُقال لنا أن الآب هو من يُرسِل الروح القدس، كما في لوقا 11: 13 وأفسس 1: 17. كما نتعلم أيضاً أن الآب هو من أيّد الابن بالروح القدس في أعمال الرسل 10: 38. إن الروح القدس، في كل الأسفار المقدسة، هو وكيل الآب في العالم، المُوجَّه لإتمام مشيئة الآب. كما أن للآب، في الثالوث التدبيري، سلطان على الروح القدس، تماماً كما أن له سلطان على الابن.

إن سلطة الآب هي سلطة محبة دائماً. كما أن سلطة الآب هي سلطة تحب الابن وترغب في تمجيده، تماماً كما أن الابن يرغب في تمجيد الآب. في النهاية، إذا اشترك الآب، الابن والروح القدس في المحبة العميقة، فإن فكرة وجود خلاف في المشيئة بين الآب، الابن والروح القدس تصبح نوعاً من الهزل بمعناً ما، لأنه إذا كان الابن والروح القدس يتوقان لإتمام مشيئة الآب للأبد، ويتوق الآب لتمجيد وإكرام الابن والروح للأبد، سيكون هناك اتحاد للمشيئة في حياة الله بشكل أساسي، أي اتحاد للحب؛ بسبب اتحاد الوجود في شركة الثالوث هذه. [د. ستيڤ بلاكمور]

بعد أن فهمنا كيفية استخدام اسم الآب في الأسفار المقدسة، وفي أقنوم الله الآب، نحن مستعدين للنظر في طبيعة أبوة الله للخليقة والبشرية.

الأبوة

قبل أن نصف أبوة الله بالتفصيل، يجب أن نتوقف قليلاً للإشارة إلى أن عدداً كبيراً من الأسفار المقدسة التي تتحدث عن أبوة الله، تأتي من العهد القديم، أي من الفترة التي سبقت إعلان الله عن طبيعته الثالوثية. وتشير كلمة “آب” أولاً وبصورة رئيسية، في هذه الفقرات، إلى الثالوث بأكمله وليس إلى أقنوم الآب فقط. ومع ذلك، يربط العهد الجديد أبوة الله بصورة رئيسية بأقنوم الآب. ولهذا، يحق لنا أن نرى في نصوص العهد القديم هذه، تشديداً على أقنوم الآب.

إن لأبوة الله عدة نواح يمكننا أن نناقشها. لكننا سنركّز على ثلاث من أكثر أفكار الأسفار المقدسة بروزاً. أولاً، سنأخذ بعين الاعتبار دور الآب كخالق. ثانياً، سننظر إلى أبوته من حيث علاقتها بمركزه كملك على خليقته وشعبه. وثالثاً، سنركّز على فكرة أن الآب هو رأس العائلة على شعبه. سنبدأ باستكشاف دوره كخالق باعتباره جانباً من جوانب أبوته.

الخالق

وبالمعنى الأوسع، تشير الأسفار المقدسة أحياناً إلى الله بصفته أبٌ لكل ما خلقه. ونجد ذلك على سبيل المثال، في فقرات مثل تثنية 32: 6، إشعياء 43: 6 -7 و64: 8، ملاخي 2: 10، ولوقا 3: 38. اصغِ مثلاً لكلمات بولس للأثينيين في أعمال الرسل 17: 26 و28:

وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ… كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضاً لأَنَّنَا أَيْضاً ذُرِّيَّتُهُ. (أعمال الرسل 17: 26 و28)

بولس اقتبس هنا من الشاعرَين الوثنيَين كلينثس وأراتُس، اللذَين قالا إن زيوس هو أب البشر لأنه خلقهم. وبالطبع، أصرّ بولس على أن إله الكتاب المقدس هو الخالق الحقيقي، وليس زيوس. لكنّ بولس أكد أيضاً الفكرة القائلة، بأن من يخلق شيئاً يصبح أباً له.

لقد كُتِبَ الكتاب المقدس بلغة بشرية. وغالباً ما يتم التعبير عن علاقتنا البشرية بالله بالنسبة للعلاقة بين أبٍ وأولاده. وتمثّل أُبوة الله في هذا السياق، أصلنا وسلطته. [د. پول تشانچ]

وكما أن الآباء البشريين صبورين مع أولادهم، فإن أبوة الله للخليقة تحثه على إظهار صبرٍ كبيرٍ مع عالمنا الساقط، ومع البشرية الخاطئة بصورة خاصة. هذا لا يعني، أنه سيمنع الدينونة عن الخليقة. لكنه يساعدنا في تفسير لماذا هو بطيءُ الغضب وسريعٌ في إظهار الرحمة. كما نقرأ في مزمور 145: 8-9:

اَلرَّبُّ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ. الرَّبُّ صَالِحٌ لِلْكُلِّ وَمَرَاحِمُهُ عَلَى كُلِّ أَعْمَالِهِ. (مزمور 145: 8-9)

بعد أن نظرنا إلى دور الله كخالق، نحن مستعدون الآن لننظر كيف أن دوره كمَلِك مرتبط بأبوته.

الملك

كان من الشائع في الشرق الأدنى القديم، أن يشير الناس إلى ملوكهم البشريين بصفتهم آباء لهم، وأن يشير الملوك إلى شعبهم كأولادهم. وغالباً ما تظهر هذه اللغة في الأسفار المقدسة أيضاً. على سبيل المثال، أشار بنو إسرائيل إلى داود كأبيهم، لأنه كان ملكهم. وبالطبع، كان بعض الإسرائيليين أنسالٌ لداود بشكل مباشر، ولهذا كان داود جدهم بالمعنى الحرفي. لكن عندما يشير الشعب بأكمله إلى داود كأبيهم، فهم يعنون أنه كان ملكهم. اصغِ إلى مرقس 11: 10، عندما هتفت الحشود بهذه الطريقة:

مُبَارَكَةٌ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ الآتِيَةُ. (مرقس 11: 10)

إن أبوة داود على إسرائيل هنا، مرتبطةٌ بمُلكه بوضوح. وبصورة مشابهة، سبحّت الكنيسة الله في أعمال الرسل 4: 25-26، بهذه الكلمات:

الْقَائِلُ بِفَمِ دَاوُدَ فَتَاكَ لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الأُمَمُ وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ بِالْبَاطِلِ. قَامَتْ مُلُوكُ الأَرْضِ وَاجْتَمَعَ الرُّؤَسَاءُ مَعاً عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ. (اعمال الرسل 4: 25-26)

لقد دعي داود أباً لإسرائيل مرة أخرى، لأنه كان مسيح الرب، أي المَلِك الذي جلس على عرش الرب وقاد إسرائيل في معركة ضد شعوب الأعداء. لكن لماذا أشار القدماء إلى الملوك كآباء لهم؟

لقد دعا الملوك أنفسهم في العالم القديم بآباء لأنهم كانوا يصوّرون أنفسهم كالأبويين. في الواقع، كان معظم هذا مجرد دعاية، لأن الملوك في العالم القديم خدموا أنفسهم أكثر من خدمة شعبهم. لكن في نفس الوقت، عندما أعلن الله عن نفسه لبني إسرائيل، استخدم هذه الطريقة الشائعة في التفكير بالملوك كآباء. وفي حالة كون الله أبونا، فإن ذلك ليس دعاية، إنه الحقيقة. وهكذا فهو الآب لإمبراطورتيه كلها، الآب لملكوته. [د. ريتشارد پرات، الابن]

وكما دُعي الملوك البشر آباءٌ لشعوبهم. هكذا دعي الله “أباً”، لأنه كان الملك العظيم الذي حكم على كل ملوك العالم، ولأنه حَكَمَ مباشرة على شعبه المختار، إسرائيل. اصغِ إلى الطريقة التي يتكلم فيها إشعياء 63: 15-16 عن أبوة الرب:

تَطَلَّعْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَانْظُرْ مِنْ مَسْكَنِ قُدْسِكَ وَمَجْدِكَ. أَيْنَ غَيْرَتُكَ وَجَبَرُوتُكَ. زَفِيرُ أَحْشَائِكَ وَمَرَاحِمُكَ نَحْوِي امْتَنَعَتْ. فَإِنَّكَ أَنْتَ أَبُونَا… أَنْتَ يَا رَبُّ أَبُونَا وَلِيُّنَا مُنْذُ الأَبَدِ اسْمُكَ. (إشعياء 63: 15-16)

تم الإشارة إلى الله هنا كالأب لأنه يجلس في مَسْكَنه السماوي، ويسود على كل الخليقة بصورة عامة، وعلى إسرائيل ويهوذا بصورة خاصة. وتظهر هذه الأبوة على وجه الخصوص من خلال الالتماس من الملك الإلهي ليقود جيشه في المعركة، ويفدي شعبه بهزيمة أعدائهم.

إن معرفتنا بأن ملكنا الإلهي يهتم بنا بنفس الطريقة التي يهتم بها الأب بأولاده، يجب أن تعطينا ثقة عظيمة وتعزية. إننا عاجزون بمفردنا عن الصمود في وجه الشرور في العالم. لكن ملكنا الإلهي يحبنا كأب بشري وهو مستعد لمساعدتنا.

في الواقع، كانت هذه إحدى الأفكار، التي علمها يسوع لتلاميذه في الصلاة الربانية، عندما علّمهم أن يصلوا أبانا الذي في السماوات. حيث تم الاعتراف بالله، في هذه الطلبة من الصلاة الربانية، كأب في السماء. إن صورة السماء واحدة في كل الكتاب المقدس: إنها عرش الله، أي المكان الذي يجلس عليه ويحكم فيه كملك. وهكذا، عندما طلب يسوع من تلاميذه أن يصلوا “أبانا الذي في السماوات”، أرادهم أن يصلوا لله كأبيهم المَلَكي، أي الملك الإلهي المتوج في السماء. إن ثقتنا بأن الله سيعطينا خبزنا اليومي، يغفر خطايانا، لا يدخلنا في التجربة، ويخلصنا من الشرير، هذه كلها تستند على حقيقة أن لملكنا المحب، القدرة والرغبة ليقوم بهذه الأمور.

بعد أن فهمنا حقيقة كون الله خالقاً وملكاً، نحن مستعدون لنتأمل في دوره كرأس للعائلة، كجانب من جوانب أبوته.

رأس العائلة

إن أحد الأمور المثيرة للاهتمام بالنسبة لي هو أن للاهوت مضامين رعوية دائماً. حيث يؤثر ما نؤمن به على نوعية الناس التي سنصبح عليها، وهذا صحيح بالنسبة لله الآب. وأعتقد أنه يعمل في كلا الاتجاهين، مع من كان لديهم أباء صالحين، ومع من لم يكن لديهم آباء صالحين. وقد كنت محظوظاً بأبي الصالح، وبالتالي لم أجد صعوبة في التفكير بالله كأبي السماوي. لكنني قابلت عبر السنين وعَملْت مع أشخاص كانت لغة الأبوة بالنسبة لهم سلبية صعبة. وهكذا، أعتقد أنه عندما نستكشف أبوة الله، حتى من جهة النقص، فإننا نبدأ بالتعلم أن قلب الله هو قلب مُعَدٌ من أجلنا، سواء عشنا التجربة مع آبائنا البشر أو لا. [د. ستيڤ هارپر]

كلنا على علم بمفهوم رأس العائلة. ويكون عادة أحد الوالدين، الجد، أو أي قريب يقود ويتخذ القرارات نيابة عن العائلة أو أهل البيت. في الواقع، غالباً ما تصف الأسفار المقدسة علاقة الله بشعبه بنفس هذه المصطلحات. نجد أحياناً في العهد القديم، تلميحات عن الله كرأس العائلة للجنس البشري. على سبيل المثال وصف موسى في تكوين 5: 1-3 علاقة الله بآدم بنفس الطريقة التي وصف فيها علاقة آدم بابنه شيث. لكن غالباً ما تم وصف الله في العهد القديم كرأس عائلة شعبه إسرائيل. ونرى ذلك في الاهتمام الذي يعطيه لشعبه في أماكن مثل تثنية 1: 31، مزمور 103: 13، وأمثال 3: 12. وكمثال واحد فقط، تأمل في كلمات الرب في هوشع 11: 1:

لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَماً أَحْبَبْتُهُ وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي. (هوشع 11: 1)

يصوّر الرب نفسه هنا كوالد أحَبَّ شعبه إسرائيل منذ طفولته.

كما نجد الله موصوفاً كرأس عائلة أمة إسرائيل في عدد 12: 7، حيث أشار الرب إلى موسى بهذه الطريقة:

وَأَمَّا عَبْدِي مُوسَى فَلَيْسَ هكَذَا بَلْ هُوَ أَمِينٌ فِي كُلِّ بَيْتِي. (عدد 12: 7)

إن الكلمة المترجمة بيت هي الكلمة العبرية [bayit]. إنها الكلمة التي أشارت عادة ليس لمبنى المنزل فحسب، بل للناس الذي يعيشون في ذلك المبنى أيضاً. ووُصِف موسى هنا كابن أو عبد، يسود على الشعب وممتلكات رأس البيت، مما يدل على أن الله هو رأس عائلة أمة إسرائيل.

وبالطبع، يستمر وصف الله كرأس عائلة شعبه في العهد الجديد. حيث علّم يسوع في متى 7: 9–11، ولوقا 11: 11-13، أن الآب يستجيب لصلواتنا بنفس الطريقة التي يوفّر بها الآباء البشر حاجات أولادهم. كما ونتعلم في يوحنا 1: 12-13 بالإضافة إلى رسالة يوحنا الأولى 2: 29 و3: 1، أن الآب يحبنا لأننا وُلدنا في عائلته. ونقرأ في عبرانيين 12: 5-10، أن الرب يؤدبنا من أجل صالحنا كما يؤدب الأب البشري أولاده. وفي مقاطع مثل رسالة تيموثاوس الأولى 3: 15 ورسالة بطرس الأولى 4: 17، يتم الإشارة إلى الكنيسة كبيت الله وعائلته.

أعتقد أن هناك مضامين رعوية هائلة في أبوة الله. وأعتقد أن أحد الأشياء التي نراها من البداية هو الله كالآب. وأعني بذلك أنها نظرة هائلة لما يشبهه الآب أي ما يشبهه الله في الأسفار المقدسة. وهكذا نجد من البداية أن العائلة هامة للغاية بالنسبة لله. وأعتقد أنه منذ تثنية 6 عندما قال الله اسمع، هذه هي الطريقة التي سأخلّد فيها ناموس الله ومحبته، وهي ستكون من خلال العائلات. وأعتقد أن الآباء حاسمين بالنسبة للعائلة. كما أعتقد أنه يمكنك إيجاد المضامين الرعوية هناك حول العالم، وحيث يكون الآباء أقوياء، تكون الثقافات أقوى. وعندما يكون الآباء ضعفاء في الثقافات، أي ضعفاء داخل الثقافات، سيكون لديك ضعف فعّال لا يمكن تبديله بالأمومة ببساطة. وهكذا، فإن الاختلال الوظيفي في الثقافة، يحدث عندما يكون لديك ضعف في مفهوم الأبوة وهذا سيحدث عندما يكون عندك مفهوم ضعيف لله الآب. [د. مات فريدمان]

بعد أن استكشفنا اسم الآب القدير، شخصه وأبوته، أصبحنا مستعدين للبحث في قدرته غير المحدودة لإتمام إرادته.

القدرة

انظر مرة أخرى إلى البند الأول من قانون إيمان الرسل الذي يقول:

أؤمن بإلهٍ واحدٍ، آبٍ قادر ٍعلى كل شيء،

خالق السماء والأرض.

عندما يقول قانون إيمان الرسل أن الله الآب قدير، يعني هذا أن له قدرة غير محدودة فريدة. ويتم الإشارة إلى قدرة الله في المصطلحات اللاهوتية التقليدية بكلمة omnipotence أي كلي القدرة وهي في الأصل omni أي كل وpotency أي قدرة. إن قدرة الآب غير محدودة لأن له القوة والقدرة لإنجاز ما يختاره. وهي فريدة لأنه هو وحده الذي يملك هذا النوع من القدرة.

سنتأمل في جانبَي قدرة الله الذَين ذكرناهما للتو: حقيقة كونها غير محدودة وحقيقة كونها فريدة. فلْنبدأ بطبيعة قوته غير المحدودة.

غير محدودة

تصف الأسفار المقدسة “الآب”، كشخصٍ يملك القدرة ليفعل ما يشاء. وهي تشرح هذه القدرة غير المحدودة بعدة طرق مختلفة. فهي تتحدث عنه كشخص يملك القدرة لخلق الكون وتدميره. حيث تقول أن لديه القدرة ليتحكم بالطقس، يهزم أعدائه في المعركة، يسود على الحكومات البشرية ويتحكم بها، يصنع معجزات عظيمة، وينقذ شعبه. اصغِ للطريقة التي وصف بها النبي إرميا الرب في إرميا 10: 10–16:

أَمَّا الرَّبُّ الإِلهُ فَحَقٌّ. هُوَ إِلهٌ حَيٌّ وَمَلِكٌ أَبَدِيٌّ. مِنْ سُخْطِهِ تَرْتَعِدُ الأَرْضُ وَلاَ تَطِيقُ الأُمَمُ غَضَبَهُ… صَانِعُ الأَرْضِ بِقُوَّتِهِ مُؤَسِّسُ الْمَسْكُونَةِ بِحِكْمَتِهِ وَبِفَهْمِهِ بَسَطَ السَّمَاوَاتِ. إِذَا أَعْطَى قَوْلاً تَكُونُ كَثْرَةُ مِيَاهٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَيُصْعِدُ السَّحَابَ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ. صَنَعَ بُرُوقاً لِلْمَطَرِ وَأَخْرَجَ الرِّيحَ مِنْ خَزَائِنِهِ… لأَنَّهُ مُصَوِّرُ الْجَمِيعِ وَإِسْرَائِيلُ قَضِيبُ مِيرَاثِهِ. رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. (إرميا 10: 10–16)

يتحكم الله في النهاية بكل جانب للعالم المخلوق. فهو يملك القدرة لفعل ما يريد. ولخّص الرب نفسه قدرته في إشعياء 46: 10-11 بهذه الطريقة:

رَأْيِي يَقُومُ وَأَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي… قَدْ تَكَلَّمْتُ فَأُجْرِيهِ. قَضَيْتُ فَأَفْعَلُهُ. (إشعياء 46: 10-11)

إن القدرة الكلية لله تذكار جيد لنا كمؤمنين، حتى أنه عندما يبدو العالم وكأنه خارج عن نطاق السيطرة، ونشعر وكأنه ينزلق في الفوضى، فهو ليس هكذا. ولا يمكن تقييد الله بمصدرٍ أو قدرةٍ تفوقه. إن العالم، بالرغم مما قد يبدو عليه، ليس خارجاً عن نطاق السيطرة فالله هو المسيطرٌ ويمكننا أن نثق بأنه غير مغلوب، وهذا يعطينا القوة لنعيش بالإيمان في تلك الأوقات التي تبدو غامضة بالنسبة لوجهة نظرنا المحدودة. وعندما لا نرى كل ما يراه الله، فإنه أمرٌ جيدٌ أن سيطرة الله وقدرته لا يمكن أن تُنزَع منه رغماً عنه. [د. روبرت لِستر]

تُشير الأسفار المقدسة في كل الكتاب المقدس، إلى فداء الله لشعبه كبرهان مثالي عن قدرته. حيث نقرأ مراراً في العهد القديم، أن الله برهن عن قدرته في الخروج عندما ضرب المصريين بالأوبئة، حرّر بني إسرائيل من العبودية، حافظ عليهم بطعام من السماء لمدة أربعين سنة في البرية، ومنحهم احتلال أرض الموعد. لقد كان الخروج بالنسبة للإسرائيليين القدماء، المثال الأعظم لقدرة الله الفدائية التي عرفوها.

ونجد إشارات لقدرة الله في الخروج، في كل أسفار الشريعة، في فقرات مثل خروج 14: 31؛ عدد 14: 13؛ وتثنية 9: 26-29. كما ونجد هذا الموضوع في كل جزء آخر في العهد القديم. فنجده في الأسفار التاريخية في الملوك الثاني 17: 36؛ في الأسفار الشعرية في أماكن مثل مزمور 66: 3-6؛ وفي الأسفار النبوية في أماكن مثل إشعياء 63: 12.

هذا لا يعني أن الإسرائيليين القدماء تجاهلوا العظمة الفائقة للفداء الروحي الذي نالوه بالنعمة بالإيمان بالرب. وقد كان يحق لهم تماماً أن يقولوا أموراً مثل “أؤمن بقدرة الله بالإيمان”. لكن وجد العديد من مؤلفيّ العهد القديم أنه مُقنعٌ أكثر إذا قالوا أموراً مثل “برهن الله عن قدرته من خلال التحرير المفرد لأمتنا بأكملها من العبودية”. ويجب ألا يفاجئنا هذا. ففي النهاية، كانت البراهين الخارجية لقوة الله في الخروج غير قابلة للجدل، حتى أن المصريين غير المؤمنين اقتنعوا بها.

وانطلاقاً من هذا الفهمِ لقوةِ الله غيرِ المحدودةِ في أذهانِنا، لا بد من وقفةٍ قصيرةٍ لنشيرَ أن هناكَ أموراً محدّدةً لا يقدرُ اللهُ، أو لا يريدُ أن يقومَ بها على الرغم من قدرته غير المحدودة. وعلى وجهِ التحديدِ، فإن طبيعةَ الله تتحكمُ بكل شيء يفعلُه. وبالتالي، هو لا يفعلُ أيَ شيءٍ يتناقضُ مع طبيعتِه.

إن الطبيعة مصطلح واسع يشمل الصفات الجوهرية والشخصية معاً. ويمكننا تعريف الطبيعة كشخصية الفرد الأساسية أو النواحي المركزية لوجود الفرد. ففي حالة الآب، لا تشمل طبيعته كيانه وشخصه فقط، بل أيضاً علاقاته مع أقنومَي الثالوث الآخرَين. إن طبيعة الآب ثابتة وغير قابلة للتغيير على الإطلاق، بحيث أنها تقوده دائماً ليمارس قدرته بطرق متشابهة. تتحدث رسالة يعقوب 1: 17 عن طبيعة الله غير القابلة للتغيير بهذه الطريقة:

أَبِي الأَنْوَارِ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ. (يعقوب 1: 17)

لا تَحُدّ طبيعة الآب من قدرته على القيام بأمور تنسجم مع طبيعته. لكنها تضمن بأنه سيمارس فقط قدرته الكلية بطرق تتفق مع صفاته. على سبيل المثال، لن يتوقف الآب عن كونه أبدياً. لن يُلغي سلطته على الابن والروح القدس. لن يرتكب الإثم، وسيحفظ وعوده دائماً.

إن ما يثير الاهتمام بالنسبة لي هو أن أحد عوامل نشوء العلم الحديث هو الاعتراف بأن الله يعمل اليوم كما فعل بالأمس. وإن كان لا يمكن التنبؤ بالله نهائياً، فأنت غير قادر على دراسة هذا العالم، لأنك لا تعرف إذا كان سيعمل بهذه الطريقة اليوم وبأخرى غداً. لكن إذا كان الله ثابتاً، يمكنك عندها أن تدرس العالم فعلاً وتفهم كيف صنعه الله وكيف يعمل. وهكذا، ساعد الاعتقاد في ثبات الله في نشوء العلم الحديث. في الواقع، وبنفس الطريقة التي ساعد فيها في نشوء العلم الحديث، فإنه يساعد في ضمان راحة وسلام المسيحي في الظروف الغامضة، وأننا لسنا مضطرين لاكتشاف كل هذا. لسنا بحاجة لمعرفة الأمور المخفية. كل ما علينا معرفته هو أن إلهنا كافٍ تماماً لمواجهة كل تحدي يعترضنا، وأنه سيعالج تلك الحالة بشكل متوَقّع بنفس الطريقة التي وعد بها داود، إبراهيم، آدم، يسوع، وبولس – بأنه يمكن الاعتماد عليه، بأنه أمين، بأنه غير متقلّب، بأنه لا يتغير يوماً بعد يوم، وأن لديه قدرة في ذاته لمعالجة كل الظروف. [د. ليچن دنكن الثالث]

بعد أن ناقشنا طبيعة قدرة الآب غير المحدودة، يجب أن ننتقل إلى صفاته الفريدة، مُظهرين أن الله وحده كلّي القدرة.

فريدة

اصغِ للطريقة التي تم فيها وصف قدرة الله في إشعياء 14: 24–27:

قَدْ حَلَفَ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً إِنَّهُ كَمَا قَصَدْتُ يَصِيرُ وَكَمَا نَوَيْتُ يَثْبُتُ أَنْ أُحَطِّمَ أَشُّورَ فِي أَرْضِي وَأَدُوسَهُ عَلَى جِبَالِي فَيَزُولَ عَنْهُمْ نِيرُهُ وَيَزُولَ عَنْ كَتِفِهِمْ حِمْلُهُ. هذَا هُوَ القَضَاءُ الْمَقْضِيُّ بِهِ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ وَهذِهِ هِيَ الْيَدُ الْمَمْدُودَةُ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. فَإِنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ قَضَى فَمَنْ يُبَطِّلُ وَيَدُهُ هِيَ الْمَمْدُودَةُ فَمَنْ يَرُدُّهَا. (إشعياء 14: 24–27)

لاحظ في هذا المقطع، أن وصف قدرة الرب غير المحدودة، متبوع بتأكيدِ أنه كلي القدرة وحده. فلا يوجد مَن يُبَطِّلُه، ولا من يرُدّ يده.

تنبع حقيقة أن قوة الله فريدة بشكل طبيعي من حقيقة وجود إله واحد حقيقي. وبالتأكيد، لو كان هناك كائن آخر بقدرة غير محدودة، لكان بالإمكان تحدي منزلة الله كالإله الوحيد. ومع ذلك، إن وجود كائن ذو قدرة غير محدودة، يعني أنه إلهي، أو يمكنه أن يجعل نفسه إلهياً بحكم قدرته.

هذا هو أساساً ما قاله الله لأيوب في أيوب 38، عندما قال أنه يمكن لأيوب أن يبرّر نفسه، إذا تمكّن أولاً من القيام بنفس الأعمال التي سبق وقام بها الله، مثل خلق الكون، ترتيبه، والتحكم به بعنايته. لكن الحقيقة هي أن الله وحده هو إلهي حقاً. ولهذا إن لله وحده قدرة غير محدودة.

مع الأسف، يُنكِرُ العديدُ من المسيحيين اليومَ، عن حسنِ نيةٍ، أن اللهَ كليَ القدرة. فهم يسيئون فهمَ الأسفارِ المقدسة، ويظنون أنها تُعِلمُ أن اللهَ يفعلُ كل ما بوسعه في الخليقة. لكن الكتابَ المقدسَ يُعلّمُ عن كلية قدرةِ الله كأمرٍ واقعيِ إلى حدٍ مدهش. فعندما يكون شعبُ الله في وَرْطَة، يصرخون إلى الله طالبين عونَه إذ هم يعلمون أنه قادرٌ أن ينقذهم. وعندما يبدو أن الشرَ يسيطرُ على العالم، يمكننا أن نطمئن واثقين أن لله سلطانٌ مطلقٌ على الشر. فدون إيمان بقدرة اللهِ الكلية، لا يوجد أساسٌ لثقتنا بأن اللهَ سينتصرُ على أعدائِه، وسينالُ أولادُه البركاتِ الأبدية التي وعدَهم بها.

من المدهش أن نفكر بكل اللاهوت الغني الذي يدخل في عبارة الآب القدير. إننا نخدم إلهاً قديراً، شخصياً، أبوياً يحبنا ويهتم بنا بطرق مدهشة. ويمكننا أن نتأكد تماماً، بأن حمايته لن تفشل أبداً لأننا نعلم، أنه هو نفسه لن يفشل. فهو سيبقى خالقنا، ملكنا، ورأس عائلتنا دائماً. ستكون قدرته غير محدودة، وفريدة دائماً. لن يتغيّر أبداً. وسيكون موجوداً ليخلّصنا باستمرار، والخلاص الذي يقدمه لنا أبديٌ كما أنه هو أبدي.

لقد درسنا في هذا الدرس حتى الآن، طبيعة إلهنا المثلث الأقانيم، وصفات الأقنوم الإلهي المعروف بالآب القدير. نحن مستعدون الآن للانتقال إلى موضوعنا الثالث، وهو دور الآب كخالق السماء والأرض.

  • دليل الدراسة
  • الكلمات المفتاحية

القسم الثاني: الآب القدير

مخطط لتدوين الملاحظات

II. الآب القدير

أ‌. الاسم

ب‌. الأقنوم

ج‌. الأبوة

1. الخالق

2. الملك

3. رأس العائلة

د‌. القدرة

1. غير محدودة

2. فريدة

أسئلة المراجعة

1. ما هو معنى المبادئ الثلاثة للـ”آب” حين يُستخدَم هذا المصطلح في الكلمة المقدسة بالإشارة إلى الله؟

2. ما الذي يعلمه الدرس حول مصطلح “الآب” حين يشير إلى الأقنوم الأول من الثالوث في الكتاب المقدس؟

3. اشرح الإختلاف بين “الثالوث الوجودي” و”الثالوث التدبيري”.

4. اشرح اللاهوت الأرثوذكسي فيما يخص العلاقة بين الآب والابن والروح القدس، في كل من منطلق “الثالوث الوجودي” و”الثالوث التدبيري”.

5. لماذا كانت الشعوب القديمة تشير إلى ملكها كـ”آب”؟

6. اشرح الجوانب الثلاثة لأبوة الله كما يُعلَّم في الدرس: الخالق، الملك، ورأس العائلة.

7. بأي معنى هناك بعض الأشياء “لا يمكن لله فعلها”؟

8. تأكد من معرفتك لمحتوى كل من المقاطع التالية من الكتاب المقدس: يوحنا 14: 16-17؛ هوشع 11: 1؛ إرميا 10: 10-16؛ وإشعياء 14: 24-26.

أسئلة تطبيقية

1. كيف تفكر في الله؟ ما هي الصورة التي تتبادر إلى ذهنك بشكل متكرر؟ هل يجلس على عرش؟ هل لديه لحية؟ هل هو شيخًا؟ ما ه التعبيرات التي على وجهه؟

2. ما هي الطرق العمليّة التي تساعدك على تذكر أن الله وهو الآب”؟ هل يغيّر ذلك الصورة التي تتبادر إلى الذهن عندما تفكر فيه؟ هل يُغيّر ذلك ذلك من طريقة صلاتك له؟ اشرح رأيك؟

3. ما هي الطرق التي تساعدك على تذكر أن الله قدير؟ هل يُغيّر ذلك الصورة التي تتبادر إلى ذهنك عندما تفكر فيه؟

AJAX progress indicator
Search: (clear)
  • أوغسطينوس
    أسقف هيبو (354-430م)، آمن بالكتاب المقدس كالسلطة النهائية في العقيدة واعتبر قوانين الايمان الخاصة بالكنيسة ملّخصات مفيدة للتعاليم الكتابية. وهو الذي كتب كتاب الاعترافات Confessions، ومدينة الله The City of God.
الاختبارات
قانون إيمان الرسل – الدرس الثاني – الامتحان الثاني
Previous القسم
Back to الدرس
Next القسم

انجازك في الدورة

0% Complete
0/44 Steps

محتوى الدورة الدراسية

الدورة Home عرض الكل
ابدأ هنا- مخطط الدورة الدراسية
الدرس الأول: بنود الإيمان
6 الأقسام | 5 الاختبارات
التحضير للدرس الأول
قانون إيمان الرسل – الدرس الأول – القسم الأول
قانون إيمان الرسل – الدرس الأول – القسم الثاني
قانون إيمان الرسل – الدرس الأول – القسم الثالث
الأسئلة المقالية
الأسئلة التعبيرية
الدرس الثاني: الله الآب
5 الأقسام | 5 الاختبارات
قانون إيمان الرسل – الدرس الثاني – القسم الأول
قانون إيمان الرسل – الدرس الثاني – القسم الثاني
قانون إيمان الرسل – الدرس الثاني – القسم الثالث
الأسئلة المقالية
الأسئلة التعبيرية
الدرس الثالث: يسوع المسيح
5 الأقسام | 5 الاختبارات
قانون إيمان الرسل – الدرس الثالث – القسم الأول
قانون إيمان الرسل – الدرس الثالث – القسم الثاني
قانون إيمان الرسل – الدرس الثالث – القسم الثالث
الأسئلة المقالية
الأسئلة التعبيرية
الدرس الرابع: الروح القدس
5 الأقسام | 5 الاختبارات
قانون إيمان الرسل – الدرس الرابع – القسم الأول
قانون إيمان الرسل – الدرس الرابع – القسم الثاني
قانون إيمان الرسل – الدرس الرابع – القسم الثالث
الأسئلة المقالية
الأسئلة التعبيرية
الدرس الخامس: الكنيسة
6 الأقسام | 6 الاختبارات
قانون إيمان الرسل – الدرس الخامس – القسم الأول
قانون إيمان الرسل – الدرس الخامس – القسم الثاني
قانون إيمان الرسل – الدرس الخامس – القسم الثالث
قانون إيمان الرسل – الدرس الخامس – القسم الرابع
الأسئلة المقالية
الأسئلة التعبيرية
الدرس السادس: الخلاص
5 الأقسام | 7 الاختبارات
قانون إيمان الرسل – الدرس السادس – القسم الأول
قانون إيمان الرسل – الدرس السادس – القسم الثاني
قانون إيمان الرسل – الدرس السادس – القسم الثالث
الأسئلة المقالية
الأسئلة التعبيرية
الدرس السابع: القراءات المطلوبة
4 الأقسام | 5 الاختبارات
متطلبات القراءة ١
متطلبات القراءة ٢
متطلبات القراءة ٣
متطلبات القراءة ٤
العودة إلى قانون إيمان الرسل

Copyright © 2021 · Education Pro 100fold on Genesis Framework · WordPress · Log in